كالمساجد للْمُسلمين. وَقَالَ عِيَاض: وَأنكر بعض أهل اللُّغَة هَذِه الْمقَالة، وَقَالَ الجواليقي: جعل بعض الْعلمَاء الْبيعَة والكنيسة فارسيتين معربتين. وَقَالَ الْمُهلب: هَذَا الْبَاب لَيْسَ مُعَارضا لباب من صلى وقدامه نَار أَو تنور، وَذَلِكَ أَن الِاخْتِيَار أَن لَا يبتدىء بِالصَّلَاةِ إِلَى شَيْء من معبودات الْكفَّار، إلَاّ أَن يعرض لَهُ، كَمَا فِي حَدِيث صَلَاة الخسوف وَعرض النَّار عَلَيْهِ، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم. قلت: تَقْرِير معنى الْمُعَارضَة بَين الْبَابَيْنِ أَن فِي هَذَا الْبَاب كَرَاهَة الصَّلَاة أَو تَحْرِيمهَا، وَفِي ذَاك الْبَاب جَوَازهَا مَعَ عدم الْكَرَاهَة، وَتَقْرِير الْجَواب أَن مَا كَانَ فِي ذَاك الْبَاب بِغَيْر الِاخْتِيَار، وَمَا فِي هَذَا الْبَاب كَقَوْل عمر، رَضِي اتعالى عَنهُ: إِنَّا لَا ندخل كنائسكم، يَعْنِي بِالِاخْتِيَارِ وَالِاسْتِحْسَان دون ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى ذَلِك.
وَقَالَ عُمَرُ، رَضِي اعنه، إنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ منْ أجْلِ التَّمَائِيلِ الَّتِي فِيها الصُّوَرُ
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عدم دُخُوله فِي كنائسهم لأجل الصُّور الَّتِي فِيهَا، وَلَوْلَا الصُّور وَمَا كَانَ يمْتَنع من الدُّخُول، وَعند الدُّخُول لَا تمنع الصَّلَاة، فحينئذٍ صَحَّ فعل الصَّلَاة فِي الْبيعَة من غير كَرَاهَة إِذا لم يكن فِيهَا تماثيل، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن سهل بن سعد عَن حميد عَن بكر، قَالَ: (كتب إِلَى عمر، رَضِي اتعالى عَنهُ، من نَجْرَان أَنهم لم يَجدوا مَكَانا أنظف وَلَا أَجود من بيعَة فَكتب انضحوها بِمَاء وَسدر وصلوا فِيهَا) . وَأثر عمر وَصله عبد الرَّزَّاق من طَرِيق أسلم مولى عمر، قَالَ: (لما قدم عمر الشَّام صنع لَهُ رجل من النَّصَارَى طَعَاما، وَكَانَ من عظمائهم، وَقَالَ: أَنا أحب أَن تُجِيبنِي وتكرمني. فَقَالَ لَهُ عمر: إنَّا لَا ندخل كنائسكم من أجل الصُّور الَّتِي فِيهَا) . يَعْنِي التماثيل. قَوْله: (إِنَّا لَا ندخل كنائسكم) بكاف الْخطاب، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: (كنائسهم) ، بضمير الْجمع الْغَائِب. قَوْله: (الَّتِي فِيهَا الصُّور) ، جملَة إسمية، لِأَن الصُّور مُبْتَدأ مَرْفُوع، وَقَوله: (فِيهَا) خَبره، أَي: فِي الْكَنَائِس، وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول وَقعت صفة للكنائس لَا للتماثيل لفساد الْمَعْنى، لِأَن التماثيل هِيَ الصُّور. ويروى الصُّور، بِالْجَرِّ، فعلى هَذَا يكون الْمَوْصُول مَعَ صلته صفة للتماثيل، وَتَكون الصُّور بِالْجَرِّ بَدَلا من: التماثيل، أَو عطف بَيَان. وَيجوز نصب الصُّور على الِاخْتِصَاص، وَوجه بَعضهم رفع الصُّور، بقوله: إِن التماثيل مصورة، وَهَذَا تَوْجِيه من لَا يعرف من الْعَرَبيَّة شَيْئا. وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: والصور، بواو الْعَطف على التماثيل، وَالْمعْنَى: وَلأَجل الصُّورَة الَّتِي فِيهَا، والصور أَعم من التمثال.
وكانَ ابنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي البيعَةِ إِلَاّ بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ.
هَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَغَوِيّ فِي الجعديات، وَزَاد فِيهِ: (فَإِن كَانَ فِيهَا تماثيل خرج فصلى فِي الْمَطَر) ، وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) بِسَنَد فِيهِ خصيف، وَفِيه كَلَام: عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس أَنه كره الصَّلَاة فِي الْكَنِيسَة إِذا كَانَ فِيهَا تصاوير وَمِمَّنْ لم ير بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنَائِس وَالْبيع بَأْسا: عَطاء وَالشعْبِيّ وَابْن سِيرِين، وَهُوَ قَول مَالك، وروى عَنهُ أَنه كره الصَّلَاة فِي الْكَنَائِس لما يُصِيب أَهله فِيهَا من الْخَنَازِير وَالْخمر، إِلَّا أَن يضْطَر إِلَى ذَلِك من شدَّة طين أَو مطر.
٤٣٤٥٩ - ح دّثنا مُحَمدٌ قَالَ أخبرنَا عَبْدَةُ عنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسولِ اللَّهِ كَنيسَةً رَأَنْهَا بِأَرْضِ الحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكرَتْ لَهُ مَا رَأتْ فِيهَا مِنَ الصُوَرِ فقالَ رَسولُ الله أُولَئِكَ قَوْمٌ إذَا ماتَ فِيهمُ العَبْدُ الصَّالِحُ أَو الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أولَئِكِ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ. (انْظُر الحَدِيث ٧٢٤ وطرفيه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (بنوا على قَبره مَسْجِدا وصوروا فِيهِ تِلْكَ الصُّور) ، لِأَن الْبَاب فِي الصَّلَاة فِي الْبيعَة، وَقد مر أَنَّهَا تكره فِي الْبيعَة إِذا كَانَت فِيهَا صور، وَهَذَا الحَدِيث ذكره فِي بَاب: هَل تنبش قُبُور مُشْركي الْجَاهِلِيَّة؟ قبل هَذَا الْبَاب بِخَمْسَة أَبْوَاب، وَذكرنَا مَا يتَعَلَّق بِهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام البيكندي، كَمَا صرح بِهِ ابْن السكن فِي رِوَايَته، وَعَبدَة،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute