للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَوْله: {عرضة} أَي عِلّة مَانِعَة لكم من الْبر وَالتَّقوى والإصلاح فَإِن تحلفُوا أَن لَا تَفعلُوا ذَلِك فتعللوا بهَا أَو تَقولُوا: حلفنا وَلم تحلفُوا بِهِ، وعرضة على وزن فعلة من الِاعْتِرَاض، والمعترض بَين الشَّيْئَيْنِ مَانع. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: عرضة، أَي حجَّة. {أَن تبروا} أَي: على أَن لَا تبروا. وَكلمَة: لَا، مضمرة فِيهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يبين الله لكم أَن تضلوا} (النِّسَاء: ٦٧١) وَيُقَال: كَرَاهَة أَن تبروا. وَقَالَ سعيد ابْن جُبَير: هُوَ الرجل يحلف أَن لَا يبر وَلَا يُصَلِّي وَلَا يصلح. فَيُقَال لَهُ فِيهِ، فَيَقُول: قد حَلَفت. قَوْله: {وَلَا تشتروا بِعَهْد الله ثمنا قَلِيلا} (النَّحْل: ٥٩) إِلَى قَوْله: {كَفِيلا} بِتَمَامِهِ وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَسقط جَمِيعه لغيره، وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على تَأْكِيد الْوَفَاء بالعهد لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها} (النَّحْل: ١٩) وَلم يتَقَدَّم غير ذكر الْعَهْد. قَوْله: {وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا} (النَّحْل: ٩) أَي: شَهِيد فِي الْعَهْد، هَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير وَعَن مُجَاهِد. يَعْنِي: وَكيلا، أخرجه ابْن أبي حَاتِم عَنهُ.

٦٧٦٦ - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا أبُو عَوَانَةَ عنِ الأعْمَشِ عَنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِها مالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ الله وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبان) .

فأنْزَلَ الله تَصْدِيقَ ذالِكَ {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد. . ثمنا قَلِيلا} (آل عمرَان: ٧٧) إِلَى آخِرِ الآيَةِ. َلَ الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أبُو عَبْدِ الرَّحْمانِ؟ فقالُوا: كَذا وكَذا. قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ، كانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أرْضِ ابنِ عَمٍّ لِي، فأتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (بَيْنَتُكَ أوْ يَمِينُهُ) قُلْتُ: إِذا يَحْلِفَ عَلَيْها يَا رسولَ الله! فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ صَبْرٍ وهْوَ فِيها فاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِها مالَ امرِىءٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ الله يَوْمَ القِيامَةِ وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ الْآيَة الأولى ظَاهِرَة. وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو الوضاح الْيَشْكُرِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.

والْحَدِيث قد مضى فِي الشّرْب فِي: بَاب الْخُصُومَة فِي الْبِئْر وَالْقَضَاء فِيهَا، فَإِنَّهُ أخرج هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق. . إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: (على يَمِين صَبر) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي الَّتِي يلْزم وَيجْبر عَلَيْهَا حالفها، وَيُقَال: هِيَ أَن يحبس السُّلْطَان رجلا على يَمِين حَتَّى يحلف بهَا، يُقَال: صبرت يَمِيني أَي: حَلَفت بِاللَّه، وأصل الصَّبْر الْحَبْس، وَمَعْنَاهُ: مَا يجْبر عَلَيْهَا. وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ: وَأَن يُوقف حَتَّى يحلف على رُؤُوس النَّاس. قَوْله: (وَهُوَ فِيهَا) الْوَاو للْحَال قَوْله: (فَاجر) أَي: كَاذِب، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَعْمَش: فِيهَا، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: عَلَيْهَا، وَوَقع فِي رِوَايَة شُعْبَة: على يَمِين كَاذِبًا. قَوْله: (يقتطع) حَال، وَفِي رِوَايَة حجاج بن منهال: ليقتطع، بِزِيَادَة لَام التَّعْلِيل، ويقتطع يفتعل من الْقطع كَأَنَّهُ يقطعهُ عَن صَاحبه أَو يَأْخُذ قِطْعَة من مَاله بِالْحلف الْمَذْكُور. قَوْله: (وَهُوَ عَلَيْهِ) الْوَاو للْحَال، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَهُوَ عَنهُ معرض، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد، ألَاّ لَقِي الله وَهُوَ أَجْذم، وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة بن ثَعْلَبَة عِنْد مُسلم وَالنَّسَائِيّ فِي نَحْو هَذَا الحَدِيث. فقد أوجب الله لَهُ النَّار وَحرم عَلَيْهِ الْجنَّة، وَفِي حَدِيث عمرَان عِنْد أبي دَاوُد: فَليَتَبَوَّأ بِوَجْهِهِ مَقْعَده من النَّار. قَوْله: (فَأنْزل الله تَصْدِيق ذَلِك) أَي: تَصْدِيق قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَإِن قلت: قد تقدم فِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان أَنَّهَا نزلت فِيمَن أَقَامَ سلْعَته بعد الْعَصْر، فَحلف كَاذِبًا.

قلت: يجوز أَن تكون نزلت فِي الْأَمريْنِ مَعًا فِي وَقت وَاحِد، وَاللَّفْظ عَام متناول للقضيتين ولغيرهما. قَوْله: (مَا حَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن) ؟ هُوَ كنية عبد الله بن مَسْعُود. فَإِن قلت: هُنَا: فَدخل الْأَشْعَث بن قيس، وَفِي رِوَايَة فِي كتاب الرَّهْن: ثمَّ إِن الْأَشْعَث بن قيس خرج إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا يُحَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن.

قلت: الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن يُقَال: إِنَّه خرج عَلَيْهِم من مَكَان كَانَ فِيهِ فَدخل الْمَكَان الَّذِي كَانُوا فِيهِ. فَإِن قلت: سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَام فِي رِوَايَة الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش وَمَنْصُور جَمِيعًا: فجَاء الْأَشْعَث وَعبد الله يُحَدِّثهُمْ.

قلت: التَّوْفِيق هُنَا أَن يُقَال: إِن خُرُوج الْأَشْعَث من مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ فِيهِ إِلَى الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِيهِ عبد الله وَقع وَعبد الله يُحَدِّثهُمْ، فَلَعَلَّ الْأَشْعَث تشاغل بِشَيْء فَلم

<<  <  ج: ص:  >  >>