قريب فِي: بَاب هَل يسْتَخْرج السحر، والشفاء يكون لمَرض مَوْجُود ثمَّ إِنَّه جمع بَين: بَاب السحر، وَبَاب الكهانة، لِأَن مرجع كل مِنْهُمَا الشَّيَاطِين، وكأنهما من وَاد وَاحِد، وَلَا يُقَال: لم قدم بَاب الكهانة على بَاب السحر؟ لِأَنَّهُ سُؤال دوري وَهُوَ غير وَارِد، فَافْهَم.
وقَوْلِ الله تَعَالَى:{وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا يعلمُونَ النَّاس السحر مَا أنزل على الْملكَيْنِ بِبَابِل هاروت وماروت وَمَا يعلمَانِ من أحد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفْر فيتعلمون مِنْهُمَا مَا يفرقون بِهِ بَين الْمَرْء وزوجه وَمَا هم بضارين بِهِ من أحد إِلَّا بِإِذن الله ويتعلمون مَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ وَلَقَد على الْحق اشْتَرَاهُ مَاله فِي الْآخِرَة من خلاق}(الْبَقَرَة: ٢) ، وقوْلهِ تَعَالَى:{وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى}(طه: ٦٩) ، وقَوْلهِ:{أفتأتون السحر وَأَنْتُم تبصرون}(الْأَنْبِيَاء: ٣) ، وقَوْلهِ:{يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى}(طه: ٦٦) ، وقَوْلهِ:{وَمن شَرّ النفاثات فِي العقد}(الفلق: ٤) ، والنَّفَّاثاتُ: السَّوَاحِرُ، تُسْحَرُونَ: تُعَمَّوْنَ.
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطفا على السحر الْمُضَاف إِلَيْهِ لفظ: بَاب، وَالتَّقْدِير: بَاب فِي بَيَان السحر وَفِي بَيَان قَول الله عز وَجل، وَذكر هَذِه الْآيَات الْكَرِيمَة للاستدلال بهَا على تحقق وجود السحر وإثباته، وعَلى بَيَان حرمته أما الْآيَة الأولى وَهِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا} فَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين {وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا يعلمُونَ النَّاس السحر} ... الْآيَة فَهَذَا الْمِقْدَار هُوَ الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة سَاقهَا إِلَى قَوْله {من خلاق} فَفِي هَذِه الْآيَة بَيَان أصل السحر الَّذِي تعْمل بِهِ الْيَهُود ثمَّ هُوَ مِمَّا وَضعته الشَّيَاطِين على سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام وَمِمَّا أنزل الله تَعَالَى على هاروت وماروت بِأَرْض بابل وَهَذَا مُتَقَدم على الأول لِأَن قصَّة هاروت وماروت كَانَت من قبل زمن نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ السحر أَيْضا فاشياً فِي زمن فِرْعَوْن، وَمُلَخَّص مَا ذكر فِي هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة مَا قَالَه السّديّ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين على ملك سُلَيْمَان} أَي: على عهد سُلَيْمَان، قَالَ: كَانَت الشَّيَاطِين تصعد إِلَى السَّمَاء فتقعد مِنْهَا مقاعد للسمع فيسمعون من كَلَام الْمَلَائِكَة مَا يكون فِي الأَرْض من موت أَو غيث أَو أَمر، فَيَأْتُونَ الكهنة فَيُخْبِرُونَهُمْ فَتحدث الكهنة النَّاس فيجدونه كَمَا قَالُوا، وَزَادُوا مَعَ كل كلمة سبعين كلمة، فاكتتب النَّاس ذَلِك الحَدِيث فِي الْكتب وَفَشَا فِي بني إِسْرَائِيل: أَن الْجِنّ تعلم الْغَيْب، فَبعث سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لجمع تِلْكَ الْكتب فَجَعلهَا فِي صندوق ثمَّ دَفنهَا تَحت كرسيه وَلم يكن أحد من النَّاس يَسْتَطِيع أَن يدنو من الْكُرْسِيّ إلَاّ احْتَرَقَ. وَقَالَ: لَا أسمع أحدا يذكر أَن الشَّيَاطِين يعلمُونَ الْغَيْب إلَاّ ضربت عُنُقه، فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَان وَذهب الْعلمَاء الَّذين كَانُوا يعْرفُونَ أَمر سُلَيْمَان جَاءَ شَيْطَان فِي صُورَة إِنْسَان إِلَى نفر من بني إِسْرَائِيل فَقَالَ لَهُم: هَل أدلكم على كنز لَا تأكلونه أبدا؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فاحفروا تَحت الْكُرْسِيّ، فَحَفَرُوا ووجدوا تِلْكَ الْكتب، فَلَمَّا أخرجوها قَالَ الشَّيْطَان: إِن سُلَيْمَان إِنَّمَا كَانَ يضْبط الْإِنْس وَالْجِنّ وَالطير بِهَذَا السحر، ثمَّ طَار وَذهب وَفَشَا فِي النَّاس أَن سُلَيْمَان كَانَ ساحراً، فاتخذت بَنو إِسْرَائِيل تِلْكَ الْكتب، فَلَمَّا جَاءَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خاصموه بهَا فَذَلِك قَوْله: تَعَالَى: {وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا يعلمُونَ النَّاس السحر} فَقَوله: النَّاس: مفعول أول. وَالسحر مفعول ثَان، وَالْجُمْلَة حَال من فَاعل كفرُوا، أَي: كفرُوا معلمين، وَقيل: هِيَ بدل من كفرُوا. وَقَوله عز وَجل {وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ} كلمة: مَا، مَوْصُولَة ومحلها النصب عطفا على السحر، تَقْدِيره يعلمُونَ النَّاس السحر والمنزل على الْملكَيْنِ. قَوْله:(بِبَابِل) يتَعَلَّق: بأنزل، أَي: فِي بابل وَهِي مَدِينَة بناها نمْرُود بن كنعان وينسب إِلَيْهَا السحر وَالْخمر، وَهِي الْيَوْم خراب، وَهِي أقدم أبنية الْعرَاق وَكَانَت مَدِينَة الكنعانيين وَغَيرهم. وَقيل: إِن الضَّحَّاك أول من بنى بابل، وَقَالَ مؤيد الدولة: وببابل ألْقى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي النَّار. قَوْله:(هاروت وماروت) بدل من الْملكَيْنِ أَو عطف بَيَان وَفِيهِمَا اخْتِلَاف كثير، وَالأَصَح أَنَّهُمَا كَانَا ملكَيْنِ أنزلا من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فَكَانَ من أَمرهمَا مَا كَانَ، وقصتهما مَشْهُورَة. قَوْله:(وَمَا يعلمَانِ) وقرىء: يعلمَانِ، من الْإِعْلَام. قَوْله:(فتْنَة) أَي: محنة وابتلاء، وَقَالَ سنيد عَن حجاج عَن ابْن جريج فِي هَذِه الْآيَة: لَا يجترىء على السحر إلَاّ كَافِر، وَقَالَ النَّوَوِيّ: عمل السحر حرَام، وَهُوَ