للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لَهُ، قَوْله: (يَذْرَعُونَهَا) أَي: يقدرونها بِذِرَاع كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ، وَإِنَّمَا ذكر بِلَفْظ جمع الْمُذكر، وَالْقِيَاس ذكر لفظ جمع الْمُؤَنَّث اعْتِبَارا لِمَعْنى الْجمع، أَو عدل إِلَيْهِ كَقَوْل الشَّاعِر:

(وَإِن شِئْت حرمت النِّسَاء سواكم)

ذكره بِلَفْظ جمع الْمُذكر تَعْظِيمًا. قَوْله: (فَكَانَت سَوْدَة) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد عَن عَفَّان عَن أبي عوَانَة بِهَذَا الْإِسْنَاد، سَوْدَة بنت زَمعَة القرشية العامرية، تزَوجهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد خَدِيجَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، على الْمَشْهُور. قَوْله: (بعد) مَبْنِيّ على الضَّم، أَي: بعد ذَلِك يَعْنِي: بعد موت أول نِسَائِهِ. قَوْله: (إِنَّمَا) ، بِالْفَتْح، لِأَنَّهُ فِي مَحل مفعول: علمنَا. قَوْله: (طول يَدهَا) ، هُوَ كَلَام إضافي مَنْصُوب، لِأَنَّهُ خبر كَانَت وَالصَّدَََقَة مَرْفُوع لِأَنَّهُ: اسْم كَانَت. قَوْله: (وَكَانَت أَسْرَعنَا لُحُوقا بِهِ) أَي: بِالنَّبِيِّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالضَّمِير فِي: كَانَت، بِحَسب الظَّاهِر، وَيرجع إِلَى سَوْدَة، وَقد صرح بِهِ البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه الصَّغِير) فِي رِوَايَته عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل بِهَذَا الْإِسْنَاد، فَكَانَت سَوْدَة أَسْرَعنَا. . إِلَى آخِره. وَكَذَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الْعَبَّاس الدوري: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَكَذَا فِي رِوَايَة عَفَّان عِنْد أَحْمد وَابْن سعد عَنهُ، وَقَالَ ابْن سعد: قَالَ لنا مُحَمَّد بن عمر، يَعْنِي: الْوَاقِدِيّ، هَذَا الحَدِيث، وهم فِي سَوْدَة، وَإِنَّمَا هُوَ فِي زَيْنَب بنت جحش، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَهِيَ أول نِسَائِهِ بِهِ لُحُوقا. وَتوفيت فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبقيت سَوْدَة إِلَى أَن توفت فِي خلَافَة مُعَاوِيَة فِي شَوَّال سنة أَربع وَخمسين، وَفِي (التَّلْوِيح) : هَذَا الحَدِيث غلط من بعض الروَاة، وَالْعجب من البُخَارِيّ كَيفَ لم يُنَبه عَلَيْهِ، وَلَا مَن بعده من أَصْحَاب التَّعَالِيق، حَتَّى: إِن بعضه فسره بِأَن لُحُوق سَوْدَة من أَعْلَام النُّبُوَّة، وكل ذَلِك وهم، وَإِنَّمَا هِيَ زَيْنَب بنت جحش، فَإِنَّهَا كَانَت أَطْوَلهنَّ يدا بِالْمَعْرُوفِ، وَتوفيت سنة عشْرين، وَهِي أول الزَّوْجَات وَفَاة، وَسَوْدَة توفيت سنة أَربع وَخمسين، وَقد ذكر مُسلم ذَلِك على الصِّحَّة من حَدِيث عَائِشَة بنت طَلْحَة، عَن عَائِشَة، قَالَت: وَكَانَت زَيْنَب أطولنا يدا لِأَنَّهَا كَانَت تعْمل وَتَتَصَدَّق. قلت: أَخذ صَاحب (التَّلْوِيح) هَذَا كُله من كَلَام ابْن الْجَوْزِيّ. وَقَوله: حَتَّى إِن بَعضهم، المُرَاد بِهِ الْخطابِيّ، وَذكر صَاحب (التَّلْوِيح) أَيْضا فَقَالَ: يحْتَمل أَن تكون رِوَايَة البُخَارِيّ لَهَا وَجه، وَهُوَ أَن يكون خطابه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لمن كَانَ حَاضرا عِنْده، إِذْ ذَاك من الزَّوْجَات، وَأَن سَوْدَة وَعَائِشَة كَانَتَا ثمَّة وَزَيْنَب غَائِبَة لم تكن حَاضِرَة. قلت: هَذَا من كَلَام الطَّيِّبِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: يُمكن أَن يُقَال فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ: المُرَاد الحاضرات من أَزوَاجه دون زَيْنَب، فَكَانَت سَوْدَة أولهنَّ موتا. قلت: يرد مَا قَالَه مَا رَوَاهُ ابْن حبَان من رِوَايَة يحيى بن حَمَّاد: أَن نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْتَمعْنَ عِنْده لم تغادر مِنْهُنَّ وَاحِدَة، وَيُمكن أَن يَأْتِي هَذَا على أحد الْقَوْلَيْنِ فِي وَفَاة سَوْدَة، فقد روى البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه) بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَى سعيد بن أبي هِلَال، أَنه قَالَ: مَاتَت سَوْدَة فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَجزم الذَّهَبِيّ فِي (التَّارِيخ الْكَبِير) بِأَنَّهَا مَاتَت فِي أُخر خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ ابْن سيد النَّاس: إِنَّه الْمَشْهُور. وَأما على قَول الْوَاقِدِيّ الَّذِي تقدم ذكره فَلَا يَصح وَقَالَ ابْن بطال: هَذَا الحَدِيث سقط مِنْهُ ذكر زَيْنَب لِاتِّفَاق أهل السّير على أَن زَيْنَب أول من مَاتَ من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قلت: مُرَاده أَن الصَّوَاب: وَكَانَت زَيْنَب أَسْرَعنَا لُحُوقا بِهِ. وَقَالَ بَعضهم: يُعَكر على هَذَا التَّأْوِيل الرِّوَايَات الْمُصَرّح فِيهَا بِأَن الضَّمِير لسودة. قلت: ابْن بطال لم يؤول، وَلَا يُقَال لمثل هَذَا تَأْوِيل، وَأَرَادَ بالروايات مَا ذَكرْنَاهُ من البُخَارِيّ الَّذِي ذكره فِي (تَارِيخه) وَالْبَيْهَقِيّ وَأحمد، وكل هَذِه الرِّوَايَات لَا تعَارض قَول من قَالَ: مَاتَ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَزوَاجه زَيْنَب لَا سَوْدَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: أجمع أهل السّير أَن زَيْنَب أول نسَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موتا بعده، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ يُونُس بن بكير فِي (زِيَادَة الْمَغَازِي) وَالْبَيْهَقِيّ فِي (الدَّلَائِل) بِإِسْنَادِهِ عَنهُ عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن الشّعبِيّ، التَّصْرِيح بِأَن ذَلِك لِزَيْنَب، وَلَكِن قصر زَكَرِيَّا فِي إِسْنَاده فَلم يذكر مسروقا وَلَا عَائِشَة، وَلَفظه: (قُلْنَ النسْوَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيّنَا أسْرع بك لُحُوقا؟ قَالَ: أَطْوَلكُنَّ يدا فأخذن يتذارعن أيتهن أطول يدا، فَلَمَّا توفيت زَيْنَب علِمْنَ أَنَّهَا كَانَت أَطْوَلهنَّ يدا فِي الْخَيْر وَالصَّدَََقَة) . وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي المناقب من (مُسْتَدْركه) من طَرِيق يحيى بن سعيد عَن عمْرَة عَن عَائِشَة، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأزواجه: (أَسْرَعكُنَّ لُحُوقا بِي أَطْوَلكُنَّ يدا. قَالَت عَائِشَة: فَكُنَّا إِذا اجْتَمَعنَا فِي بَيت إحدانا بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نمد أَيْدِينَا فِي الْجِدَار نتطاول، فَلم نزل نَفْعل ذَلِك حَتَّى توفيت زَيْنَب بنت جحش، وَكَانَت

<<  <  ج: ص:  >  >>