للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِعُمُوم هَذَا الحَدِيث، وَسوى بَين الصَّحَارِي والأبنية، وَجعله دَلِيلا للتَّرْجَمَة الَّتِي وَضعهَا، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن فِي نفس حَدِيثه الَّذِي ذكره أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) وَالْبُخَارِيّ أَيْضا على مَا يَجِيء الْآن، مَا يدل على عكس مَا أَرَادَهُ وَذَلِكَ أَن أَبَا أَيُّوب رَضِي اتعالى عَنهُ، قَالَ فِي حَدِيثه، (فقدمنا الشَّام فَوَجَدنَا مراحيض قد بنيت نَحْو الْكَعْبَة، لَكنا ننحرف عَنْهَا، ونستغفر اعز وَجل) . قلت: لَا يرد عَلَيْهِ هَذَا أصلا لِأَن الْمَنْع لأجل تَعْظِيم الْقبْلَة وَهُوَ مَوْجُود فِي الصَّحرَاء والبنيان، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو أَيُّوب: (لَكنا ننحرف عَنْهَا ونستغفر اعز وَجل) ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة، وَبِه قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة، وَذهب الشَّافِعِي وَمَالك إِلَى أَنه يحرم اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي الصَّحرَاء بالبول وَالْغَائِط، وَلَا يحرم ذَلِك فِي الْبُنيان، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْوضُوء.

٤٩٣٩٥ - ح دّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حدّثنا سُفْيانُ قَالَ حدّثنا الزُّهْرِيُّ عنْ عَطاءِ بنِ يَزِيدَ عنْ أبي أيُّوب الأَنْصارِيِّ أنَّ النبيَّ قَالَ: (إِذَا أَتَيْتُمُ الْغائِطَ فَلَا تَسْتَقْبلوا القِبْلَةَ ولَا تَسْتَدْبِرُوها ولَكنْ شَرِّقُوا أوْ غَرِّبُوا) قَالَ أبُو أيُّوبَ فَقَدِمْنا الشَّأَمَ فَوَجَدْنا مَراحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ القِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى. (انْظُر الحَدِيث ٤٤١) .

مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (شرقوا أَو غربوا) لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: لَيْسَ فِي الْمشرق وَلَا فِي الْمغرب قبْلَة، فَإِذا لم تكن فيهمَا قبْلَة يتَوَجَّه المستنجي إِلَيْهَا إِمَّا يشرق وَإِمَّا يغرب.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: عَليّ بن عبد االمديني، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَاسم أبي أَيُّوب خَالِد بن زيد رَضِي اتعالى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومكي ومدني.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن آدم بن أبي إِيَاس عَن ابْن أبي ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ، وَأخرجه مُسلم فِيهَا عَن يحيى بن يحيى وَزُهَيْر وَابْن نمير، وَأَبُو دَاوُد فِيهَا أَيْضا عَن مُسَدّد، وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي، خمستهم عَن سُفْيَان بِهِ، وَالنَّسَائِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان بِهِ، وَابْن مَاجَه كَذَلِك عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ نَحوه.

ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (الْغَائِط) ، اسْم للْأَرْض المطمئنة لقَضَاء الْحَاجة. قَوْله: (فقدمنا الشَّام) ، وَهُوَ إقليم مَشْهُور يذكر وَيُؤَنث، وَيُقَال مهموزاً ومسهلاً، وَسميت بسام بن نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لِأَنَّهُ أول من نزلها، فَجعلت السِّين شيناً مُعْجمَة تغييراً للفظ الأعجمي، وَقيل: سميت بذلك لِكَثْرَة قراها وتداني بَعْضهَا من بعض فشبهت بالشامات. قَوْله: (مراحيض) ، بِفَتْح الْمِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة: جمع مرحاض، بِكَسْر الْمِيم، وَهُوَ الْبَيْت الْمُتَّخذ لقَضَاء حَاجَة الْإِنْسَان، أَي: التغوط، قَوْله: (قبل الْكَعْبَة) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: مقابلها. قَوْله: (فننحرف) أَي: عَن جِهَة الْقبْلَة من الانحراف. ويروى: (فنتحرف) من التحرف. قَوْله: (ونستغفر اتعالى) ، قيل: نَسْتَغْفِر الْمَنّ بناها فَإِن الاسْتِغْفَار للمذنبين سنة. وَقيل: نَسْتَغْفِر امن الِاسْتِقْبَال، وَقيل: نَسْتَغْفِر امن ذنُوبه. وَيُقَال: لَعَلَّ أَبَا أَيُّوب لم يبلغهُ حَدِيث ابْن عمر فِي ذَلِك وَلم يره مُخَصّصا. وَحمل مَا رَوَاهُ على الْعُمُوم، وَهَذَا الاسْتِغْفَار لنَفسِهِ لَا للنَّاس على هَذِه الْهَيْئَة. فَإِن قلت: الغالط والساهي لم يفعل إِثْمًا فَلَا حَاجَة فِيهِ إِلَى الاسْتِغْفَار. قلت: أهل الْوَرع والمناصب الْعلية فِي التَّقْوَى قد يَفْعَلُونَ مثل هَذَا بِنَاء على نسبتهم التَّقْصِير إِلَى أنفسهم فِي التحفظ ابْتِدَاء، وَقد مر مَا يستنبط مِنْهُ فِيمَا مضى فِي كتاب الْوضُوء.

وعنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَطاءٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أيُّوبَ عنِ النبيِّ مِثْلَهُ.

قَوْله: (وَعَن الزُّهْرِيّ) عطف على قَوْله: (حدّثنا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ) يَعْنِي بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَيْضا عَن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد الْمَذْكُور، سَمِعت أَبَا أَيُّوب. وَفَائِدَة ذكره مكرراً أَن فِي الطّرق الأول عنعن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء عَن أبي أَيُّوب، وَفِي هَذَا الطَّرِيق صرح عَطاء بِالسَّمَاعِ عَن أبي أَيُّوب، وَالسَّمَاع أقوى من العنعنة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: السماع أقوى من العنعنة. وَهِي أقوى من أَن، لَكِن فِيهِ ضعف من جِهَة التَّعْلِيق عَن الزُّهْرِيّ. قلت: الظَّاهِر مَعَ الْكرْمَانِي، وَلَكِن الحَدِيث بِهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>