للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٢٦٢ - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا هِشامٌ وشُعْبَةُ قَالَا حدَّثنا قَتادةُ عنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيِّبِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العائِدُ فِي هِبَتِهِ كالعائِدِ فِي قَيْئِهِ.

لَيْسَ فِيهِ لفظ يدل على لفظ التَّرْجَمَة وَلَا يتم بِهِ استدلاله على نفي حل الرُّجُوع عَن هِبته، وَهِشَام هُوَ الدستوَائي، والْحَدِيث مر عَن قريب، وَقَالَ ابْن بطال: جعل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّجُوع فِي الْهِبَة كالرجوع فِي الْقَيْء وَهُوَ حرَام، فَكَذَا الرُّجُوع فِي الْهِبَة. قُلْنَا: الرَّاجِع فِي الْقَيْء هُوَ الْكَلْب لَا الرجل، وَالْكَلب غير متعبد بتحليل وَتَحْرِيم، فَلَا يثبت منع الْوَاهِب من الرُّجُوع فَهُوَ يدل على تَنْزِيه أَمنه من أَمْثَال الْكَلْب لَا أَنه أبطل أَن يكون لَهُم الرُّجُوع فِي هباتهم. فَإِن قلت: رُوِيَ: لَا يحل لواهب أَن يرجع فِي هِبته؟ قلت: قَالَ الطَّحَاوِيّ: قَوْله: لَا يحل، لَا يسْتَلْزم التَّحْرِيم، وَهُوَ كَقَوْلِه: لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَا تحل لَهُ من حَيْثُ تحل لغيره من دون الْحَاجة، وَأَرَادَ بذلك التَّغْلِيظ فِي الْكَرَاهَة. قَالَ: وَقَوله: كالعائد فِي قيئه، وَإِن اقْتضى التَّحْرِيم لكَون الْقَيْء حَرَامًا، لَكِن الزِّيَادَة فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: وَهِي قَوْله: كَالْكَلْبِ، يدل على عدم التَّحْرِيم، لِأَن الْكَلْب غير متعبد فالقيء لَيْسَ حَرَامًا عَلَيْهِ، وَالْمرَاد التَّنْزِيه عَن فعل يشبه فعل الْكَلْب. وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بقوله: مَا تَأَوَّلَه مستبعد وينافي سِيَاق الْأَحَادِيث، وَأَن عرف الشَّرْع فِي مثل هَذِه الْأَشْيَاء يُرِيد بِهِ الْمُبَالغَة فِي الزّجر، كَقَوْلِه: من لعب بالنرد شير فَكَأَنَّمَا غمس يَده فِي لحم خِنْزِير. انْتهى. قلت: لَا يستبعد إلَاّ مَا قَالَه هَذَا الْمُعْتَرض حَيْثُ لم يبين وَجه الاستبعاد، وَلَا بَين وَجه منافرة سِيَاق الْأَحَادِيث، وَنحن مَا ننفي الْمُبَالغَة فِيهِ، بل نقُول: الْمُبَالغَة فِي التَّغْلِيظ فِي الْكَرَاهَة وقبح هَذَا الْفِعْل وكل ذَلِك لَا يَقْتَضِي منع الرُّجُوع فَافْهَم.

٢٢٦٢ - حدَّثنا عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ الْمُبَارَكِ قَالَ حدَّثنا عبدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ لَنا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعودُ فِي هِبَتِهِ كالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ.

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه عَن عبد الله بن الْمُبَارك العيشي، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة يَعْنِي: أَبَا بكر، وَلَيْسَ هَذَا بأخي عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي، والرواة كلهم بصريون إلَاّ عِكْرِمَة وَابْن عَبَّاس فَإِنَّهُمَا سكنا فِيهَا مُدَّة، وَفِي بعض النّسخ: وحَدثني عبد الرَّحْمَن بِصِيغَة الْإِفْرَاد. وَاو الْعَطف. قَوْله: (لَيْسَ لنا مثل السوء) يَعْنِي: لَا يَنْبَغِي لنا يُرِيد بِهِ نَفسه وَالْمُؤمنِينَ أَن نتصف بِصفة ذميمة تشابهنا فِيهَا أخس الْحَيَوَانَات فِي أخس أحوالها، وَقد يُطلق الْمثل على الصّفة الغريبة العجيبة الشَّأْن، سَوَاء كَانَ فِي صفة مدح أَو ذمّ، قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة مثل السوء وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى} (النَّحْل: ٠٦) . قَالُوا: هَذَا الْمثل ظَاهر فِي تَحْرِيم الرُّجُوع فِي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة بعد إقباضها. قُلْنَا: هَذَا الْمثل يدل على التَّنْزِيه وَكَرَاهَة الرُّجُوع، لَا على التَّحْرِيم، ويستدل بِحَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين أَرَادَ شِرَاء فرس حمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله، فَسَأَلَ عَن ذَلِك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَا تبتغه، وَإِن أعطاكه بدرهم ... الحَدِيث يَأْتِي الْآن، فَلَمَّا لم يكن من هَذَا القَوْل مُوجبا حرمه ابتياع مَا تصدق بِهِ، فَكَذَلِك هَذَا الحَدِيث لم يكن مُوجبا حُرْمَة الرُّجُوع فِي الْهِبَة.

٣٢٦٢ - حدَّثنا يَحْيَى بٌّ خَ قَزَعَةَ قَالَ حدَّثنا مالِكٌ عنْ زيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ أبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ ابنَ الخطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقولُ حَمَلْتُ عَلَى فرَسٍ فِي سَبِيلِ الله فأضاعَهُ الَّذِي كانَ عِنْدَهُ فأرَدْتُ أنْ أشْتَرِيَهُ مِنْهُ وظَنَنْتُ أنَّهُ بائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسألْتُ عنْ ذَلِكَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا تَشْتَرِهِ وإنْ أعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ واحِدٍ فإنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كالْكَلْبِ يَعودُ فِي قَيْئِهِ..

مطابقته للتَّرْجَمَة تتَعَيَّن أَن يُقَال فِي قَوْله: (فَإِن الْعَائِد فِي صدقته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه) ، وَالَّذِي يفهم من صَنِيع البُخَارِيّ أَنه

<<  <  ج: ص:  >  >>