كسَاء صوف رَقِيق خَفِيف مربع، كن النِّسَاء فِي ذَلِك الزَّمَان يتزرن بِهِ ويلتفعن. قَوْله: (مَا يعرفهن أحد) وَفِي (سنَن ابْن مَاجَه) : يَعْنِي من الْغَلَس، وَعند مُسلم: (مَا يعرفن من الْغَلَس. ثمَّ عدم معرفتهن يحْتَمل أَن يكون لبَقَاء ظلمَة من اللَّيْل، أَو لتغطيهن بالمروط غَايَة التغطي، وَقيل: معنى مَا يعرفهن أحد، يَعْنِي مَا يعرف أعيانهن، وَهَذَا بعيد، وَالْأَوْجه فِيهِ أَن يُقَال: مَا يعرفهن أحد، أَي: أنساء هن أم رجال؟ وَإِنَّمَا يظْهر للرائي الأشباح خَاصَّة.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْأَحْكَام مِنْهَا: هُوَ الَّذِي ترْجم لَهُ، وَهُوَ أَن الْمَرْأَة إِذا صلت فِي ثوب وَاحِد بالالتفاع جَازَت صلَاتهَا، لِأَنَّهُ اسْتدلَّ بِهِ على ذَلِك. فَإِن قلت: لم لَا يجوز أَن يكون التفاعهن فِي مُرُوطهنَّ فَوق ثِيَاب أُخْرَى، فَلَا يتم لَهُ الِاسْتِدْلَال بِهِ. قلت: الحَدِيث سَاكِت عَن هَذَا بِحَسب الظَّاهِر، وَلَكِن الأَصْل عدم الزِّيَادَة، واختياره يُؤْخَذ فِي عَادَته من الْآثَار الَّتِي يترجم بهَا، وَهَذَا الْبَاب مُخْتَلف فِيهِ. قَالَ ابْن بطال: اخْتلفُوا فِي عدد مَا تصلي فِيهِ الْمَرْأَة من الثِّيَاب، فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تصلي فِي درع وخمار، وَقَالَ عَطاء: فِي ثَلَاثَة درع وَإِزَار وخمار. وَقَالَ ابْن سِيرِين. فِي أَرْبَعَة، الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة، وَمِلْحَفَة. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: عَلَيْهَا أَن تستر جَمِيع بدنهَا إلَاّ وَجههَا وكفيها، سَوَاء سترته بِثَوْب وَاحِد أَو أَكثر، وَلَا أَحسب مَا رُوِيَ من الْمُتَقَدِّمين من الْأَمر: بِثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة، إلَاّ من طَرِيق الِاسْتِحْبَاب. وَزعم أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن أَن كل شَيْء من الْمَرْأَة عَورَة حَتَّى ظفرها، وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: قدم الْمَرْأَة عَورَة، فَإِن صلت وقدمها مكشوفة أعادت فِي الْوَقْت عِنْد مَالك، وَكَذَلِكَ إِذا صلت وشعرها مَكْشُوف. وَعند الشَّافِعِي تعيد أبدا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري: قدم الْمَرْأَة لَيست بِعَوْرَة فَإِن صلت وقدمها مكشوفة صحت صلَاتهَا. وَلَكِن فِيهِ رِوَايَتَانِ عَن أبي حنيفَة.
وَمِنْهَا: أَنه احْتج بِهِ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق أَن الْأَفْضَل فِي صَلَاة الصُّبْح التغليس، وَلنَا أَحَادِيث كَثِيرَة فِي هَذَا الْبَاب رويت عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: رَافع بن خديج، روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث مَحْمُود بن لبيد عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول ا: (أَصْبحُوا بالصبح فَإِنَّهُ أعظم لأجركم أَو أعظم لِلْأجرِ) وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا. وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن ماجة أَيْضا. قَوْله: (أَصْبحُوا بالصبح) أَي: نوروا بِهِ، ويروى: (أَصْبحُوا بِالْفَجْرِ) ، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَلَفظه: (أسفروا بِصَلَاة الصُّبْح فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ) . وَفِي لفظ لَهُ: (فَكلما أَصْبَحْتُم بالصبح فَإِنَّهُ أعظم لأجركم) . وَفِي لفظ للطبراني: (فَكلما أسفرتم بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ) . وَمِنْهُم: مَحْمُود بن لبيد، روى حَدِيثه أَحْمد فِي مُسْنده. نَحْو رِوَايَة أبي دَاوُد، وَلم يذكر فِيهِ رَافع بن خديج، ومحمود بن لبيد صَحَابِيّ مَشْهُور. كَذَا قيل: قلت: قَالَ الْمزي: مَحْمُود بن لبيد بن عصمَة بن رَافع بن امرىء الْقَيْس الأوسي، ثمَّ الأشْهَلِي. ولد على عهد رَسُول ا، وَفِي صحبته خلاف. انْتهى. قلت: ذكره مُسلم فِي التَّابِعين فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة، وَذكر ابْن أبي حَاتِم أَن البُخَارِيّ قَالَ: لَهُ صُحْبَة. قَالَ: وَقَالَ أبي: لَا يعرف لَهُ صُحْبَة. وَقَالَ أَبُو عمر: قَول البُخَارِيّ أولى، فعلى هَذَا يحْتَمل أَنه سمع هَذَا الحَدِيث من رَافع أَولا، فَرَوَاهُ عَنهُ ثمَّ سَمعه من النَّبِي فَرَوَاهُ عَنهُ، إلَاّ أَن فِي طَرِيق أَحْمد عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، وَفِيه ضعف. وَمِنْهُم: بِلَال، روى حَدِيثه الْبَزَّار فِي مُسْنده نَحْو حَدِيث رَافع، وَفِيه: أَيُّوب بن يسَار، وَقَالَ الْبَزَّار: فِيهِ ضعف. وَمِنْهُم: أنس، روى حَدِيثه الْبَزَّار أَيْضا عَنهُ مَرْفُوعا. وَلَفظه: (أسفروا بِصَلَاة الصُّبْح فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ) . وَمِنْهُم: قَتَادَة ابْن النُّعْمَان، روى حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه من حَدِيث عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة بن النُّعْمَان عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا نَحوه، وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا. وَمِنْهُم: ابْن مَسْعُود، روى حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا عَنهُ مَرْفُوعا نَحوه. وَمِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَة، روى حَدِيثه ابْن حبَان عَنهُ مَرْفُوعا. وَمِنْهُم: رجال من الْأَنْصَار، أخرج حَدِيثهمْ النَّسَائِيّ من حَدِيث مَحْمُود بن لبيد عَن رجال من قومه من الْأَنْصَار، أَن النَّبِي قَالَ: (أسفروا بالصبح فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ) . وَمِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس رَضِي اعنهما، أخرج حَدِيثهمَا الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث حَفْص بن سُلَيْمَان عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة: (لَا تزَال أمتِي على الْفطْرَة مَا أسفروا بِالْفَجْرِ) . وَمِنْهُم: أَبُو الدَّرْدَاء أخرجه أَبُو إِسْحَاق وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبيد من حَدِيث أبي الزَّاهِرِيَّة عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ: (أسفروا بِالْفَجْرِ تفقهوا) . وَمِنْهُم: حَوَّاء الْأَنْصَارِيَّة، أخرج حَدِيثهَا الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن بجيد الْحَارِثِيّ عَن جدته الْأَنْصَارِيَّة، وَكَانَت من المبايعات، قَالَت: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: (أسفروا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ) ، وَابْن بجيد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْجِيم بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة: ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات، وجدته
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute