للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَهُم عَذَاب أَلِيم: المنان بِمَا أعْطى، والمسبل إزَاره، والمنفق سلْعَته بِالْحلف الْكَاذِب) . وَلما خاطبهم بِهَذَا الْخطاب ونهاهم عَن إبِْطَال صَدَقَاتهمْ بالمن والأذى شبه إبطالهم بإِطال الْمُنَافِق الَّذِي ينْفق مَاله رئاء النَّاس لَا يُرِيد بإنفاقه، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلَا ثَوَاب الْآخِرَة، ثمَّ مثل ذَلِك بِصَفْوَان، وَهُوَ الْحجر الأملس عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وابل، أَي: مطر شَدِيد عَظِيم الْقدر فَتَركه صَلدًا وَهُوَ الأملس الَّذِي لَا ينبث عَلَيْهِ شَيْء، ثمَّ قَالَ: لَا يقدرُونَ على شَيْء مِمَّا كسبوا أَي: لَا يَجدونَ يَوْم الْقِيَامَة ثَوَاب شَيْء مِمَّا عمِلُوا كَمَا لَا يحصل النَّبَات من الأَرْض الصلدة، أَو من التُّرَاب الَّذِي على الصفوان، ثمَّ قَالَ: وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْكَافرين. أَي: لَا يخلق لَهُم الْهِدَايَة وَلَا يهْدِيهم غَدا لطريق الْجنَّة شبه الْكَافِر بالصفوان وَعَمله بِالتُّرَابِ.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: صَلْدا لَيْسَ عَليه شَيءٌ

لما كَانَ لفظ: صَلدًا، مَذْكُورا فِي الْآيَة الْكَرِيمَة علق تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس، وَصله مُحَمَّد بن جرير عَن مُحَمَّد بن سعد حَدثنِي أبي، قَالَ: حَدثنِي عمر قَالَ: حَدثنِي أبي عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {فَتَركه صَلدًا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء} (الْبَقَرَة: ٤٦٢) . وَفِي رِوَايَة: تَركهَا نقية لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْء، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره: حَدثنَا أَبُو زرْعَة حَدثنَا منْجَاب بن الْحَارِث أخبرنَا بشر عَن أبي روق عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {فَتَركه صَلدًا} (الْبَقَرَة: ٤٦٢) . يَقُول: فَتَركه يَابسا حاشيا لَا ينْبت شَيْئا.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَابِلٌ مطَرٌ شَدِيدٌ وَالطَّلُّ النَّدَى

لما كَانَ لفظ الوابل علق تَفْسِيره عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس، وَوَصله عبد بن حميد فِي (تَفْسِيره) : حَدثنَا روح عَن عُثْمَان بن غياث، سَمِعت عِكْرِمَة يَقُول: أَصَابَهَا وابل مطر شَدِيد، والطل: الندى، بِفَتْح النُّون، وَلَيْسَ فِي الْآيَة إلَاّ ذكر الصفوان والوابل. قَالَ الطَّبَرِيّ: الصفوان وَاحِد وَجمع، فَمن جعله جمعا قَالَ: واحدته صفوانة بِمَنْزِلَة: تَمْرَة وتمر ونخل ونخلة، وَمن جعله وَاحِدًا جمعه على صَفْوَان وصفى وصفى. وَفِي (الْمُحكم) : الصفاة الْحجر الصلد الضخم الَّذِي لَا ينْبت شَيْئا وَجمع الصفاة صغوات وصفى، وَجمع الْجمع: أصفاء وصفي، قَالَ:

(كَأَن منبته من الصفى)

مواقع الطير على الصفى

كَذَا أنْشدهُ دُرَيْد لِأَن بعده:

من طول إشرافي على الطرى

وحكمنا: أَن أصفاه وصفيا جمع: صفى لَا جمع صفاة. لِأَن فعلة لَا يكسر على فعول، إِنَّمَا ذَلِك لفعلة كبدرة وبدور، وَكَذَلِكَ أصفاء جمع صفا، لَا جمع صفاة، لِأَن فعلة لَا تجمع على أَفعَال. وَهُوَ الصفواء كالصخراء واحدتها صفاة، وَكَذَلِكَ الصفوان واحدته صفوانة. وَفِي (الجمهرة) : الصَّفَا من الْحِجَارَة مَقْصُور ويثنى صَفْوَان، والصفواء صَخْرَة وَهِي الصفوانة أَيْضا. وَفِي (الْجَامِع) : عَن قطرب، صَفْوَان، بِكَسْر الصَّاد، وَقَرَأَ سعيد بن الْمسيب: صَفْوَان، بتحريك الْفَاء قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ.

٧ - بابٌ لَا يَقْبَلُ الله صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ وَلَا يَقْبَلُ إلَاّ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ لِقَوْلِهِ: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذَى وَالله غَنِيٌّ حَلِيمٌ (الْبَقَرَة: ٣٦٢) .

أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: لَا يقبل الله صَدَقَة من غلُول، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بَاب لَا تقبل صَدَقَة من غلُول. فَقَوله: لَا تقبل، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَهَذَا قِطْعَة من حَدِيث أخرجه مُسلم من حَدِيث مُصعب ابْن سعد، قَالَ: دخل عبد الله بن عمر على ابْن عَامر يعودهُ وَهُوَ مَرِيض، فَقَالَ: أَلا تَدْعُو الله لي يَا ابْن عمر؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تقبل صَلَاة بِغَيْر طهُور وَلَا صَدَقَة من غلُول، وَكنت على الْبَصْرَة. قلت: كَأَنَّهُ قَاس الدُّعَاء على الصَّلَاة، فَكَمَا أَن الصَّلَاة لَا تكون إلَاّ عَن مصون من الأقذار، فَكَذَلِك الدُّعَاء للمصون من تبعات النَّاس، وكنتَ على الْبَصْرَة وتعلقت بك حُقُوق النَّاس، وَكَأَنَّهُ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قصد بِهَذَا الزّجر عَلَيْهِ والحث على التَّوْبَة. وَأخرجه الْحسن بن سُفْيَان فِي (مُسْنده) عَن أبي كَامِل، أحد مَشَايِخ مُسلم، فِيهِ بِلَفْظ: (لَا يقبل الله صَلَاة إلَاّ بِطهُور وَلَا صَدَقَة من غلُول) . وروى أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) :

<<  <  ج: ص:  >  >>