فِيهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ مَا ملخصه: إِن هَذَا القَوْل لَهُ احْتِمَالَانِ أَحدهمَا: أَنه يحْتَمل أَن يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَاحَ ذَلِك لَهُ توسعة وترفيها فِي حَقه، فَيكون للْحَاج أَن يقدم مَا شَاءَ وَيُؤَخر مَا شَاءَ. وَالْآخر: أَنه يحْتَمل أَن يكون قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا حرج) مَعْنَاهُ: لَا إِثْم عَلَيْكُم فِيمَا فعلتموه من هَذَا لأنكم فعلتموه على الْجَهْل مِنْكُم لَا على الْقَصْد مِنْكُم خلاف السّنة، وَكَانَت السّنة خلاف هَذَا، وَالْحكم على الِاحْتِمَال الثَّانِي وَهُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسقط عَنْهُم الْحَرج وأعذرهم لأجل النسْيَان وَعدم الْعلم، لَا أَنه أَبَاحَ لَهُم ذَاك حَتَّى إِن لَهُم أَن يَفْعَلُوا ذَلِك فِي الْعمد، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: (سُئِلَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ بَين الْجَمْرَتَيْن عَن رجل حلق قبل أَن يَرْمِي. قَالَ: لَا حرج، وَعَن رجل ذبح قبل أَن يَرْمِي، قَالَ: لَا حرج، ثمَّ قَالَ: عباد الله وضع الله عز وَجل الضّيق والحرج، وتعلموا مَنَاسِككُم فَإِنَّهَا من دينكُمْ) فذل ذَلِك على أَن الْحَرج الَّذِي رَفعه الله عز وَجل عَنْهُم إِنَّمَا كَانَ لجهلهم بِأَمْر الْمَنَاسِك لَا لغير ذَلِك، وَذَلِكَ لِأَن السَّائِلين كَانُوا أُنَاسًا أعرابا لَا علم لَهُم بالمناسك، فأجابهم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بقوله: لَا حرج، يَعْنِي فِيمَا فَعلْتُمْ بِالْجَهْلِ. لَا أَنه أَبَاحَ لَهُم ذَلِك فِيمَا بعد. وَنفي الْحَرج لَا يسْتَلْزم نفي وجوب الْقَضَاء أَو الْفِدْيَة، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَمن فعل ذَلِك فَعَلَيهِ دم. وَالله أعلم.
وَقَالَ بَعضهم: وَتعقب بِأَن وجوب الْفِدْيَة يحْتَاج إِلَى دَلِيل، وَلَو كَانَ وَاجِبا لبينه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ وَقت الْحَاجة فَلَا يجوز تَأْخِيره. قلت: إِلَّا ثمَّ دَلِيل أقوى من قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تحلقوا رؤسكم حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله} (الْبَقَرَة: ٦٩١) . وَبِه احْتج النَّخعِيّ؟ فَقَالَ: فَمن حلق قبل الذّبْح اهراق دَمًا، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَنهُ بِسَنَد صَحِيح، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل: أُجِيب بِأَن المُرَاد ببلوغ مَحَله وُصُوله إِلَى الْموضع الَّذِي يحل ذبحه فِيهِ فقد حصل، وَإِنَّمَا يتم المُرَاد أَن لَو قَالَ: وَلَا تحلقوا حَتَّى تنحروا. انْتهى. قلت: لَيْسَ المُرَاد الْكُلِّي مُجَرّد الْبلُوغ إِلَى الْمحل الَّذِي يذبح فِيهِ، بل الْمَقْصد الْكُلِّي الذّبْح، وَلِهَذَا لَو بلغ وَلم يذبح يجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة. وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَاحْتج الطَّحَاوِيّ أَيْضا بقول ابْن عَبَّاس من قدم شَيْئا من نُسكه أَو أَخّرهُ فليهرق لذَلِك دَمًا. قَالَ: وَهُوَ أحد من روى أَن لَا حرج، فَدلَّ على أَن المُرَاد بِنَفْي الْحَرج نفي الْإِثْم فَقَط. أُجِيب: بِأَن الطَّرِيق بذلك إِلَى ابْن عَبَّاس فِيهَا ضعف، فَإِن ابْن أبي شيبَة أخرجهَا وفيهَا إِبْرَاهِيم بن مهَاجر، وَفِيه مقَال. انْتهى. قلت: لَا نسلم ذَلِك، فَإِن إِبْرَاهِيم ابْن مهَاجر روى لَهُ مُسلم، وَفِي (الْكَمَال) روى لَهُ الْجَمَاعَة إلَاّ البُخَارِيّ، وَرُوِيَ عَنهُ مثل الثَّوْريّ وَشعْبَة بن الْحجَّاج وَالْأَعْمَش وَآخَرُونَ، فَلَا اعْتِبَار لذكر ابْن الْجَوْزِيّ إِيَّاه فِي الضُّعَفَاء، وَلَئِن سلمنَا مَا ادَّعَاهُ هَذَا الْقَائِل فِي هَذَا الطَّرِيق فقد رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من طَرِيق آخر لَيْسَ فِيهِ كَلَام، فَقَالَ: حَدثنَا نصر بن مَرْزُوق، قَالَ: حَدثنَا الخصيب، قَالَ: حَدثنَا وهيب عَن أَيُّوب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس مثله، وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن جرير عَن مَنْصُور عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس نَحوه.
٥٣٧١ - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسْئَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنىً فيَقُولْ لَا حَرَجَ فسَألَهُ رَجُلٌ فَقَالَ حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحْ ولَا حَرَجَ وَقَالَ رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أمْسَيْتُ فَقَالَ لَا حَرَجَ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ عَن يزِيد بن زُرَيْع أبي مُعَاوِيَة الْبَصْرِيّ عَن خَالِد بن مهْرَان الْحذاء الْبَصْرِيّ عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس إِلَى آخِره. فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث؟ قلت: فِي قَوْله: (بعد مَا أمسيت) أَي: بعد مَا دخلت فِي الْمسَاء، وَالْمرَاد بِهِ مَا بعد الزَّوَال، لِأَنَّهُ لُغَة الْعَرَب، يسمون مَا بعده مسَاء وعشاء ورواحا، وروى مَالك عَن ربيعَة عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَنه قَالَ: مَا أدْركْت النَّاس إلَاّ وهم يصلونَ الظّهْر بعشي، وَإِنَّمَا يُرِيد تَأْخِيرهَا عَن الْوَقْت الَّذِي فِي شدَّة الْحر إِلَى وَقت الْإِبْرَاد الَّذِي أَمر بِهِ الشَّارِع، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute