بن يزِيد أَن حويطب بن عبد الْعُزَّى أخبرهُ أَن عبد الله بن السَّعْدِيّ أخبرهُ أَنه قدم على عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي خِلَافَته، فَذكر قصَّة فِيهَا هَذَا الحَدِيث، والسائب وَمن فَوْقه صحابة فَفِيهِ أَرْبَعَة من الصَّحَابَة فِي نسق. قَوْله: (إِذا جَاءَك) شَرط وجزاؤه قَوْله: (فَخذه) ، وَأطلق الْأَخْذ أَولا بِالْأَمر، وعلق ثَانِيًا بِالشّرطِ، فَحمل الْمُطلق على الْمُقَيد. قَوْله: (وَأَنت غير مشرف) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا، وَقد مضى تَفْسِير الإشراف. قَوْله: (وَمَا لَا) أَي: وَمَا لَا يكون كَذَلِك بِأَن لَا يَجِيء إِلَيْك وتميل نَفسك إِلَيْهِ (فَلَا تتبعه نَفسك) فِي الطّلب واتركه.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الطَّبَرِيّ: اخْتلف الْعلمَاء فِي قَوْله: (فَخذه) بعد إِجْمَاعهم على أَنه أَمر ندب وإرشاد. فَقَالَ بَعضهم: هُوَ ندب لكل من أعطي عَطِيَّة أَن يقبلهَا سَوَاء كَانَ الْمُعْطِي سُلْطَانا أَو غَيره، صَالحا كَانَ أَو فَاسِقًا، بعد أَن كَانَ مِمَّن تجوز عطيته. رُوِيَ (عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: مَا أحد يهدي إِلَيّ هَدِيَّة إلَاّ قبلتها، فَأَما أَن أسأَل، فَلَا) وَعَن أبي الدَّرْدَاء مثله، وَقبلت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، من مُعَاوِيَة. وَقَالَ حبيب بن أبي ثَابت: رَأَيْت هَدَايَا الْمُخْتَار تَأتي ابْن عمر وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فيقبلانها، وَقَالَ عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جوائز السُّلْطَان لحم ظَبْي زكي، وَبعث سعيد بن الْعَاصِ إِلَى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِهَدَايَا فقبلها، وَقَالَ: خُذ مَا أعطوك. وَأَجَازَ مُعَاوِيَة الْحُسَيْن بأربعمائة ألف، وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن هَدَايَا السُّلْطَان، فَقَالَ: إِن علمت أَنه من غصب وسحت فَلَا تقبله، وَإِن لم تعرف ذَلِك فاقبله، ثمَّ ذكر قصَّة بَرِيرَة، وَقَالَ الشَّارِع: هُوَ لنا هَدِيَّة، وَقَالَ: مَا كَانَ من مأثم فَهُوَ عَلَيْهِم، وَمَا كَانَ من مهنأ فَهُوَ لَك، وَقبلهَا عَلْقَمَة وَالْأسود وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن وَالشعْبِيّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بل ذَلِك ندب مِنْهُ أمته إِلَى قبُول عَطِيَّة غير ذِي سُلْطَان، فَأَما السُّلْطَان فَإِن بَعضهم كَانَ يَقُول: حرَام قبُول عطيته، وَبَعْضهمْ كرهها، وَرُوِيَ أَن خَالِد بن أسيد أعْطى مسروقا ثَلَاثِينَ ألفا فَأبى أَن يقبلهَا. فَقيل لَهُ: لَو أَخَذتهَا فوصلت بهَا رَحِمك؟ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَو أَن لصا نقب بَيْتا مَا أُبَالِي أَخَذتهَا أَو أخذت ذَلِك، وَلم يقبل ابْن سِيرِين وَلَا ابْن محيريز من السُّلْطَان، وَقَالَ هِشَام بن عُرْوَة: بعث إِلَيّ عبد الله ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَإِلَى أخي بِخَمْسِمِائَة دِينَار، فَقَالَ أخي: درها فَمَا أكلهَا أحد وَهُوَ غَنِي عَنْهَا إلَاّ أحوجه الله إِلَيْهَا. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: كره جوائز السُّلْطَان مُحَمَّد بن وَاسع وَالثَّوْري وَابْن الْمُبَارك وَأحمد. وَقَالَ آخَرُونَ: بل ذَلِك ندب إِلَى قبُول هَدِيَّة السُّلْطَان دون غَيره، وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِنَّا لَا نقبل إلَاّ من الْأُمَرَاء. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: وَالصَّوَاب عِنْدِي أَنه ندب مِنْهُ إِلَى قبُول عَطِيَّة كل معط جَائِزَة لسلطان كَانَت أَو غَيرهَا لحَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فندبه إِلَى قبُول كل مَا آتَاهُ الله من المَال من جَمِيع وجوهه من غير تَخْصِيص سوى مَا اسْتَثْنَاهُ، وَذَلِكَ مَا جَاءَ بِهِ من وَجه حرَام عَلَيْهِ، وَعلم بِهِ.
وَوجه من رد أَنه إِنَّمَا كَانَ على من كَانَ الْأَغْلَب من أمره أَنه لَا يَأْخُذ المَال من وَجهه، فَرَأى أَن الأسلم لدينِهِ وَالْإِبْرَاء لعرضه تَركه، وَلَا يدْخل فِي ذَلِك مَا إِذا علم حرمته. وَوجه من قبل مِمَّن لم يبال من أَيْن أَخذ المَال وَلَا فِيمَا وَضعه أَنه يَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام: مَا علم حلّه يَقِينا فَلَا يسْتَحبّ رده، وَعَكسه فَيحرم قبُوله، وَمَا لَا فَلَا يُكَلف الْبَحْث عَنهُ، وَهُوَ فِي الظَّاهِر أولى بِهِ من غَيره مَا لم يسْتَحق.
وَأما مبايعة من يخالط مَاله الْحَرَام وَقبُول هداياه فكره ذَلِك قوم وَأَجَازَهُ آخَرُونَ. فَمِمَّنْ كرهه: عبد الله بن يزِيد وَأَبُو وَائِل وَالقَاسِم وَسَالم، وَرُوِيَ أَنه توفيت مولاة لسالم كَانَت تبيع الْخمر بِمصْر فَترك مِيرَاثهَا أَيْضا. وَقَالَ مَالك: قَالَ عبد الله بن يزِيد بن هُرْمُز: إِنِّي لَا أعجب مِمَّن يرْزق الْحَلَال ويرغب فِي الرِّبْح فِيهِ الشَّيْء الْيَسِير من الْحَرَام فَيفْسد المَال كُله، وَكره الثَّوْريّ المَال الَّذِي يخالطه الْحَرَام، وَمِمَّنْ أجَازه ابْن مَسْعُود، رُوِيَ عَنهُ أَن رجلا سَأَلَهُ فَقَالَ فِي جَار: لَا يتورع من أكل الرِّبَا وَلَا من أَخذ مَا لَا يصلح، وَهُوَ يَدْعُونَا إِلَى طَعَامه وَتَكون لنا الْحَاجة فنستقرضه؟ فَقَالَ: أجبه إِلَى طَعَامه واستقرضه، فَلَكَ المهنأ وَعَلِيهِ المأثم، وَسُئِلَ ابْن عمر عَن رجل أكل طَعَام من يَأْكُل الرِّبَا فَأَجَازَهُ، وَسُئِلَ النَّخعِيّ عَن الرجل يَأْتِي المَال من الْحَلَال وَالْحرَام، قَالَ: لَا يحرم عَلَيْهِ إلَاّ الْحَرَام بِعَيْنِه. وَعَن سعيد بن جُبَير أَنه، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مر بالعشَّارين وَفِي أَيْديهم شماريخ، فَقَالَ: ناولونيها من سحتكم هَذَا إِنَّه حرَام عَلَيْكُم وعلينا حَلَال. وَأَجَازَ الْبَصْرِيّ طَعَام العشار والضراب وَالْعَامِل وَعَن مَكْحُول وَالزهْرِيّ: إِذا اخْتَلَط الْحَرَام والحلال فَلَا بَأْس بِهِ فَإِنَّمَا يكره من ذَلِك شَيْء يعرف بِعَيْنِه، وَأَجَازَهُ ابْن أبي ذِئْب، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَاحْتج من رخص فِيهِ بِأَن الله تَعَالَى ذكر الْيَهُود، فَقَالَ: {سماعون للكذب أكالون للسحت} (الْمَائِدَة: ٢٤) . وقدرهن الشَّارِع درعه عِنْد يَهُودِيّ، وَقَالَ الطَّبَرِيّ فِي إِبَاحَة الله تَعَالَى أَخذ الْجِزْيَة من أهل الْكتاب مَعَ علمه بِأَن أَكثر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute