مَسْعُود أَبُو عبد الله الهزلي أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة، مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث كريب مولى ابْن عَبَّاس عَن أُسَامَة بن زيد، قَالَ: ردفت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَرَفَات ... الحَدِيث، وَفِيه: قَالَ كريب: فَأَخْبرنِي عبد الله بن عَبَّاس عَن الْفضل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يُلَبِّي حَتَّى بلغ الْجَمْرَة. وروى من حَدِيث عَطاء قَالَ: أَخْبرنِي ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْدف الْفضل من جمع، قَالَ: فَأَخْبرنِي ابْن عَبَّاس أَن الْفضل أخبرهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ردف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره فَاء، بِمَعْنى: الرديف، وَهُوَ الَّذِي يركب خلف الرَّاكِب، وَكَذَلِكَ الرديف، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة أَحْمد. قَوْله:(من عَرَفَة) أَي: من عَرَفَات، وَهُوَ اسْم لموْضِع الْوُقُوف. قَوْله:(إِلَى الْمزْدَلِفَة) ، بِلَفْظ الْفَاعِل من الإزدلاف، وَهُوَ التَّقَرُّب والتقدم لِأَن الْحجَّاج إِذا أفاضوا من عَرَفَات ازدلفوا إِلَيْهَا، أَي: تقربُوا مِنْهَا وتقدموا إِلَيْهَا، وَسميت بذلك لمجيء النَّاس فِي زلف من اللَّيْل، وَهُوَ مَوضِع بحرم مَكَّة. قَوْله:(الْفضل) هُوَ ابْن عَبَّاس بن عبد الْمطلب. قَوْله:(فكلاهما) أَي: أُسَامَة وَالْفضل. قَوْله:(حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة) ، أَي: إِلَى أَن رمى جَمْرَة الْعقبَة، وَهِي حد منى من الْجَانِب الغربي من جِهَة مَكَّة. وَيُقَال لَهُ أَيْضا: الْجَمْرَة الْكُبْرَى، والجمرة والحصاة، وَهنا اسْم لمجتمع الْحَصَى.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن الْحَج رَاكِبًا أفضل، وَقد مر الْخلاف فِيهِ فِي: بَاب الْحَج على الرجل. وَفِيه: إرداف الْعَالم. وَفِيه: التَّوَاضُع بالإرداف للرجل الْكَبِير وَالسُّلْطَان الْجَلِيل. وَفِيه: حجَّة لأبي حنيفَة وصاحبيه وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَدَاوُد بن عَليّ وَأبي عبيد والطبري فِي قَوْلهم: يُلَبِّي الْحَاج وَلَا يقطع التَّلْبِيَة حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة، وَهُوَ الْمَنْقُول أَيْضا عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وطاووس وَسَعِيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن أبي ليلى وَالْحسن بن حَيّ، وروى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن مَسْعُود ومَيْمُونَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. ثمَّ اخْتلف بعض هَؤُلَاءِ، فَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر: يقطع التَّلْبِيَة مَعَ أول حَصَاة يرميها من جَمْرَة الْعقبَة. وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَطَائِفَة من أهل النّظر والأثر: لَا يقطعهَا حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة بأسرها، قَالُوا: وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة) وَلم يقل: حَتَّى رمى بَعْضهَا. قلت: روى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شريك عَن عَامر بن شَقِيق عَن أبي وَائِل (عَن عبد الله: رمقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة بِأول حَصَاة) . فَإِن قلت: أخرج ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) : عَن الْفضل بن عَبَّاس قَالَ: (أفضت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَرَفَات، فَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة، يكبر مَعَ كل حَصَاة، ثمَّ قطع التَّلْبِيَة مَعَ آخر حَصَاة) . قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذِه زِيَادَة غَرِيبَة لَيست فِي الرِّوَايَات عَن الْفضل، وَإِن كَانَ ابْن خُزَيْمَة قد اخْتَارَهَا. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: فِيهِ نَكَارَة. وَقَوله:(يكبر مَعَ كل حَصَاة) ، يدل على أَنه قطع التَّلْبِيَة مَعَ آخر حَصَاة. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَمُحَمّد بن أبي بكر الثَّقَفِيّ وَمَالك وَأَصْحَابه وَأكْثر أهل الْمَدِينَة:(الْحَاج لَا يُلَبِّي فيعرفة بل يكبر ويهلل) . وَرُوِيَ ذَلِك عَن عبد الله بن عمر وَعبد الله بن الزبير وَجَابِر بن عبد الله.
ثمَّ اخْتلفُوا مَتى يقطع التَّلْبِيَة؟ فَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمَالك أَصْحَابه: يقطعهَا إِذا توجه إِلَى عَرَفَات، وَرُوِيَ نَحْو ذَلِك عَن عُثْمَان وَعَائِشَة، وَرُوِيَ عَنْهُمَا خلاف ذَلِك، فَقَالَ الزُّهْرِيّ والسائب بن يزِيد وَسليمَان بن يسَار وَابْن الْمسيب فِي رِوَايَة:(يقطعهَا حِين يقف بِعَرَفَات) ، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ بن أبي طَالب وَسعد بن أبي وَقاص، وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِحَدِيث أُسَامَة بن زيد، أخرجه الطَّحَاوِيّ عَنهُ أَنه قَالَ:(كنت ردف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشِيَّة عَرَفَة فَكَانَ لَا يزِيد على التَّكْبِير والتهليل، وَكَانَ إِذا وجد فجوة نَص) . قَوْله:(فجوة) ، بِفَتْح الْفَاء وَضمّهَا: وَهِي مَا اتَّسع من الأَرْض وَقد روى فِي (الْمُوَطَّأ) : فُرْجَة. قَوْله:(نَص) ، أَي: رفع فِي سيره وأسرع، وَالنَّص مُنْتَهى الْغَايَة فِي كل شَيْء، قَالَه فِي (الْمطَالع) وَفِي رِوَايَة أَحْمد: (فَإِذا التحم عَلَيْهِ النَّاس أعنق، وَإِذا وجد فُرْجَة نَص) . قَوْله:(أعتق) ، من العَنَق وَهُوَ: السّير الْيَسِير الَّذِي تمد فِيهِ الدَّابَّة عُنُقهَا للاستعانة، وَهُوَ دون الْإِسْرَاع. وَأجِيب: بِأَن ذَلِك لَا يدل على نفي التَّلْبِيَة وَخُرُوج وَقتهَا، وَقَوله: لَا يزِيد على التَّكْبِير والتهليل، يَعْنِي: الزِّيَادَة من جِنْسهَا.