للمشقوق الشّفة الْعليا، كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَفِيه: عَن الْحسن عَن أبي بكرَة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْكَاف، أعله بَعضهم بِأَن الْحسن عنعنه، وَقيل: إِنَّه لم يسمع من أبي بكرَة، وَإِنَّمَا يروي عَن الْأَحْنَف عَنهُ، ورد هَذَا الإعلال بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ: أخبرنَا حميد بن مسْعدَة عَن يزِيد بن زُرَيْع، قَالَ: حَدثنَا سعيد عَن زِيَاد الأعلم، قَالَ: أخبرنَا الْحسن أَن أَبَا بكرَة حَدثهُ أَنه دخل الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِع فَرَكَعَ دون الصَّفّ. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زادك الله حرصا وَلَا تعد. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، لِأَن زيادا من صغَار التَّابِعين، وَالْحسن من كبارهم، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن حميد بن مسْعدَة عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن سعيد ابْن أبي عرُوبَة عَن زِيَاد، وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن حَمَّاد عَن زِيَاد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن حميد بن مسْعدَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَنه انْتهى إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ رَاكِع) ، أَي: وَالْحَال أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِع. وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن زِيَاد: (أخبرنَا الْحسن أَن أَبَا بكرَة حَدثهُ أَنه دخل الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِع) . وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن الْحسن: (أَن أَبَا بكرَة جَاءَ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِع) . وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: عَن الْحسن عَن أبي بكرَة، قَالَ: (جِئْت وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِع، وَقد حفزني النَّفس فركعت دون الصَّفّ) . قَوْله: (فَذكر ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فَذكر مَا فعله أَبُو بكرَة من رُكُوعه دون الصَّفّ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (فَلَمَّا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته، قَالَ: أَيّكُم الَّذِي ركع دون الصَّفّ ثمَّ مَشى إِلَى الصَّفّ؟ فَقَالَ أَبُو بكرَة: أَنا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زادك الله حرصا، وَلَا تعد) . وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة: (فَلَمَّا انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَيّكُم دخل الصَّفّ وَهُوَ رَاكِع؟) قَوْله: (زادك الله حرصا) أَي: على الْخَيْر. قَوْله: (وَلَا تعد) قَالَ السفاقسي عَن الشَّافِعِي، يَعْنِي: لَا تركع دون الصَّفّ. وَقيل: لَا تعد أَن تسْعَى إِلَى الصَّلَاة سعيا يحفزك فِي النَّفس. وَقيل: لَا تعد إِلَى الإبطاء. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: قَوْله: (لَا تعد) ، عندنَا يحْتَمل معنين: يحْتَمل وَلَا تعد أَن تركع دون الصَّفّ حَتَّى تقوم فِي الصَّفّ، كَمَا قد روى عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أَتَى أحدكُم الصَّلَاة فَلَا يرْكَع دون الصَّفّ حَتَّى يَأْخُذ مَكَانَهُ من الصَّفّ) . وَيحْتَمل أَي وَلَا تعد أَن تسْعَى إِلَى الصَّفّ سعيا يحفزك فِيهِ النَّفس، كَمَا جَاءَ عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا تأتوها وَأَنْتُم تسعون، واتوها وَأَنْتُم تمشون وَعَلَيْكُم السكينَة، فَمَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم فَأتمُّوا) . وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: يحْتَمل أَن يكون عَائِدًا إِلَى الْمَشْي إِلَى الصَّفّ فِي الصَّلَاة، فَإِن الخطوة والخطوتين، وَإِن لم تفْسد الصَّلَاة، لَكِن الأولى التَّحَرُّز عَنْهَا. ثمَّ قَوْله: (وَلَا تعد) فِي جَمِيع الرِّوَايَات، بِفَتْح التَّاء وَضم الْعين: من الْعود. وَقيل: رُوِيَ بِضَم التَّاء وَكسر الْعين: من الْإِعَادَة، فَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة فَمَعْنَاه: وَلَا تعد صَلَاتك.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الطَّحَاوِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث أَنه ركع دون الصَّفّ فَلم يَأْمُرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِعَادَة الصَّلَاة. انْتهى. وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَنَّهُمَا فعلا ذَلِك، ركعا دون الصَّفّ ومشيا إِلَى الصَّفّ رُكُوعًا، وَفعله عُرْوَة بن الزبير وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو سَلمَة وَعَطَاء، وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث: لَا بَأْس بذلك إِذا كَانَ قَرِيبا قدر مَا يلْحق. وحد الْقرب فِيمَا حَكَاهُ القَاضِي إِسْمَاعِيل عَن مَالك: أَن يصل إِلَى الصَّفّ قبل سُجُود الإِمَام. وَقيل: يدب قدر مَا بَين الفرجتين. وَفِي (الغنية) : ثَلَاث صُفُوف، وَفِي (الْأَوْسَط) : من حَدِيث عَطاء ان ابْن الزبير قَالَ على الْمِنْبَر: إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد وَالنَّاس رُكُوع فليركع حِين يدْخل ثمَّ يدب رَاكِعا حَتَّى يدْخل فِي الصَّفّ، فَإِن ذَلِك السّنة. قَالَ عَطاء: ورأيته يصنع ذَلِك، وَفِي (المُصَنّف) بِسَنَد صَحِيح: عَن زيد بن وهب، قَالَ: (خرجت مَعَ عبد الله من دَاره فَلَمَّا توسطنا الْمَسْجِد ركع الإِمَام فَكبر عبد الله ثمَّ ركع وركعت مَعَه، ثمَّ مشينا إِلَى الصَّفّ راكعين حَتَّى رفع الْقَوْم رؤوسهم، فَلَمَّا قضى الإِمَام الصَّلَاة قُمْت لأصلي فَأخذ بيَدي عبد الله فأجلسني، وَقَالَ: إِنَّك قد أدْركْت) . وَرُوِيَ فِي (المُصَنّف) أَيْضا: أَن أَبَا أُمَامَة فعل ذَلِك وَزيد بن ثَابت وَسَعِيد بن جُبَير وَعُرْوَة بن الزبير وَمُجاهد وَالْحسن. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره ذَلِك للْوَاحِد وَلَا يكره للْجَمَاعَة، ذكره الطَّحَاوِيّ.
وَفِيه: أَن دُخُول أَبَا بكرَة فِي الصَّلَاة دون الصَّفّ لما كَانَ صَحِيحا كَانَت صَلَاة الْمُصَلِّي كلهَا دون الصَّفّ صَلَاة صَحِيحَة، وَهُوَ صَلَاة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute