وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله الْخلْع، الْمُضَاف إِلَيْهِ لفظ الْبَاب، وَفِي لفظ رِوَايَة أبي ذَر: وَقَول الله: {وَلَا يحل لكم} إِلَى قَوْله: {إِلَّا أَن يُقِيمَا حُدُود الله}(الْبَقَرَة: ٩٢٢) وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: وَقَول الله تَعَالَى: {وَلَا يحل لكم} إِلَى قَوْله: {إِلَّا أَن يخافا} وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا من أول الْآيَة إِلَى قَوْله: {الظَّالِمُونَ} وَهَذَا كُله لَيْسَ مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ، بل ذكر بعض الْآيَة كافٍ، وَإِنَّمَا ذكر هَذِه الْآيَة لِأَنَّهَا نزلت فِي قَضِيَّة امْرَأَة ثَابت ابْن قيس بن شماس الَّتِي اخْتلعت مِنْهُ، وَهُوَ أول خلع كَانَ فِي الْإِسْلَام، وفيهَا بَيَان مَا يفعل فِي الْخلْع. قَوْله:(وَلَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا) أَي: لَا يحل لكم أَن تضاجروهن وتضيقوا عَلَيْهِنَّ ليفتدين مِنْكُم بِمَا أعطيتموهن من الأصدقة أَو بِبَعْضِه. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: إِن قلت الْخطاب للأزواج لم يطابقه: {فَإِن أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله} وَإِن قلت للأئمة والحكام، فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا بآخذين مِنْهُم وَلَا بمؤتيهن. ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ يجوز الْأَمْرَانِ جَمِيعًا أَن يكون أول الْخطاب للأزواج وَآخره للأئمة والحكام، وَأَن يكون الْخطاب كُله للأئمة والحكام لأَنهم الَّذين يأمرون بِالْأَخْذِ والإيتاء عندالترافع إِلَيْهِم، فكأنهم الآخذون والمؤتون. قَوْله:(مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ) أَي: مِمَّا أعطيتموهن من الصَّدقَات. قَوْله:(إِلَّا أَن يخافا) أَي: الزَّوْجَانِ {أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله} أَي: أَلا يُقِيمَا مَا يلْزمهُمَا من مواجب الزَّوْجِيَّة لما يحدث من نشوز الْمَرْأَة وَسُوء خلقهَا، وَقَرَأَ الْأَعْرَج وَحَمْزَة: يخافا بِضَم الْيَاء وَفِي قِرَاءَة عبد الله: إِلَّا أَن يخَافُوا. قَوْله:{فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا} أَي: على الزَّوْج فِيمَا أَخذ وعَلى الْمَرْأَة فِيمَا أَعْطَتْ، وَأما إِذا لم يكن لَهَا عذر وَسَأَلت الافتداء مِنْهُ فقد دخلت فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيّمَا امْرَأَة سَأَلت زَوجهَا طَلاقهَا من غير بَأْس فَحَرَام عَلَيْهَا رَائِحَة الْجنَّة. أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ثَوْبَان، وَرَوَاهُ ابْن جرير أَيْضا، وَفِي آخِره قَالَ: المختلعات من المنافقات.
وأجازَ عُمَرُ الخلْعَ دُونَ السلْطَانِ
أَي: أجَاز عمر بن الْخطاب الْخلْع دون السُّلْطَان، أَي: بِغَيْر حُضُور السُّلْطَان، وَأَرَادَ بِهِ الْحَاكِم، وَوَصله ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن شُعْبَة عَن الحكم عَن خَيْثَمَة، قَالَ: أَتَى بشر بن مَرْوَان فِي خلع كَانَ بَين رجل وَامْرَأَته، فَلم يجزه، فَقَالَ لَهُ عبد الله بن شهَاب: شهِدت عمر بن الْخطاب أَتَى فِي خلع كَانَ بَين رجل وَامْرَأَته فَأَجَازَهُ، وَحَكَاهُ أَيْضا عَن ابْن سِيرِين وَالشعْبِيّ وَمُحَمّد بن شهَاب وَيحيى بن سعيد، وَقَالَ الْحسن: لَا يكون الْخلْع دون السُّلْطَان، أخرجه سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم عَن يُونُس عَنهُ.
وأجازَ عُثْمانُ الخُلْعَ دُونَ عِقاصِ رأسِها
أَي: أجَاز عُثْمَان بن عَفَّان الْخلْع دون عقَاص رَأسهَا أَي: رَأس الْمَرْأَة والعقاص بِكَسْر الْعين جمع عقصة أَو عقيصة، وَهِي الضفيرة. وَقيل: هُوَ الْخَيط الَّذِي يعقص بِهِ أَطْرَاف الذوائب. قَالَ ابْن الْأَثِير: وَالْأول أوجه، وَالْمعْنَى أَن المختلعة إِذا افتدت نَفسهَا من زَوجهَا بِجَمِيعِ مَا تملك كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذ مَا دون عقَاص شعرهَا من جَمِيع ملكهَا. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا اللَّفْظ يَعْنِي قَوْله: أجَاز عُثْمَان الْخلْع دون عقَاص رَأسهَا، لم أره إلَاّ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ أَبُو بكر عَن عَفَّان: حَدثنَا همام حَدثنَا مطر عَن ثَابت عَن عبد الله بن رَبَاح: أَن عمر قَالَ: اخْلَعْهَا بِمَا دون عقاصها، وَفِي لفظ