هدبة بن خَالِد، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن كثير عَن همام.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من نسي صَلَاة فَليصل) ، كَذَا وَقع فِي جَمِيع الرِّوَايَات: (فَليصل) ، بِحَذْف الضَّمِير الَّذِي هُوَ الْمَفْعُول، وَرَوَاهُ مُسلم عَن هدبة بن خَالِد بِلَفْظ: (فليصلها) ، وَزَاد أَيْضا من رِوَايَة سعيد عَن قَتَادَة: (أَو نَام عَنْهَا) ، وَلمُسلم أَيْضا فِي رِوَايَة أُخْرَى: (إِذا رقد أحدكُم عَن الصَّلَاة أَو غفل عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن الله يَقُول: {أقِم الصَّلَاة لذكري} ) (طاه: ١٤) . وَعند النَّسَائِيّ: (أَو يغْفل عَنْهَا، فَإِن كفارتها أَن يُصليهَا إِذا ذكرهَا) . وَعند ابْن مَاجَه: (سُئِلَ عَن الرجل، يغْفل عَن الصَّلَاة أَو يرقد عَنْهَا، قَالَ: يُصليهَا إِذا ذكرهَا) . وَفِي (مُعْجم) أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن جَمِيع الغساني: عَن قَتَادَة عَن أنس: (إِذا ذكرهَا أَو إذااستيقظ) . قَوْله: (إِذا ذكر) ، أَي: إِذا ذكرهَا. فَإِن قلت: هَذَا يَقْتَضِي أَن يلْزم الْقَضَاء فِي الْحَال إِذا ذكر، مَعَ أَن الْقَضَاء من جملَة الْوَاجِبَات الموسعة إتفاقا؟ قلت: أُجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ لَو تذكرها ودام ذَلِك التَّذَكُّر مُدَّة، وَصلى فِي أثْنَاء تِلْكَ الْمدَّة، صدق أَنه صلى حِين التَّذَكُّر وَلَيْسَ بِلَازِم أَن يكون فِي أول حَال التَّذَكُّر، وَجَوَاب آخر: أَن: إِذا، للشّرط كَأَنَّهُ قَالَ: فَليصل، إِذا ذكر، يَعْنِي: لَو لم يذكرهُ لَا يلْزم عَلَيْهِ الْقَضَاء، أَو: جَزَاؤُهُ مُقَدّر مُقَدّر يدل عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَي: إِذا ذكر فليصلها، وَالْجَزَاء لَا يلْزم أَن يَتَرَتَّب على الشَّرْط فِي الْحَال، بل يلْزم أَن يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَة. قَوْله: (لَا كَفَّارَة لَهَا إلَاّ ذَلِك) أَي: لَا كَفَّارَة لتِلْك الصَّلَاة المنسية إلَاّ فعلهَا، وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى الْقَضَاء الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: (فليصلها إِذا ذكرهَا) ، لِأَن الصَّلَاة عِنْد الذّكر هِيَ الْقَضَاء، وَالْكَفَّارَة عبارَة عَن الْخصْلَة الَّتِي من شَأْنهَا أَن تكفر الْخَطِيئَة، أَي: تسترها، وَهِي على وزن: فعَّالة، للْمُبَالَغَة، وَهِي، من الصِّفَات الْغَالِبَة فِي الإسمية. وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا يحْتَمل على وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَنه لَا يكفرهَا غير قَضَائهَا، وَالْآخر: أَنه لَا يلْزمه فِي نسيانها غَرَامَة، وَلَا صَدَقَة وَلَا زِيَادَة تَضْعِيف لَهَا، إِنَّمَا يُصَلِّي مَا ترك. قَوْله: (أقِم الصَّلَاة لذكري) ، بِالْألف وَاللَّام وَفتح الرَّاء بعْدهَا مَقْصُورَة، ووزنها: فعلى، مصدر من ذكر يذكر، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق يُونُس أَن الزُّهْرِيّ كَانَ يقْرؤهَا كَذَلِك، وَالْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة: لذكري، بلام وَاحِدَة وَكسر الرَّاء، كَمَا يَجِيء الْآن، وعَلى الْقِرَاءَتَيْن اخْتلفُوا فِي المُرَاد بِهَذَا، فَقيل: الْمَعْنى لتذكرني فِيهَا، وَقيل: لأَذْكُرك بالمدح وَالثنَاء وَقيل: لأوقات الذكرى، وَهِي مَوَاقِيت الصَّلَاة. وَقيل: لذكري لِأَنِّي ذكرتها فِي الْكتب وَأمرت بهَا، وَقيل: لذكري خَاصَّة لَا ترائي بهَا وَلَا تشبها بِذكر غَيْرِي، وَقيل: شكرا لذكري. وَقيل: أَي أذكر أَمْرِي. وَقيل: إِذا ذكرت الصَّلَاة فقد ذَكرتني فَإِن الصَّلَاة عبَادَة الله، فَمَتَى ذكر المعبود فَكَأَنَّهُ أَرَادَ لذكر الصَّلَاة. وَقَالَ التوربشتي: هَذِه الْآيَة تحْتَمل وُجُوهًا كَثِيرَة من التَّأْوِيل، لَكِن الْوَاجِب أَيْضا أَن يُصَار إِلَى وَجه يُوَافق الحَدِيث. فَالْمَعْنى: أقِم الصَّلَاة لذكرها لِأَنَّهُ إِذا ذكرهَا فقد ذكر الله تَعَالَى، أَو: يقدرالمضاف أَي: لذكر صَلَاتي، أَو: وَقع ضمير الله فِي مَوضِع ضمير الصَّلَاة لشرفها وخصوصيتها.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: الْأَمر بِقَضَاء النَّاسِي من غير إِثْم، وَكَذَلِكَ النَّائِم سَوَاء كثرت الصَّلَاة أَو قلت، وَهَذَا مَذْهَب الْعلمَاء كَافَّة، وشذ بَعضهم فِيمَن زَاد على خمس صلوَات بِأَنَّهُ لَا يلْزمه قَضَاء، حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ، وَلَا يعْتد بِهِ، فَإِن تَركهَا عَامِدًا فالجمهور على وجوب الْقَضَاء أَيْضا، وَحكي عَن دَاوُد وَجمع يسير عد ابْن حزم، مِنْهُم خَمْسَة من الصَّحَابَة، عدم وجوب قَضَاء الصَّلَاة على الْعَامِد لِأَن انْتِفَاء الشَّرْط يستلزمم انْتِفَاء الْمَشْرُوط، فَيلْزم مِنْهُ أَن من لم ينس لَا يُصَلِّي إِذا ذكر، والخمسة الَّذين ذكرهم ابْن حزم من الصَّحَابَة وهم: عمر بن الْخطاب وَابْنه عبد الله وَسعد بن أبي وَقاص وَابْن مَسْعُود وسلمان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَغَيرهم: الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَبُدَيْل بن ميسرَة وَمُحَمّد بن سِيرِين ومطرف بن عبد الله وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَسَالم بن أبي الْجَعْد وَأَبُو عبد الرَّحْمَن الْأَشْعَرِيّ،. وَأجِيب عَنهُ: بِأَن الْقَيْد بِالنِّسْيَانِ فِيهِ لِخُرُوجِهِ على الْغَالِب أَو لِأَنَّهُ مَا ورد على السَّبَب الْخَاص مثل أَن يكون ثمَّة سَائل عَن حكم قَضَاء الصَّلَاة المنسية، أَو أَنه إِذا وَجب الْقَضَاء على الْمَعْذُور فَغَيره أولى بِالْوُجُوب، وَهُوَ من بَاب التَّنْبِيه بالأدنى على الْأَعْلَى، وَشرط اعْتِبَار مَفْهُوم الْمُخَالف عدم الْخُرُوج وَعدم وُرُوده على السَّبَب الْخَاص، وَعدم مَفْهُوم الْمُوَافق، وَادّعى نَاس بِأَن وجوب الْقَضَاء على الْعَامِد يُؤْخَذ من قَوْله: (نسي) ، لِأَن النسْيَان يُطلق على التّرْك سَوَاء كَانَ عَن ذُهُول أم لَا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {نسوا الله فأنساهم أنفسهم} (الْحَشْر: ١٩) . {نسوا الله فنسيهم} (التَّوْبَة: ٦٧) . أَي: تركُوا أمره فتركهم فِي الْعَذَاب، قَالُوا: وَيُقَوِّي ذَلِك قَوْله: (لَا كَفَّارَة لَهَا) ، والنائم وَالنَّاسِي لَا إِثْم عَلَيْهِ، وَضَعفه بَعضهم بِأَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute