اخْلَعْهَا وَلَو من قُرْطهَا، وَعَن ابْن عَبَّاس: حَتَّى من عقاصها. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) وَأثر عُثْمَان لَا يحضرني نعم أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن عَفَّان ... الخ نَحْو مَا قَالَه صَاحب (التَّلْوِيح) وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه رَوَاهُ مَوْصُولا فِي (أمالي أبي الْقَاسِم) من طَرِيق شريك عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن عقيل عَن الرّبيع بنت معوذ قَالَت: اخْتلعت من زَوجي بِمَا دون عقَاص رَأْسِي، فَأجَاز ذَلِك عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق روح بن الْقَاسِم عَن ابْن عقيل مطولا، وَقَالَ فِي آخِره: فَدفعت إِلَيْهِ كل شَيْء حَتَّى أجفت الْبَاب بيني وَبَينه، وَهَذَا يدل على أَن معنى: دون، سوى أَي: أجَاز للرجل أَن يَأْخُذ من الْمَرْأَة فِي الْخلْع مَا سوى عقَاص رَأسهَا. انْتهى. قلت: قَول ابْن عَبَّاس الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا يدل على أَنه يَأْخُذ عقَاص شعرهَا، وَهُوَ الْخَيط الَّذِي يعقص بِهِ أَطْرَاف الذوائب، كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَقَالَ ابْن كثير: وَمعنى هَذَا أَنه لَا يجوز أَن يَأْخُذ كل مَا بِيَدِهَا من قَلِيل وَكثير، وَلَا يتْرك لَهَا سوى عقَاص شعرهَا، وَبِه قَالَ مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وبنحوه قَالَ ابْن عمر وَعُثْمَان بن عَفَّان وَالضَّحَّاك وَعِكْرِمَة، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَدَاوُد وروى عبد الرَّزَّاق عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن لَيْث بن أبي سليم عَن الحكم بن عتيبة: أَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لَا يَأْخُذ من المختلعة فَوق مَا أَعْطَاهَا. وَقَالَ ابْن حزم: هَذَا لَا يَصح عَن عَليّ لِأَنَّهُ مُنْقَطع، وَفِيه لَيْث، وَذكر هَذَا ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن عَطاء وطاووس وَعِكْرِمَة وَالْحسن وَمُحَمّد بن شهَاب الزُّهْرِيّ وَعَمْرو بن شُعَيْب وَالْحكم وَحَمَّاد وَقبيصَة بن ذُؤَيْب، وَقَالَ ابْن كثير فِي (تَفْسِيره) : وَهَذَا مَذْهَب مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأبي ثَوْر، وَاخْتَارَهُ ابْن جرير، وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة: إِن كَانَ الْإِضْرَار من جِهَته لم يجز أَن يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا، وَإِن أَخذ جَازَ فِي الْقَضَاء وَفِي (التَّلْوِيح) قَالَ أَبُو حنيفَة: فَإِن أَخذ أَكثر مِمَّا أَعْطَاهُم فليتصدق بِهِ. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو عبيد وَإِسْحَاق: لَا يجوز أَن يَأْخُذ أَكثر مِمَّا أَعْطَاهَا، وَعَن مَيْمُون بن مهْرَان: إِن أَخذ أَكثر مِمَّا أَعْطَاهَا فَلم يسرح بِإِحْسَان، وَعَن عبد االملك الْجَزرِي: لَا أحب أَن يَأْخُذ مِنْهَا كل مَا أَعْطَاهَا حَتَّى يدع لَهَا مَا يعيشها.
وَقَالَ طاوُوسٌ: { (٢) إِلَّا أَن يخافا أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله} (الْبَقَرَة: ٩٢٢) فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ واحِدٍ منْهُما علَى صاحبِهِ فِي العِشْرَةِ والصُّحْبَةِ، ولَمْ يَقَلْ قَوْلَ السُّفَهَاءِ لَا يحِلُّ حتَّى تَقُولَ: لَا أغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جنَابَةٍ.
أَي: قَالَ طَاوُوس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَن يخافا} أَي: الزَّوْجَانِ {أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله} ... الخ قَوْله: (لم يقل) أَي: وَلم يقل الله (قَول السُّفَهَاء) : لَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئا إِلَّا أَن تَقول الْمَرْأَة: لَا أَغْتَسِل لَك من جَنَابَة، لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تصير نَاشِزَة فَيحل الْأَخْذ مِنْهَا. وَقَوْلها: (لَا اغْتسل) إِمَّا كِنَايَة عَن الْوَطْء وَإِمَّا حَقِيقَة. وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن ابْن علية حَدثنَا ابْن جريج عَنهُ بِلَفْظ: يحل لَهُ الْفِدَاء، كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {إِلَّا أَن يخافا أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله} وَلم يكن يَقُول قَول السُّفَهَاء حَتَّى تَقول: لَا أَغْتَسِل لَك من جَنَابَة، وَلكنه كَانَ يَقُول: {إِلَّا أَن يخافا أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله} فِيمَا افْترض لكل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه فِي الْعشْرَة.
٣٧٢٥ - حدّثنا أزْهَرُ بنُ جَمِيلٍ حَدثنَا عبْدُ الوَهَّابِ الثقَفِيُّ حَدثنَا خالِدٌ عنُ عِكْرمَةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ امْرَأةَ ثابِتِ بن قَيْسً أتَت النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقالَتْ: يَا رسولَ الله {ثابِتٌ بن قَسْسٍ} مَا أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلقٍ ولَا دِينٍ، ولَكنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإسْلَامِ. فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتَرُدِّينَ علَيْهه حَدِيقَتَهُ؟ قالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْبَل الحَدِيقَةَ وطَلِّقْها تَطْلِيقَةً.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ بَيَان كَيفَ الطَّلَاق فِي الْخلْع. وأزهر، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الزَّاي وَفتح الْهَاء: ابْن جميل بِفَتْح الْجِيم أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده لم يخرج عَنهُ فِي الْخلْع غير هَذَا الْموضع. وَقد أخرجه النَّسَائِيّ عَنهُ أَيْضا، وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالْقَاف وَالْفَاء، وخَالِد هُوَ ابْن مهْرَان الْحذاء.
قَوْله: (أَن امْرَأَة ثَابت بن قيس) أبهم البُخَارِيّ اسْمهَا هُنَا وَفِي الطَّرِيق الَّتِي بعْدهَا، وسماها فِي آخر الْبَاب بجميلة، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الْمِيم. قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute