للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَي: آلى من نِسَائِهِ، أَي بِسَبَب نِسَائِهِ وَمن أَجلهنَّ.

قَوْله: (فِي مشربَة) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَضمّهَا: وَهِي الغرفة. وَقيل: هِيَ أَعلَى الْبَيْت، شبه الغرفة. وَقيل: الخزانة، وَهِي بِمَنْزِلَة السَّطْح لما تحتهَا. قَوْله: (من جُذُوع النّخل) جمع جذع، بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الذَّال وَجمعه جُذُوع وأجذاع، قَالَه ابْن دُرَيْد. وَقَالَ الْأَزْهَرِي فِي (التَّهْذِيب) : وَلَا يتَبَيَّن للنخلة جذع حَتَّى يتَبَيَّن سَاقهَا. وَفِي (الْمُحكم) : الْجذع سَاق النَّخْلَة. قَوْله: (جَالِسا) حَال. وَقَوله: (وهم قيام) جملَة إسمية حَالية، وَالْقِيَام جمع قَائِم أَو مصدر بِمَعْنى إسم الْفَاعِل. قَوْله: (إِنَّمَا جعل الإِمَام) كلمة: إِنَّمَا، للحصر لأجل الاهتمام وَالْمُبَالغَة، وَالْمَفْعُول الثَّانِي لقَوْله: جعل، مَحْذُوف تَقْدِيره: إِنَّمَا جعل الإِمَام إِمَامًا، وَالْمَفْعُول الأول قَائِم مقَام الْفَاعِل. قَوْله: (ليؤتم بِهِ) أَي ليقتدى بِهِ وَيتبع أَفعاله.

قَوْله: (إِن صلى قَائِما فصلوا قيَاما) مَفْهُومه: إِن صلى قَاعِدا يُصَلِّي الْمَأْمُوم أَيْضا قَاعِدا، وَهُوَ غير جَائِز، وَلَا يعْمل بِهِ لِأَنَّهُ مَنْسُوخ لما ثَبت أَنه فِي آخر عمر صلى قَاعِدا وَصلى الْقَوْم قَائِمين. فَإِن قلت: جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات: (فَإِن صلى قَاعِدا فصلوا قعُودا) . قلت: مَعْنَاهُ: فصلوا قعُودا إِذا كُنْتُم عاجزين عَن الْقيام مثل الإِمَام، فَهُوَ من بَاب التَّخْصِيص، وَهُوَ مَنْسُوخ كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (إِن الشَّهْر) : اللَّام، فِيهِ للْعهد عَن ذَلِك الشَّهْر الْمعِين، إِذْ كل الشُّهُور لَا يلْزم أَن تكون تسعا وَعشْرين.

ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهُ: مِنْهَا: جَوَاز الصَّلَاة على السَّطْح وعَلى الْخشب لِأَن الْمشْربَة بِمَنْزِلَة السَّطْح لما تحتهَا، وَالصَّلَاة فِيهَا كَالصَّلَاةِ على السَّطْح، وَبِذَلِك قَالَ جُمْهُور الْعلمَاء. وَكره الْحسن وَابْن سِيرِين الصَّلَاة على الألواح والأخشاب، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر رَضِي اتعالى عَنْهُم، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح، وَذكره أَيْضا عَن مَسْرُوق أَنه: كَانَ يحمل لبنة فِي السَّفِينَة ليسجد عَلَيْهَا، وَحَكَاهُ أَيْضا عَن ابْن سِيرِين بِسَنَد صَحِيح.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْيَمين، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، آلى أَن لَا يدْخل على نِسَائِهِ شهرا.

وَمِنْهَا: أَن الشَّهْر لَا يَأْتِي كَامِلا دَائِما، وَإِن من حلف على فعل شَيْء أَو تَركه فِي شهر كَذَا، وَجَاء الشَّهْر تسعا وَعشْرين يَوْمًا، يخرج عَن يَمِينه، فَلَو نذر صَوْم شهر بِعَيْنِه فجَاء الشَّهْر تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا لم يلْزمه أَكثر من ذَلِك، وَإِذا قَالَ: عَليّ صَوْم شهر من غير تعْيين، كَانَ عَلَيْهِ إِكْمَال عدد ثَلَاثِينَ يَوْمًا.

وَمِنْهَا: مَا احْتج أَحْمد وَإِسْحَاق وَابْن حزم وَالْأَوْزَاعِيّ وَنَفر من أهل الحَدِيث: أَن الإِمَام إِذا صلى قَاعِدا يُصَلِّي من خَلفه قعُودا. وَقَالَ مَالك: لَا تجوز صَلَاة الْقَادِر على الْقيام خلف الْقَاعِد لَا قَائِما وَلَا قَاعِدا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو ثَوْر وَجُمْهُور السّلف: لَا يجوز للقادر على الْقيام أَن يُصَلِّي خلف الْقَاعِد إلَاّ قَائِما. وَقَالَ المرغيناني: الْفَرْض وَالنَّفْل سَوَاء. وَالْجَوَاب عَن الحَدِيث من وُجُوه.

الأول: إِنَّه مَنْسُوخ، وناسخه صَلَاة النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِالنَّاسِ فِي مرض مَوته قَاعِدا وهم قيام، وَأَبُو بكر رَضِي اتعالى عَنهُ، قَائِم يعلمهُمْ بِأَفْعَال صلَاته بِنَاء على أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَانَ الإِمَام وَأَن أَبَا بكر كَانَ مَأْمُوما فِي تِلْكَ الصَّلَاة. فَإِن قلت: كَيفَ وَجه ذَا النّسخ وَقد وَقع فِي ذَلِك خلاف، وَذَلِكَ أَن هَذَا الحَدِيث النَّاسِخ وَهُوَ حَدِيث عَائِشَة فِيهِ أَنه كَانَ إِمَامًا وَأَبُو بكر مَأْمُوما؟ وَقد ورد فِيهِ الْعَكْس كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن نعيم بن أبي هِنْد عَن أبي وَائِل عَن مَسْرُوق (عَن عَائِشَة قَالَت؛ صلى رَسُول الله فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ خلف أبي بكر قَاعِدا) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن حميد عَن أنس قَالَ: (آخر صَلَاة صلاهَا رَسُول الله مَعَ الْقَوْم، صلى فِي ثوب وَاحِد متوشحاً خلف أبي بكر رَضِي اتعالى عَنهُ) . قلت: مثل هَذَا مَا يُعَارض مَا وَقع فِي الصَّحِيح، مَعَ أَن الْعلمَاء جمعُوا بَينهمَا، فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) : وَلَا تعَارض بَين الْحَدِيثين، فَإِن الصَّلَاة الَّتِي كَانَ فِيهَا النَّبِي، إِمَامًا هِيَ صَلَاة الظّهْر يَوْم السبت أَو الْأَحَد وَالَّتِي كَانَ فِيهَا مَأْمُوما هِيَ صَلَاة الصُّبْح من يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَهِي آخر صَلَاة صلاهَا رَسُول ا، حَتَّى خرج من الدُّنْيَا. قَالَ: هَذَا لَا يُخَالف مَا ثَبت عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس فِي صلَاتهم يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وكشفه السّتْر ثمَّ إرخائه، فَإِن ذَلِك إِنَّمَا كَانَ فِي الرَّكْعَة الأولى، ثمَّ إِنَّه وجد فِي نَفسه خفَّة فَخرج فَأدْرك مَعَه الرَّكْعَة الثَّانِيَة. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: نسخ إِمَامَة الْقَاعِد بقوله: (لَا يؤمَّنَّ أحد بعدِي جَالِسا) . وبفعل الْخُلَفَاء بعده، وَإنَّهُ لم يؤم أحد مِنْهُم قَاعِدا. وَإِن كَانَ النّسخ لَا يُمكن بعد النَّبِي فمثابرتهم على ذَلِك تشهد بِصِحَّة نَهْيه عَن إِمَامَة الْقَاعِد بعده. قلت:

<<  <  ج: ص:  >  >>