للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي مَكَانَهُ. وَفِي رِوَايَة عبد الْعَزِيز: (فَأَشَارَ إِلَيْهِ يَأْمُرهُ بِأَن يُصَلِّي) ، وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن عَليّ: (فَدفع فِي صَدره لِيَتَقَدَّم فَأبى) . قَوْله: (فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ فَحَمدَ الله) ظَاهره أَنه حمد الله تَعَالَى بِلَفْظِهِ صَرِيحًا، لَكِن فِي رِوَايَة الْحميدِي عَن سُفْيَان: (فَرفع أَبُو بكر رَأسه إِلَى السَّمَاء شكرا لله وَرجع الْقَهْقَرِي) ، وَادّعى ابْن الْجَوْزِيّ أَنه أَشَارَ إِلَى الشُّكْر وَالْحَمْد بِيَدِهِ وَلم يتَكَلَّم، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْحميدِي مَا يمْنَع أَن يكون بِلَفْظِهِ، وَيُقَوِّي ذَلِك مَا رَوَاهُ أَحْمد من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون عَن أبي حَازِم: (يَا أَبَا بكر لم رفعت يَديك؟ وَمَا مَنعك أَن تثبت حِين أَشرت إِلَيْك؟ قَالَ: رفعت يَدي لِأَنِّي حمدت الله على مَا رَأَيْت مِنْك) . وَزَاد المَسْعُودِيّ: (فَلَمَّا تنحى تقدم النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَنَحْوه فِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد. قَوْله: (ثمَّ اسْتَأْخَرَ) أَي: تَأَخّر. قَوْله: (فَلَمَّا انْصَرف) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصَّلَاة، قَوْله: (إِذْ أَمرتك) أَي: حِين أَمرتك. قَوْله: (لِابْنِ أبي قُحَافَة) بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة وَبعد الْألف فَاء: واسْمه عُثْمَان بن عَامر الْقرشِي، أسلم عَام الْفَتْح، وعاش إِلَى خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَات سنة أَربع عشرَة، وَإِنَّمَا لم يقل أَبُو بكر: مَا لي، أَو: مَا لأبي بكر، تحقيرا لنَفسِهِ واستصغارا لمرتبته عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَالْمرَاد من بَين يَدي: القدام. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو لفظ يَدي مقحم؟ قلت: إِذا كَانَ لفظ: يَدي مقحما لَا يَنْتَظِم الْمَعْنى على مَا لَا يخفى. قَوْله: (مَا لي رأيتكم) تَعْرِيض، وَالْغَرَض: مَا لكم. قَوْله: (من نابه) أَي: من أَصَابَهُ. قَوْله: (فليسبح) ، أَي: فَلْيقل: سُبْحَانَ الله، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي حَازِم، (فَلْيقل: سُبْحَانَ الله) . قَوْله: (الْتفت إِلَيْهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول، قَوْله: (وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء) ، وَفِي رِوَايَة عبد الْعَزِيز: (وَإِنَّمَا التصفيح للنِّسَاء) . وَوَقع فِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد بِصِيغَة الْأَمر، وَلَفظه: (إِذا نابكم أَمر فليسبح الرِّجَال وليصفح النِّسَاء) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ من الْأَحْكَام: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: فِيهِ فضل الْإِصْلَاح بَين النَّاس وحسم مَادَّة الْفِتْنَة بَينهم وجمعهم على كلمة وَاحِدَة.

الثَّانِي: فِيهِ توجه الإِمَام بِنَفسِهِ إِلَى بعض رَعيته للإصلاح، وَتَقْدِيم ذَلِك على مصلحَة الْإِمَامَة بِنَفسِهِ، لِأَن فِي ذَلِك دفع الْمفْسدَة وَهُوَ أولى من الْإِمَامَة بِنَفسِهِ، ويلتحق بذلك توجه الْحَاكِم لسَمَاع دَعْوَى بعض الْخُصُوم إِذا علم أَن فِيهِ مصلحَة.

