وحْشٍ فَحَمَلَ أَبُو قَتادَةَ عَلَى الحُمُرِ فَعَقَرَ مِنْها أَتَانَا فنَزَلُوا فأكلُوا مِنْ لَحْمِهَا وقالُوا أنأكُلُ لَحمَ صَيْدٍ ونَحْنُ محْرِمُونَ فحَمَلْنا مَا بَقِي مِنْ لَحمِ الأتانِ فلَمَّا أتَوْا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالُوا يَا رسولَ الله إنَّا كُنَّا أحْرَمْنَا وقَدْ كانَ أبُو قَتَادةَ لَمْ يُحْرِمْ فَرَأيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ فحَمَلَ عَلَيْهَا أبُو قَتادَةَ فعَقَرَ مِنْهَا أَتَانَا فنَزَلْنَا فأكلْنا منْ لَحْمِهَا ثُمَّ قُلْنَا أنأكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ ونَحْنُ مُحْرِمُونَ فحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا قَالَ أمِنْكُمْ أحَدٌ أمَرَهُ أنْ يَحْمِلَ عَلَيْها أوْ أشَارَ إلَيْهَا قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَو أَشَارَ إِلَيْهَا) ، وَالْمَفْهُوم مِنْهُ أَن إِشَارَة الْمحرم للْحَلَال إِلَى الصَّيْد ليصطاده لَا تجوز، فَلَو أَشَارَ لَهُ وَقتل صيدا لَا يجوز للْمحرمِ أَن يَأْكُل مِنْهُ، وَقد ذكرنَا مَا فِيهِ من الْخلاف. ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل هُوَ الْمنْقري التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة بِالْفَتْح هُوَ الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، وَعُثْمَان هُوَ ابْن عبد الله بن وهب، بِفَتْح الْمِيم وَالْهَاء: الْأَعْرَج الطلحي، وَقد مر فِي أول الزَّكَاة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَة بدل عُثْمَان: غَسَّان، وَهُوَ خطأ قطعا. قلت: هُوَ من الْكَاتِب، فَإِنَّهُ طمس الْمِيم فَصَارَ عُثْمَان غسانا، وَعُثْمَان هَذَا تَابِعِيّ ثِقَة، روى عَنَّا عَن تَابِعِيّ.
قَوْله: (خرج حَاجا) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: هَذَا غلط، فَإِن الْقِصَّة كَانَت فِي عمْرَة، وَأما الْخُرُوج إِلَى الْحَج فَكَانَ فِي خلق كثير، وَكَانُوا كلهم على الجادة لَا على سَاحل الْبَحْر، وَلَعَلَّ الرَّاوِي أَرَادَ: خرج محرما فَعبر عَن الْإِحْرَام بِالْحَجِّ غَلطا. وَقَالَ بَعضهم: لَا غلط فِي ذَلِك، بل هُوَ من الْمجَاز السائغ، وَأَيْضًا فالحج فِي الأَصْل قصد الْبَيْت، فَكَأَنَّهُ قَالَ: خرج قَاصِدا للبيت، وَلِهَذَا يُقَال للْعُمْرَة الْحَج الْأَصْغَر. قلت: لَا نسلم أَنه من الْمجَاز، فَإِن الْمجَاز لَا بُد لَهُ من علاقَة، وَمَا العلاقة هَهُنَا؟ وَكَون معنى الْحَج فِي الأَصْل قصدا لَا يكون علاقَة لجَوَاز ذكر الْحَج، وَإِرَادَة الْعمرَة، فَإِن كل فعل مُطلقًا لَا بُد فِيهِ من معنى الْقَصْد، ثمَّ أيد هَذَا الْقَائِل كَلَامه بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي عَن أبي عوَانَة بِلَفْظ: (خرج حَاجا أَو مُعْتَمِرًا) . انْتهى. وَأَبُو عوَانَة شكّ، وبالشك لَا يثبت مَا ادَّعَاهُ من الْمجَاز، على أَن يحيى بن أبي كثير الَّذِي هُوَ أحد رُوَاة حَدِيث أبي قَتَادَة قد جزم بِأَن ذَلِك كَانَ فِي عمْرَة الْحُدَيْبِيَة. قَوْله: (فيهم أَبُو قَتَادَة) ، من بَاب التَّجْرِيد، وَكَذَا قَوْله: (إلَاّ أَبُو قَتَادَة) ، لِأَن مُقْتَضى الْكَلَام أَن يُقَال: وَأَنا فيهم، وإلَاّ أَنا، وَلَا يَنْبَغِي إِن يَجْعَل هَذَا من قَول ابْن أبي قَتَادَة، لِأَنَّهُ يسْتَلْزم أَن يكون الحَدِيث مُرْسلا. قَوْله: (إلَاّ أَبُو قَتَادَة) ، هَكَذَا هُوَ بِالرَّفْع عِنْد الْأَكْثَرين، وَعند الْكشميهني (إلَاّ أَبُو قَتَادَة) بِالنّصب، وَكَذَا وَقع عِنْد مُسلم بِالنّصب، وَقَالَ ابْن مَالك: حق الْمُسْتَثْنى بإلَاّ من كَلَام تَامّ مُوجب أَن ينصب مُفردا، كَانَ، أَو مكملاً مَعْنَاهُ بِمَا بعده، فالمفرد نَحْو قَوْله تَعَالَى: {الأخلاء يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض عَدو إلَاّ الْمُتَّقِينَ} (الزخرف: ٧٦) . والمكمل نَحْو: {إِنَّا لمنجوهم أَجْمَعِينَ إلَاّ امرأَتَه قَدرنَا أَنَّهَا لمن الغابرين} (الْحجر: ٩٥، ٠٦) . وَلَا يعرف أَكثر المتأخيرن من الْبَصرِيين فِي هَذَا النَّوْع إلَاّ النصب، وَقد اغفلوا وُرُوده مَرْفُوعا مَعَ ثُبُوت الْخَبَر وَمَعَ حذفه، فَمن أَمْثِلَة الثَّابِت الْخَبَر قَول ابْن أبي قَتَادَة: (أَحْرمُوا كلهم إلَاّ أَبُو قَتَادَة لم يحرم) ، فإلَاّ بِمَعْنى: لَكِن، وَأَبُو قَتَادَة مُبْتَدأ، و: لم يحرم، خَبره، وَنَظِيره من كتاب الله تَعَالَى: {وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إلَاّ امْرَأَتك أَنه مصيبها مَا أَصَابَهُم} (هود: ١٨) . فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يَجْعَل: امْرَأَتك، بَدَلا من: أحد، لِأَنَّهَا لم تسر مَعَهم فيتضمنها ضمير المخاطبين، وتكلف بَعضهم بِأَنَّهُ، وَإِن لم يسر بهَا، لَكِنَّهَا شَعرت بِالْعَذَابِ فتبعتهم ثمَّ التفتت فَهَلَكت. قَالَ: وَهَذَا على تَقْدِير صِحَّته لَا يُوجب دُخُولهَا فِي المخاطبين، وَمن أَمْثِلَة الْمَحْذُوف الْخَبَر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كل أمتِي معافىً إلَاّ المجاهرون) . أَي: لَكِن المجاهرون بِالْمَعَاصِي لَا يعافون، وَمِنْه من كتاب الله تَعَالَى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم} (الْبَقَرَة: ٩٤٢) . أَي: لَكِن قَلِيل مِنْهُم لم يشْربُوا، قَالَ: وللكوفيين فِي هَذَا الثَّانِي مَذْهَب آخر، وَهُوَ أَن يجْعَلُوا الأحرف عطف وَمَا بعْدهَا مَعْطُوفًا على مَا قبلهَا. انْتهى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو هُوَ، أَي: الرّفْع على مَذْهَب من جوز أَن يُقَال: عَليّ بن أَبُو طَالب. قَوْله: (حمر وَحش) ، الْحمر بِضَمَّتَيْنِ جمع: حمَار. قَوْله: (أَتَانَا) هَذَا بَين أَن المُرَاد بالحمار فِي سَائِر الرِّوَايَات الْأُنْثَى مِنْهُ. قَوْله: (فحملنا مَا بَقِي من لحم الأتان) ، وَفِي رِوَايَة أبي حَازِم فِي: بَاب الْهِبَة، سَيَأْتِي: (فرحنا وخبأت الْعَضُد معي) ، وَفِيه: (مَعكُمْ مِنْهُ شَيْء؟ فناولته الْعَضُد فَأكلهَا حَتَّى تعرقها) . وللبخاري أَيْضا فِي الْجِهَاد سَيَأْتِي: (مَعنا رجله، فَأخذ فَأكلهَا) . وَفِي رِوَايَة الْمطلب: (قد رفعنَا لَك الذِّرَاع، فَأكل مِنْهَا) . قَوْله: (مِنْكُم أحد أمره؟) أَي: أمنكم أحد أمره؟ أَي: أَمر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute