للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّاسِ فحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أمَّا بَعْدُ مَا بالُ رجالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ الله مَا كانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ الله فَهْوَ باطِلٌ وإنْ كانَ مائةَ شَرْطٍ قَضاءُ الله أحَقُّ وشَرْطُ الله أوْثَقُ وإنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مَا بَال رجال يشترطون) إِلَى آخِره، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث مُخْتَصرا فِي: بَاب البيع وَالشِّرَاء مَعَ النِّسَاء، وَمضى مطولا فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب ذكر البيع وَالشِّرَاء على الْمِنْبَر فِي الْمَسْجِد، رَوَاهُ عَن عمْرَة عَن عَائِشَة، وَقد مر الْبَحْث فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً، وَلَكِن نذْكر بعض شَيْء.

قَوْله: (أَوَاقٍ) ، جمع: أُوقِيَّة، وَأَصلهَا أواقي، بتَشْديد الْيَاء، فحذفت إِحْدَى الياءين تَخْفِيفًا وَالثَّانيَِة على طَريقَة قاضٍ، وَفِي مِقْدَار الْأُوقِيَّة خلاف. قَوْله: (أَن أعدهَا لَهُم) أَي: أعد تسع أَوَاقٍ لأهْلك وأعتقك، وَيكون ولاؤك لي، بِأَن يفْسخ الْكِتَابَة لعجز الْمكَاتب عَن أَدَاء النُّجُوم. قَوْله: (من عِنْدهم) ، ويروى: من عِنْدهَا، أَي: من عِنْد أَهلهَا. قَوْله: (جَالس) أَي: عِنْد عَائِشَة. قَوْله: (فَقَالَت) أَي: بَرِيرَة. قَوْله: (عرضت ذَلِك) أَي: مَا قالته لَهَا عَائِشَة. قَوْله: (فَأَبَوا) أَي: امْتَنعُوا. قَوْله: (فَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: مَا قالته بَرِيرَة. قَوْله: (فَأخْبرت عَائِشَة) ، قيل: مَا الْفَائِدَة فِي إِخْبَار عَائِشَة حَيْثُ سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ: سمع شَيْئا مُجملا، فَأَخْبَرته عَائِشَة بِهِ مفصلا. قَوْله: (فَقَالَ: خذيها) أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خذي بَرِيرَة، أَي: اشتريها. قَوْله: (أما بعد) ، أَي: بعد حمد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ. قَوْله: (مَا بَال رجال) ، هَذَا جَوَاب: أما، وَالْأَصْل فِيهِ أَن يكون بِالْفَاءِ، وَقد تحذف. قَوْله: (مَا كَانَ) ، كلمة: مَا، مَوْصُولَة متضمنة معنى الشَّرْط، فَلذَلِك دخلت الْفَاء فِي جَوَابه، وَهُوَ قَوْله: (فَهُوَ بَاطِل) . قَوْله: (وَإِن كَانَ مائَة شَرط) ، مُبَالغَة. وَقَوله: (شَرط) ، مصدر ليَكُون مَعْنَاهُ: مائَة مرّة، حَتَّى يُوَافق الرِّوَايَة المصرحة بِلَفْظ الْمرة. قَوْله: (وَشرط الله أوثق) ، فِيهِ سجع، وَهُوَ من محسنات الْكَلَام إِذا لم يكن فِيهِ تكلّف، وَإِنَّمَا نهى عَن سجع الْكُهَّان لما فِيهِ من التَّكَلُّف.

وَقَالَ النَّوَوِيّ، رَحمَه الله: هَذَا حَدِيث عَظِيم كثير الْأَحْكَام وَالْقَوَاعِد، وَفِيه مَوَاضِع تشعبت فِيهَا الْمذَاهب:

أَحدهَا: أَنَّهَا كَانَت مُكَاتبَة وباعها الموَالِي واشترتها عَائِشَة، وَأقر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيعهَا، فَاحْتَجت بِهِ طَائِفَة من الْعلمَاء أَنه: يجوز بيع الْمكَاتب، وَمِمَّنْ جوزه عَطاء وَالنَّخَعِيّ وَأحمد، وَقَالَ ابْن مَسْعُود وَرَبِيعَة وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَبَعض الْمَالِكِيَّة وَمَالك فِي رِوَايَة عَنهُ: لَا يجوز بَيْعه. وَقَالَ بعض الْعلمَاء: يجوز بَيْعه لِلْعِتْقِ لَا للاستخدام، وَأجَاب من أبطل بَيْعه عَن حَدِيث بَرِيرَة أَنَّهَا عجزت نَفسهَا وفسخوا الْكِتَابَة.

الْموضع الثَّانِي: قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اشْتَرَيْتهَا. .) إِلَى آخِره، مُشكل من حَدِيث الشِّرَاء وَشرط الْوَلَاء لَهُم وإفساد البيع بِهَذَا الشَّرْط، ومخادعة البائعين وَشرط مَا لَا يَصح لَهُم، وَلَا يحصل لَهُم. وَكَيْفِيَّة الْإِذْن لعَائِشَة؟ وَلِهَذَا الْإِشْكَال أنكر بعض الْعلمَاء هَذَا الحَدِيث بجملته، وَهَذَا مَنْقُول عَن يحيى بن أَكْثَم، وَالْجُمْهُور على صِحَّته، وَاخْتلفُوا فِي تَأْوِيله. فَقيل: اشترطي لَهُم الْوَلَاء، أَي: عَلَيْهِم، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُم اللَّعْنَة} (الرَّعْد: ٥٢) . أَي: وَعَلَيْهِم، نقل هَذَا عَن الشَّافِعِي والمزني، وَقيل: معنى اشترطي: أظهري لَهُم حكم الْوَلَاء. وَقيل: المُرَاد الزّجر والتوبيخ لَهُم لأَنهم لما ألحُّوا فِي اشْتِرَاطه وَمُخَالفَة الْأَمر قَالَ لعَائِشَة هَذَا، بِمَعْنى: لَا تبالي سَوَاء شرطته أم لَا، فَإِنَّهُ شَرط بَاطِل مَرْدُود. وَقيل: هَذَا الشَّرْط خَاص فِي قصَّة عَائِشَة، وَهِي قَضِيَّة عين لَا عُمُوم لَهَا. .

الثَّالِث: أَن الْوَلَاء لمن أعتق، وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على ثُبُوت الْوَلَاء لمن أعتق عَبده أَو أمته عَن نَفسه، وَأَن يَرث بِهِ، وَأما الْعَتِيق فَلَا يَرث سَيّده عِنْد الجماهير، وَقَالَ جمَاعَة من التَّابِعين: يَرِثهُ كَعَكْسِهِ.

الرَّابِع: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير بَرِيرَة فِي فسخ نِكَاحهَا، وأجمعت الْأمة على أَنه إِذا اعتقت كلهَا تَحت زَوجهَا، وَهُوَ عبد، كَانَ لَهَا خِيَار فِي فسخ النِّكَاح، فَإِن كَانَ حرا فَلَا خِيَار لَهَا عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهَا الْخِيَار.

الْخَامِس: أَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كل شَرط) إِلَى آخِره، صَرِيح فِي إبِْطَال كل شَرط لَيْسَ لَهُ أصل فِي كتاب الله تَعَالَى، وَقَامَ الْإِجْمَاع على أَن من شَرط فِي البيع شرطا لَا يحل أَنه لَا يجوز، عملا بِهَذَا الحَدِيث. وَاخْتلفُوا فِي غَيرهَا من الشُّرُوط على مَذَاهِب مُخْتَلفَة: فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَن البيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل على نَص حَدِيث بَرِيرَة، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالْحكم وَابْن جرير وَأَبُو ثَوْر. وَذَهَبت طَائِفَة أُخْرَى إِلَى جوازهما، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي بَيْعه جمله واستثنائه حمله إِلَى الْمَدِينَة، وَرُوِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>