الثَّالِث: قيل فِيهِ جَوَاز الصَّلَاة الْوَاحِدَة بإمامين: أَحدهمَا بعد الآخر، وَأَن الإِمَام الرَّاتِب إِذا غَابَ يسْتَخْلف غَيره، وَإنَّهُ إِذا حضر بعد أَن دخل نَائِبه فِي الصَّلَاة يتَخَيَّر بَين أَن يأتم بِهِ أَو يؤم هُوَ وَيصير النَّائِب مَأْمُوما من غير أَن يقطع الصَّلَاة، وَلَا يبطل شَيْء من ذَلِك صَلَاة أحد الْمَأْمُومين. انْتهى. قلت: جَوَاز الصَّلَاة الْوَاحِدَة بإمامين: أَحدهمَا بعد الآخر مُسلم، لِأَن الإِمَام إِذا أحدث واستخلف خَليفَة فَأَتمَّ الْخَلِيفَة صلَاته صَحَّ ذَلِك وَيُطلق عَلَيْهِ أَنه صَلَاة وَاحِدَة بإمامين، وَقَوله أَيْضا: إِن الإِمَام الرَّاتِب إِذا غَابَ يسْتَخْلف غَيره مُسلم أَيْضا. قَوْله: وَإنَّهُ إِذا حضر ... إِلَى آخِره، غير مُسلم. واحتجاج من يذهب إِلَى هَذَا بِهَذَا الحَدِيث غير صَحِيح، لِأَن ذَلِك من خَصَائِص النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذكر ذَلِك ابْن عبد الْبر، وَادّعى الْإِجْمَاع على عدم جَوَاز ذَلِك لغيره. قلت: لِأَنَّهُ لَا يجوز التَّقَدُّم بَين يَدي النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ لسَائِر النَّاس الْيَوْم من الْفضل من يجب أَن يتَأَخَّر لَهُ، وَكَانَ جَائِزا لأبي بكر أَن لَا يتَأَخَّر لإشارة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَن امْكُث مَكَانك) : وَقَالَ بعض الْمَالِكِيَّة أَيْضا: تَأَخّر أبي بكر وتقدمه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خواصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يفعل ذَلِك بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بَعضهم: ونوقض يَعْنِي: دَعْوَى ابْن عبد الْبر الْإِجْمَاع الْمَذْكُور، بِأَن الْخلاف ثَابت، فَالصَّحِيح الْمَشْهُور عِنْد الشَّافِعِيَّة الْجَوَاز. انْتهى. قلت: هَذَا خرق للْإِجْمَاع السَّابِق قبل هَؤُلَاءِ الشَّافِعِيَّة، وخرق الْإِجْمَاع بَاطِل.

الرَّابِع: قيل فِيهِ جَوَاز إِحْرَام الْمَأْمُوم قبل الإِمَام، وَأَن الْمَرْء قد يكون فِي بعض صلَاته إِمَامًا وَفِي بَعْضهَا مَأْمُوما انْتهى. قلت: قَوْله: فِيهِ جَوَاز إِحْرَام الْمَأْمُوم قبل الإِمَام، قَول غير صَحِيح يردهُ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا كبر الإِمَام فكبروا) . وَلَفظ البُخَارِيّ: (فَإِذا كبر فكبروا) ، وَقد رتب تَكْبِير الْمَأْمُوم على تَكْبِير الإِمَام فَلَا يَصح أَن يسْبقهُ. وَقَالَ ابْن بطال: لَا أعلم من يَقُول: إِن من كبر قبل إِمَامه فَصلَاته تَامَّة إلَاّ الشَّافِعِي بِنَاء على مذْهبه، وَهُوَ أَن صَلَاة الْمَأْمُوم غير مرتبطة بِصَلَاة الإِمَام، وَسَائِر الْفُقَهَاء لَا يجيزون ذَلِك.

الْخَامِس: استنبط الطَّبَرِيّ مِنْهُ، وَقَالَ: فِي هَذَا الْخَبَر دَلِيل على خطأ من زعم أَنه لَا يجوز لمن أحرم بفريضة وَصلى بَعْضهَا ثمَّ أُقِيمَت عَلَيْهِ تِلْكَ الصَّلَاة أَنه لَا يجوز لَهُ أَن يدْخل مَعَ الْجَمَاعَة

<<  <  ج: ص:  >  >>