حِجَابا من النَّار) . قَالَ: كنت أعرف ذَلِك، وَلَكِن أوهمت الحَدِيث فَكرِهت أَن أحدث بِهِ على غير مَا كَانَ، ثمَّ ركب رَاحِلَته وَرجع. وَقَالَ ابْن وهب: أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث، عَن أَبِيه عَن مولى لخارجة عَن أبي صياد الْأسود الْأنْصَارِيّ، وَكَانَ عريفهم، أَن رجلا قدم على مسلمة بن مخلد، فَلم ينزل، وَقَالَ: أرسل معي إِلَى عقبَة بن عَامر، فَأرْسل مَعَه أَبَا صياد، فَقَالَ الرجل لعقبة: هَل تذكر مَجْلِسا لنا فِيهِ عِنْد النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام؟ فَقَالَ: نعم. فَقَالَ: (من ستر عَورَة مُؤمن كَانَت لَهُ كموؤودة أَحْيَاهَا) فَقَالَ عقبَة: نعم، فَكبر الرجل، قَالَ: لهَذَا ارتحلت من الْمَدِينَة، ثمَّ رَجَعَ. وَالصَّحِيح أَن المُرَاد من قَوْله: فِي حَدِيث وَاحِد، هُوَ الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب (الرَّد على الْجَهْمِية) آخر الْكتاب، فَقَالَ: وَنَذْكُر عَن جَابر بن عبد اللَّه عَن عبد اللَّه بن أنيس: سَمِعت النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يَقُول: (يحْشر الله الْعباد فيناديهم، بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب: أَنا الْملك أَنا الديَّان) لم يزدْ البُخَارِيّ على هَذَا، وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى فِي (مسنديهما) من طَرِيق عبد اللَّه بن مُحَمَّد بن عقيل أَنه سمع جَابر بن عبد اللَّه يَقُول: بَلغنِي عَن رجل حَدِيث سَمعه عَن رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فاشتريت بَعِيرًا، ثمَّ شددت رحلي فسرت إِلَيْهِ شهرا حَتَّى قدمت الشَّام، فَإِذا عبد اللَّه بن أنيس، فَقلت للبواب: قل لَهُ جَابر بن عبد اللَّه على الْبَاب. فَقَالَ: ابْن عبد اللَّه؟ قلت: نعم. فَخرج فاعتنقني، فَقلت: حَدِيث بَلغنِي عَنْك أَنَّك سمعته من رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَخَشِيت أَن أَمُوت قبل أَن أسمعك. فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (يحْشر الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة عُرَاة غرلًا بهما، فيناديهم بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب: أَنا الْملك، أَنا الديَّان، لَا يَنْبَغِي لأهل الْجنَّة أَن يدْخل الْجنَّة وَاحِد من أهل النَّار يَطْلُبهُ بمظلمة حَتَّى يقتصه مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَة قَالَ: وَكَيف، وَإِنَّمَا نأتي عُرَاة غرلًا؟ قَالَ: بِالْحَسَنَاتِ والسيئات وَأخرجه ابْن أبي عَاصِم فِي كتاب الْعلم عَن شَيبَان: حَدثنَا همام، حَدثنَا الْقَاسِم بن عبد الْوَاحِد، حَدثنِي عبد اللَّه بن مُحَمَّد بن عقيل أَن جَابِرا حَدثهُ ... إِلَى آخِره. وَأخرجه أَيْضا الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده عَن هدبة عَن همام بِسَنَدِهِ نَحوه. وَأخرجه أَيْضا نصر الْمَقْدِسِي فِي كتاب (الْحجَّة على تَارِك المحجة) عَن عَليّ ابْن طَاهِر: حَدثنَا الْحُسَيْن بن خرَاش، حَدثنَا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز، ثَنَا أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، ثَنَا همام إِلَى آخِره. فَإِن قلت: ذكر أَبُو سعيد بن يُونُس بِسَنَدِهِ عَن جَابر قَالَ: بَلغنِي حَدِيث فِي الْقصاص عَن عقبَة بن عَامر، وَهُوَ بِمصْر، فاشتريت بَعِيرًا فشددت عَلَيْهِ رحلاً وسرت إِلَيْهِ شهرا حَتَّى أتيت مصر وَذكر الحَدِيث. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي مُسْند الشاميين، وَتَمام فِي (فَوَائده) من طَرِيق الْحجَّاج بن دِينَار عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر، قَالَ: كَانَ بَلغنِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث فِي الْقصاص، وَكَانَ صَاحب الحَدِيث بِمصْر، فاشتريت بَعِيرًا فسرت حَتَّى وَردت مصر، فقصدت إِلَى بَاب الرجل ... ، فَذكر نَحْو الحَدِيث الْمَذْكُور، وَإِسْنَاده صَالح. وروى الْخَطِيب فِي كتاب (الرحلة) ، من حَدِيث عبد الوارث بن سعيد عَن الْقَاسِم بن عبد الْوَاحِد عَن ابْن عقيل عَن جَابر قَالَ: تقدّمت على ابْن أنيس بِمصْر ... وَرَوَاهُ أَيْضا، من طَرِيق عِيسَى الغنجار عَن عمر بن صَالح عَن مقَاتل بن حبَان عَن أبي جارود الْعَبْسِي عَن جَابر، فَأتيت مصر فَإِذا هُوَ بِبَاب الرجل، فَخرج إليَّ وَفِيه: (والرب على عَرْشه يُنَادى بِصَوْت رفيع غير فظيع)
الحَدِيث. قلت: يحْتَمل أَن يَكُونَا وَاقِعَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا لعبد اللَّه بن أنيس، وَالْأُخْرَى: لعقبة بن عَامر، رَضِي الله عَنْهُمَا. قَوْله: (عُرَاة) جمع عَار. قَوْله: (غرلًا) ، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء جمع أغرل وَهُوَ: الأقلف. وَقَوله: (بهما) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، قَالَ الْجَوْهَرِي: لَيْسَ مَعَهم شَيْء، وَيُقَال أصحاء. قلت: يَعْنِي لَيْسَ فيهم شَيْء من العاهات: كالعمى والعور وَغَيرهمَا، وَإِنَّمَا أجساد صَحِيحَة للخلود، إِمَّا فِي الْجنَّة وَإِمَّا فِي النَّار. والبهم فِي الأَصْل الَّذِي يخالط لَونه لون سَواد. قَوْله: (فيناديهم بِصَوْت) قَالَ القَاضِي الْمَعْنى يَجْعَل ملكا يُنَادي، أَو يخلق صَوتا ليسمعه النَّاس، وَأما كَلَام الله تَعَالَى فَلَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر (فينادي بِصَوْت) على مَا لم يسم فَاعله.
الْخَامِس: ادَّعَت جمَاعَة أَن البُخَارِيّ قد نقض قَاعِدَته، وَذَلِكَ أَن من قَوَاعِده أَنه يذكر التَّعْلِيق إِذا كَانَ صَحِيحا بِصِيغَة الْجَزْم. وَإِذا كَانَ ضَعِيفا بِصِيغَة التمريض، وَهنا قَالَ: ورحل جَابر بن عبد اللَّه بِصِيغَة الْجَزْم، وَقَالَ فِي أَوَاخِر (صَحِيحَة) : وَيذكر جَابر بِصِيغَة التمريض، وَأجَاب عَنهُ الشَّيْخ قطب الدّين بِأَنَّهُ جزم: بالرحلة دون الحَدِيث، فَعِنْدَ مَا ذكر الحَدِيث اتى بِصِيغَة التمريض، فَقَالَ: وَيذكر عَن جَابر بن عبد اللَّه.
٧٨ - حدّثنا أَبُو القاسِمِ خالِدُ بنُ خلِيٍّ قَالَ: حدّثنا مُحمَّدُ بنُ حَرْبٍ قَالَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: أخبرنَا الزُهْرَي)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute