الْعَطف، كَمَا فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (تصدق امْرُؤ من ديناره من درهمه من صَاع تمره) . وَيجوز أَن يُقَال: حذف حرف الْعَطف على قَول من يجوز ذَلِك من النُّحَاة، وَالتَّقْدِير حينئذٍ: صلى رجل فِي إِزَار ورداء، أَو فِي إِزَار وقميص، أَو فِي إِزَار وقباء. إِلَى آخِره كَذَلِك، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ من بَاب الْإِبْدَال. قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى مَا قَالَه ابْن الْمُنِير: إِنَّه كَلَام فِي معنى الشَّرْط، كَأَنَّهُ قَالَ: إِن جمع رجل عَلَيْهِ ثِيَابه فَحسن، ثمَّ فصل الْجمع بصور على الْبَدَلِيَّة. قَوْله: (قَالَ وَأَحْسبهُ) أَي: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: وأحسب عمر قَالَ: فِي ثِيَاب ورداء. فَإِن قلت: كَيفَ يدْخل حرف الْعَطف بَين قَوْله ومقوله؟ قلت: هُوَ عطف على مُقَدّر تَقْدِيره: بَقِي شَيْء من الصُّور الْمَذْكُورَة، وَأَحْسبهُ قَالَ: فِي تبان ورداء.
فَإِن قلت: كَيفَ لم يجْزم بِهِ أَبُو هُرَيْرَة، بل ذكره بالحسبان؟ قلت: لِإِمْكَان أَن عمر أهمل ذَلِك، لِأَن التبَّان لَا يستر الْعَوْرَة كلهَا بِنَاء على أَن الْفَخْذ من الْعَوْرَة، فالستر بِهِ حَاصِل مَعَ القباء وَمَعَ الْقَمِيص، وَأما الرِّدَاء فقد لَا يحصل. وَرَأى أَبُو هُرَيْرَة أَن انحصار الْقِسْمَة يَقْتَضِي ذكر هَذِه الصُّور، وَأَن السّتْر قد يحصل بهَا إِذا كَانَ الرِّدَاء سابغاً. وَقَالَ ابْن بطال: اللَّازِم من الثِّيَاب فِي الصَّلَاة ثوب وَاحِد سَاتِر للعورة، وَقَول عمر رَضِي اتعالى عَنهُ؛ إِذا وسع ا، يدل عَلَيْهِ، وَجمع الثِّيَاب فِيهَا اخْتِيَار واستحسان. وَيُقَال: ذكر صوراً تسعا: ثَلَاثَة مِنْهَا سابغة: الرِّدَاء ثمَّ الْقَمِيص ثمَّ القباء، وَثَلَاثَة نَاقِصَة: الْإِزَار ثمَّ السَّرَاوِيل ثمَّ التبَّان، وأفضلها: الْإِزَار ثمَّ السَّرَاوِيل، وَمِنْهُم من عكس. وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فِيمَن صلى فِي سَرَاوِيل وَهُوَ قَادر على الثِّيَاب، فَفِي (الْمُدَوَّنَة) : لَا يُعِيد فِي الْوَقْت وَلَا فِي غَيره. وَعَن ابْن الْقَاسِم مثله، وَعَن أَشهب عَلَيْهِ الْإِعَادَة فِي الْوَقْت، وَعنهُ أَن صلَاته تَامَّة إِن كَانَ ضيقا. وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه، قَالَ: (نهى رَسُول ا، أَن يُصَلِّي فِي لِحَاف وَلَا يوشح بِهِ) . وَالْآخر: أَن تصلي فِي سَرَاوِيل لَيْسَ عَلَيْك رِدَاء، وبظاهره أَخذ بعض أَصْحَابنَا. وَقَالَ: تكره الصَّلَاة فِي السَّرَاوِيل وَحدهَا، وَالصَّحِيح أَنه إِذا ستر عَوْرَته لَا تكره الصَّلَاة فِيهِ.
٦٦٣٢٣ - ح دّثنا عاصِمُ بنُ عَلِيَ قالَ حدّثنا ابنُ أبِي ذِئْبٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سَالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ قالَ سَألَ رَجُلٌ رسولَ الله فقالَ مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ فقالَ لَا يَلْبَسُ القَمِيصَ ولَا السَّرَاويلَ وَلَا البُرنسَ وَلَا ثَوْباً مَسَّهُ الزَّعْفَرانُ وَلَا وَرْسٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فلْيلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَينِ. .
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ جَوَاز الصَّلَاة بِدُونِ الْقَمِيص والسراويل.
وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي آخر الْعلم عَن عَاصِم بن عَليّ أَيْضا. وَأخرجه فِي الْعلم، وَفِي اللبَاس أَيْضا عَن آدم عَنهُ بِهِ. وَأخرجه أَيْضا فِي الْحَج عَن أَحْمد بن عبد ابْن يُونُس عَنهُ بِهِ، وَسَيَجِيءُ الْبَحْث فِيهِ فِي كتاب الْحَج مُسْتَوفى، إِن شَاءَ اتعالى.
وَعَاصِم بن عَليّ بن عَاصِم أَبُو الْحُسَيْن الوَاسِطِيّ، مَاتَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ بواسط. وَابْن أبي ذِئْب هُوَ: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب. وَالزهْرِيّ هُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم.
قَوْله: (فَقَالَ) الْفَاء فِيهِ تفسيرية إِذْ هُوَ نفس: سَأَلَ. قَوْله: (وَلَا ثوبا) رُوِيَ بِالنّصب وَالرَّفْع، وَتقدم بَيَان جَوَازه فِي آخر كتاب الْعلم. قَوْله: (حَتَّى يَكُونَا) بِصُورَة التَّثْنِيَة، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: (حَتَّى يكون) ، بِالْإِفْرَادِ على تَقْدِير كل وَاحِد مِنْهُمَا.
وَعَنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النبيِّ مِثْلَهُ.
٥٠
- ٥٠ - ٠ أَي: رُوِيَ عَن نَافِع مولى ابْن عمر عَنهُ عَن النَّبِي مثل حَدِيث سَالم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا تَعْلِيق من البُخَارِيّ، وَيحْتَمل أَن يكون عطفا على سَالم، فَيكون مُتَّصِلا. وشنع بَعضهم عَلَيْهِ. وَقَالَ: التجويزات الْعَقْلِيَّة لَا يجوز اسْتِعْمَالهَا فِي الْأُمُور النقلية. قلت: هَذَا تشنيع غير موجه، لِأَن الْكرْمَانِي إِنَّمَا قَالَ: هَذَا تَعْلِيق بِالنّظرِ إِلَى ظَاهر الصُّورَة، وَلم يجْزم بذلك، وَلِهَذَا قَالَ: وَيحْتَمل إِلَى آخِره، ثمَّ إِنَّه قَالَ: عطفا على سَالم، وَقَالَ بَعضهم: وَعَن نَافِع، عطف على قَوْله: عَن الزُّهْرِيّ، قلت: قَصده بذلك إِظْهَار الْمُخَالفَة بِأَيّ وَجه يكون، وإلَاّ فَلَا فَسَاد فِي الْمَعْنى، بل كِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد.
وَرِوَايَة نَافِع هَذِه أخرجهَا البُخَارِيّ فِي آخر كتاب الْعلم عَن آدم عَن