وَسلم، فَقَالَ: القِينِي بِهِ، فَلَيقِيتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟ قَالَ: كلَّ يَوْمٍ. قَالَ: وكَيْفَ تَخْتِمُ؟ قَالَ: كلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ صُمْ فِي كلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً، واقْرَإ القُرْآنَ فِي كلِّ شَهْرٍ. قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: صُمْ ثَلَاثَة أيَّامٍ فِي الجُمُعَةِ. قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أكْثَرَ مِنْ ذالِكَ. قَالَ: أفْطِرْ يَوْمَيْنِ وصُمْ يَوْما، قَالَ: قُلْتُ أُطِيقُ أكْثَرَ مِنْ ذالِكَقال: صُمْ أفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ داوُدَ: صِيامَ يَوْمٍ وإفْطارَ يَوْمٍ، واقْرَأْ فِي كلِّ سَبْعِ لَيالٍ مَرَّةً، فلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وذَاكَ أنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ، فَكانَ يقْرَأُ علَى بَعْضٍ أهْلِهِ السُّبْعَ مِنَ القُرْآنِ بِالنَّهَارِ والذِي يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهارِ لِيَكُونَ أخَفَّ علَيْهِ باللَّيْلِ، وَإِذا أرَادَ أنَّ يتَقَوَّى أفطَرَ أيَّاما وأحْصي، وصامَ مِثْلَهُنَّ كرَاهِيَةَ أنْ يتْرُكَ شَيْئا، فارَقَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَيهِ.
قَالَ أبُو عبْدِ الله: وَقَالَ بعْضُهُمْ: فِي ثَلاثٍ وَفِي خَمْسٍ، وأكْثَرُهُمْ علَى سَبْعٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَيفَ تختم؟ قَالَ: كل لَيْلَة) . ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، ومغيرة هُوَ ابْن مقسم، بِكَسْر الْمِيم: الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُحَمَّد بن بشر بِهِ وَفِي الصَّوْم عَن مُحَمَّد بن معمر وَغَيره.
قَوْله: (أنكحني أبي) أَي: زَوجنِي، وَهُوَ مَحْمُول على أَنه كَانَ المشير عَلَيْهِ بذلك، وَإِلَّا فعبد الله بن عَمْرو وَكَانَ رجلا كَامِلا، أَو كَانَ مُحْتملا عَنهُ بِالصَّدَاقِ، أَو زوجه بالفضول فَأَجَازَهُ. قَوْله: (امْرَأَة ذَات حسب) أَي: ذَات شرف بِالْآبَاءِ، وَجَاء فِي رِوَايَة أَحْمد: امْرَأَة من قُرَيْش، وَهِي أم مُحَمَّد بنت محمية، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْمِيم وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف الْخَفِيفَة: ابْن جُزْء الزبيدِيّ حَلِيف قُرَيْش. قَوْله: (فَكَانَ يتَعَاهَد) أَي: فَكَانَ أبي وَهُوَ عَمْرو بن الْعَاصِ يتَعَاهَد أَي: يتفقد. قَوْله: (كنته) بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد النُّون، وَهِي امْرَأَة ابْنه. قَوْله: (عَن بَعْلهَا) أَي: عَن زَوجهَا وَهُوَ عبد الله. قَوْله: (فَتَقول) أَي الكنة تَقول فِي جَوَاب عَمْرو حِين يسْأَلهَا عَنهُ. قَوْله: (نعم الرجل من رجل) قَالَ الْكرْمَانِي: الْمَخْصُوص بالمدح مَحْذُوف، ثمَّ قَالَ: يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: نعم الرجل من بَين الرِّجَال، والنكرة فِي الْإِثْبَات قد تفِيد التَّعْمِيم، كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {علمت نفس مَا أحضرت} (التكوير: ٤١) أَو أَن يكون من بَاب التَّجْرِيد كَأَنَّهَا جردت من رجل مَوْصُوف بِكَذَا وَكَذَا رجلا، فَقَالَت: نعم الرجل الْمُجَرّد من كَذَا فلَان، وَقَالَ الْمَالِكِي فِي الشواهد: تضمن هَذَا الحَدِيث وُقُوع التَّمْيِيز بعد فَاعل نعم ظَاهرا، وسيبويه لَا يجوّز أَن يَقع التَّمْيِيز بعد فَاعله إلَاّ إِذا اضمر الْفَاعِل، وَأَجَازَهُ الْمبرد وَهُوَ الصَّحِيح. قَوْله: (لم يطَأ لنا فراشا) أَي: لم يضاجعنا حَتَّى يطَأ فراشنا. قَوْله: (وَلم يفتش لنا) ، بفاه مَفْتُوحَة وتاء مثناة من فَوق مُشَدّدَة: كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَكَذَا فِي رِوَايَة أَحْمد وَالنَّسَائِيّ، وَفِي رِوَايَة الكشمهيني: وَلم يغش، بغين مُعْجمَة سَاكِنة بعْدهَا شين مُعْجمَة. قَوْله: (كنفا) بِفَتْح الْكَاف وَالنُّون بعْدهَا فَاء وَهُوَ السّتْر والجانب، وأرادت بذلك الْكِنَايَة عَن عدم جمَاعَة لَهَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: والكنف السَّاتِر والوعاء أَو بِمَعْنى الكنيف. فَإِن قلت: مَا الْمَقْصُود من الجملتين؟ قلت: تَعْنِي لم يضاجعنا حَتَّى يطَأ فراشا، وَلم يطعم عندنَا حَتَّى يحْتَاج أَن يفتش عَن مَوضِع قَضَاء الْحَاجة، انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: الأول أولى. قلت: لم يبين وَجه الْأَوْلَوِيَّة وَلم يكن قَصده إلَاّ غمزة فِي حَقه. قلت: حَاصِل الْكَلَام هُنَا أَن هَذِه الْمَرْأَة شكرت عبد الله أَولا بِأَنَّهُ قوام بِاللَّيْلِ صوام بِالنَّهَارِ، ثمَّ شكت من حَيْثُ إِنَّه لم يضاجعها وَلم يطعم شَيْئا عِنْدهَا، فحط عَلَيْهِ أَبوهُ عمر، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا جَاءَ فِي رِوَايَة هشيم: فَأقبل عَليّ يلومني، فَقَالَ: أنكحتك امْرَأَة من قُرَيْش ذَات حسب فعضلتها وَفعلت، ثمَّ انْطلق إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشَكَانِي. قَوْله: (فَلَمَّا طَال ذَلِك عَلَيْهِ) أَي: على عَمْرو، ذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَقَالَ القني بِهِ) أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لعَمْرو بن الْعَاصِ: القني بِهِ أَي: بِعَبْد الله، والقني مُشْتَقّ من اللِّقَاء. وَالْمعْنَى: اجْتمعَا عِنْدِي. قَوْله: (فَلَقِيته بعد) أَي: لقِيت عبد الله، قَائِله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح: اخْتلف الروَاة كَيفَ كَانَ لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقيل: إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ، وَقيل: لَقيته اتِّفَاقًا، فَقَالَ لَهُ: اجْتمع بِي. قَوْله: (بعد) مَبْنِيّ على الضَّم لانقطاعه عَن الْإِضَافَة أَي: بعد ذَلِك. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute