للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمَذْكُور وَحَاصِل الْمَعْنى لم يَأْتِ فِي شَيْء من الْأَحَادِيث المرفوعة فِي صفة وضوء النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه زَاد على ثَلَاث بل ورد عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذمّ من زَاد عَلَيْهَا وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ من زَاد على هَذَا أَو نقص فقد أَسَاءَ وظلم. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الإِمَام هَذَا الحَدِيث صَحِيح عِنْد من يصحح حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده لصِحَّة الْإِسْنَاد إِلَى عَمْرو فَإِن قلت كَيفَ يكون ظَالِما فِي النُّقْصَان وَقد ورد فِي الْأَحَادِيث الْوضُوء مرّة مرّة ومرتين مرَّتَيْنِ كَمَا ذكر قلت أُجِيب عَنهُ بأجوبة. الأول فِيهِ حذف تَقْدِيره أَو نقص من وَاحِدَة وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو نعيم بن حَمَّاد من طَرِيق الْمطلب بن حنْطَب مَرْفُوعا الْوضُوء مرّة ومرتين وَثَلَاثًا فَإِن نقص من وَاحِدَة أَو زَاد على ثَلَاث فقد أَخطَأ وَهُوَ مُرْسل وَرِجَاله ثِقَات الثَّانِي أَن الروَاة لم يتفقوا على ذكر النَّقْص فِيهِ بل أَكْثَرهم اقتصروا على قَوْله فَمن زَاد فَقَط كَذَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَسَأَلَهُ عَن الْوضُوء فَأرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ هَذَا الْوضُوء فَمن زَاد على هَذَا فقد أَسَاءَ وتعدى وظلم ثمَّ قَالَ لم يُوصل هَذَا الْخَبَر غير الْأَشْجَعِيّ ويعلى وَزعم أَبُو دَاوُد فِي كتاب التفرد أَنه من منفردات أهل الطَّائِف وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه كَذَلِك وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنه بِلَفْظ فقد أَسَاءَ وتعدى وظلم الثَّالِث أَنه يكون ظَالِما لنَفسِهِ فِي ترك الْفَضِيلَة والكمال وَإِن كَانَ يجوز مرّة مرّة أَو مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ الرَّابِع أَنه إِنَّمَا يكون ظَالِما إِذا اعْتقد خلاف السّنيَّة فِي الثَّلَاث وَيُقَال معنى أَسَاءَ فِي الْأَدَب بِتَرْكِهِ السّنة والتأدب بآداب الشَّرِيعَة وَمعنى ظلم أَي ظلم نَفسه بِمَا نَقصهَا من الثَّوَاب وَفِي تَركه الْفَضِيلَة والكمال وَيُقَال إِنَّمَا يكون ظَالِما إِذا اعْتقد خلاف السّنيَّة فِي الثَّلَاث وَيُقَال الْإِسَاءَة ترجع إِلَى الزِّيَادَة وَالظُّلم إِلَى النُّقْصَان لِأَن الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَحَله قلت الزِّيَادَة على الثَّلَاث أَيْضا وضع الشَّيْء فِي غير مَحَله وَأَيْضًا إِنَّمَا يتمشى هَذَا فِي رِوَايَة تَقْدِيم الْإِسَاءَة على النُّقْصَان وَفِي الْبَدَائِع اخْتلف فِي تَأْوِيله فَقيل زَاد على مَوضِع الْوضُوء وَنقص عَن موَاضعه وَقيل زَاد على ثَلَاث مَرَّات وَلم ينْو ابْتِدَاء الْوضُوء وَنقص عَن الْوَاحِدَة وَالصَّحِيح أَنه مَحْمُول على الِاعْتِقَاد دون نفس الْعَمَل مَعْنَاهُ فَمن زَاد على الثَّلَاث أَو نقص وَلم ير الثَّلَاث سنة لِأَن من لم ير سنة النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فقد ابتدع فيلحقه الْوَعيد حَتَّى لَو زَاد على الثَّلَاث أَو نقص وَرَأى الثَّلَاث سنة لَا يلْحقهُ هَذَا الْوَعيد لِأَن الزِّيَادَة على الثَّلَاث من بَاب الْوضُوء على الْوضُوء إِذا نوى بِهِ وَأَنه نور على نور على لِسَان النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. ثمَّ اعْلَم أَن الثَّلَاث سنة والواحدة تجزىء وَقَالَ أَصْحَابنَا الأولى فرض وَالثَّانيَِة مُسْتَحبَّة وَالثَّالِثَة سنة وَقيل الأولى فرض وَالثَّانيَِة سنة وَالثَّالِثَة إِكْمَال السّنة وَقيل الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة سنة وَقيل الثَّانِيَة سنة وَالثَّالِثَة نفل وَقيل عَكسه وَعَن أبي بكر الأسكاف أَن الثَّلَاث تقع فرضا كَمَا إِذا أَطَالَ الرُّكُوع وَالسُّجُود وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا أَن الزَّائِد على الثَّلَاث لَا يَقع طَهَارَة وَلَا يصير المَاء بِهِ مُسْتَعْملا إِلَّا إِذا قصد بِهِ تَجْدِيد الْوضُوء وَمَا ذكر فِي الْجَامِع أَن مَاء الرَّابِعَة فِي غسل الثَّوْب النَّجس طهُور وَفِي الْعُضْو النَّجس مُسْتَعْمل مَحْمُول على مَا إِذا نوى بِهِ الْقرْبَة وَفِي العتابي وَمَاء الرَّابِعَة مُسْتَعْمل فِي الْعُضْو النَّجس لِأَن الظَّاهِر هُوَ قصد الْقرْبَة حَتَّى يقوم الدَّلِيل على خِلَافه وَفِي شرح النَّسَفِيّ فِيهِ لِأَنَّهُ وجد فِيهِ معنى الْقرْبَة لِأَن الْوضُوء على الْوضُوء نور على نور وَلِهَذَا صَار المَاء مُسْتَعْملا بِهِ وَفِي الْمُحِيط والاسبيجاني أَن مَاء الرَّابِعَة لَا يصير مُسْتَعْملا إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَعند الشَّافِعِيَّة خَمْسَة أوجه أَصَحهَا إِن صلى بِالْوضُوءِ الأول فرضا أَو نفلا اسْتحبَّ وَإِلَّا فَلَا وَبِه قطع الْبَغَوِيّ وَثَانِيها إِن صلى فرضا اسْتحبَّ وَإِلَّا فَلَا وَبِه قطع الفوراني. وَثَالِثهَا مُسْتَحبّ إِن فعل بِالْوضُوءِ الأول مَا يقْصد لَهُ الْوضُوء وَإِلَّا فَلَا ذكره الشَّاشِي. وَرَابِعهَا إِن صلى بِالْأولِ أَو سجد لتلاوة أَو شكر أَو قَرَأَ الْقُرْآن فِي مصحف اسْتحبَّ وَإِلَّا فَلَا وَبِه قطع أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ. وخامسها مُسْتَحبّ وَإِن لم يفعل بِالْوضُوءِ الأول شَيْئا أصلا حَكَاهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَهَذَا إِنَّمَا يَصح إِذا تخَلّل بَين الْوضُوء والتجديد زمن يَقع بِمثلِهِ تَفْرِيق فَأَما إِذا وَصله بِالْوضُوءِ فَهُوَ فِي حكم غسلة رَابِعَة (وَكره أهل الْعلم الْإِسْرَاف فِيهِ وَأَن يجاوزوا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كره مُشْتَقّ من الْكَرَاهَة وَهِي اقْتِضَاء التّرْك مَعَ عدم الْمَنْع من النقيض وَقد يعرف الْمَكْرُوه بِأَنَّهُ مَا يمدح تَاركه وَلَا يذم فَاعله كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي قلت هَذَا لَا يمشي على إِطْلَاقه وَإِنَّمَا يمشي هَذَا فِي كَرَاهَة التَّنْزِيه وَأما فِي كَرَاهَة التَّحْرِيم فَلَا قَوْله الْإِسْرَاف

<<  <  ج: ص:  >  >>