للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (لطعام) أَي: لأجل طَعَام، وَقَالَ بَعضهم: وَهُوَ مشْعر بِأَن مَجِيئه كَانَ لذَلِك لَا ليُصَلِّي بهم ليتخذوا مَكَان صلَاته مصلى لَهُم، كَمَا فِي قصَّة عتْبَان بن مَالك الْآتِيَة، وَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي كَونه بَدَأَ فِي قصَّة عتْبَان بِالصَّلَاةِ قبل الطَّعَام، وَهَهُنَا بِالطَّعَامِ قبل الصَّلَاة، فَبَدَأَ فِي كل مِنْهُمَا بِأَصْل مَا دعِي لَهُ. قلت: لَا مَانع فِي الْجمع بَين الدُّعَاء للطعام وَبَين الدُّعَاء للصَّلَاة، وَلِهَذَا صلى رَسُول الله فِي هَذَا الحَدِيث، وَالظَّاهِر أَن قصد مليكَة من دعوتها كَانَ للصَّلَاة، وَلكنهَا جعلت الطَّعَام مُقَدّمَة لَهَا. وَقَوله: وَهَذَا هُوَ السِّرّ إِلَى آخِره، فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن الطَّعَام كَانَ قد حضر وتهيأ فِي دَعْوَة مليكَة، وَالطَّعَام إِذا حضر لَا يُؤَخر فَيقدم على الصَّلَاة، وَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ فِي قصَّة عتْبَان لعدم حُضُور الطَّعَام.

قَوْله: (فنضحته) من النَّضْح وَهُوَ الرش، وَذَلِكَ إِمَّا لأجل تلبين الْحَصِير، أَو لإِزَالَة الأوساخ مِنْهُ لِأَنَّهُ أسود من كَثْرَة الِاسْتِعْمَال. وَقَوله: (من طول مَا لبس) كِنَايَة عَنْهَا وأصل هَذِه الْمَادَّة تدل على مُخَالطَة ومداخلة، وَلَيْسَ هَهُنَا: لبس، من: لبست الثَّوْب، وَإِنَّمَا هُوَ من قَوْلهم: لبست امْرَأَة، أَي: تمتعت بهَا زَمَانا، فحينئذٍ يكون مَعْنَاهُ: قد اسود من كَثْرَة مَا تمتّع بِهِ طول الزَّمَان، وَمن هَذَا يظْهر لَك بطلَان قَول بَعضهم، وَقد اسْتدلَّ بِهِ على منع افتراش الْحَرِير لعُمُوم النَّهْي عَن لبس الْحَرِير، وَقصد هَذَا الْقَائِل الغمز فِيمَا قَالَ أَبُو حنيفَة من جَوَاز افتراش الْحَرِير وتوسده، وَلَكِن الَّذِي يدْرك دقائق الْمعَانِي ومدارك الْأَلْفَاظ الْعَرَبيَّة يعرف ذَلِك، ويقر بِأَن أَبَا حنيفَة لَا يذهب إِلَى شَيْء سدىً. قَوْله: (واليتيم) ، هُوَ ضميرَة بن أبي ضميرَة، وَأَبُو ضمير مولى رَسُول ا، كَذَا قَالَه الذَّهَبِيّ فِي (تَجْرِيد الصَّحَابَة) ، ثمَّ قَالَ: لَهُ ولأبيه صُحْبَة. وَقَالَ فِي (الكنى) أَبُو ضميرَة مولى رَسُول ا، كَانَ من حمير، اسْمه سعد، وَكَذَا قَالَ البُخَارِيّ: إِن اسْمه سعد الْحِمْيَرِي من آل ذِي يزن، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: سعيد الْحِمْيَرِي هُوَ جد حُسَيْن بن عبد ابْن ضميرَة بن أبي ضميرَة. انْتهى. وَيُقَال: اسْم أبي ضميرَة: روح بن سندر، وَقيل: روح بن شيرزاد؛ وضميرة، بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الرَّاء فِي آخِره هَاء. قَوْله: (والعجوز) هِيَ: مليكَة الْمَذْكُورَة أَولا. قَوْله: (ثمَّ انْصَرف) أَي: من الصَّلَاة، وَذهب إِلَى بَيته.

ذكر إعرابه: قَوْله: (صَنعته) جملَة فعلية فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهَا صفة لطعام. قَوْله: (فلأصلي لكم) فِيهِ سِتَّة أوجه من الْإِعْرَاب. الأول: فلأصلي، بِكَسْر اللَّام وَضم الْهمزَة وَفتح الْيَاء، وَوَجهه أَن اللَّام فِيهِ. لَام كي، وَالْفِعْل بعْدهَا مَنْصُوب: بِأَن، الْمقدرَة تَقْدِيره: فَلِأَن أُصَلِّي. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: روينَاهُ كَذَا، و: الْفَاء، زَائِدَة، أَو: الْفَاء، جَوَاب الْأَمر، ومدخول: الْفَاء، مَحْذُوف تَقْدِيره: قومُوا فقيامكم لأصلي لكم. وَيجوز أَن تكون: الْفَاء، زَائِدَة على رَأْي الْأَخْفَش، وَاللَّام مُتَعَلق: بقوموا. الْوَجْه الثَّانِي: فلأصلي، مثلهَا إِلَّا أَنَّهَا سَاكِنة الْيَاء، وَوَجهه أَن تسكين الْيَاء الْمَفْتُوحَة للتَّخْفِيف فِي مثل هَذَا لُغَة مَشْهُورَة. الثَّالِث: فلأصلِّ: بِحَذْف الْيَاء، لكَون اللَّام لَام الْأَمر، وَهِي رِوَايَة الْأصيلِيّ. الرَّابِع: فأصلي، على صِيغَة الْإِخْبَار عَن نَفسه، وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: فَأَنا أُصَلِّي، وَالْجُمْلَة جَوَاب الْأَمر. الْخَامِس: فلنصل؛ بِكَسْر اللَّام فِي الأَصْل وبنون الْجمع، وَوَجهه أَن: اللَّام، لَام الْأَمر، وَالْفِعْل مجزوم بهَا وعلامة الْجَزْم سُقُوط الْيَاء. السَّادِس: فلأصلي، بِفَتْح اللَّام، وَرُوِيَ هَكَذَا فِي بعض الرِّوَايَات، وَوَجهه: أَن تكون: اللَّام، لَام الِابْتِدَاء للتَّأْكِيد، أَو تكون جَوَاب قسم مَحْذُوف، و: الْفَاء، جَوَاب شَرط مَحْذُوف تَقْدِيره: إِن قُمْتُم فوا لأصلي لكم.

قَوْله: (فصففت أَنا واليتيم) كَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي: (فصففت واليتيم) ، بِغَيْر لفظ، أَنا، وَفِي مثل هَذَا خلاف بَين الْبَصرِيين والكوفيين، فَعِنْدَ الْبَصرِيين لَا يعْطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع، إلَاّ بعد أَن يُؤَكد بضمير مُنْفَصِل ليحسن الْعَطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل، بارزاً كَانَ أَو مستتراً. كَقَوْلِه تَعَالَى: {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} (الْبَقَرَة: ٥٣، والأعراف: ٩١) وَعند الْكُوفِيّين: يجوز ذَلِك بِدُونِ التَّأْكِيد، وَالْأول هُوَ الْأَفْصَح. قَوْله: (واليتيم) يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فَلِأَنَّهُ مَعْطُوف على الضَّمِير الْمَرْفُوع. وَقَالَ الْكرْمَانِي: بِالنّصب، وَلَو صَحَّ رِوَايَة الرّفْع فَهُوَ مُبْتَدأ و: وَرَاء، خَبره، وَالْجُمْلَة حَال. قلت: وَجه النصب هُوَ أَن تكون: الْوَاو، فِيهِ: وَاو المصاحبة، وَالتَّقْدِير: فصففت أَنا مَعَ الْيَتِيم. قَوْله: (والعجوز من وَرَائِنَا) جملَة إسمية وَقعت حَالا. وَفِي حَالَة الرّفْع تكون مَعْطُوفًا. فَافْهَم. قَوْله: (فصلى) أَي، النَّبِي: (لنا) ، أَي: لأجلنا.

ذكر استنباط الْأَحْكَام: فِيهِ: إِجَابَة الدعْوَة وَإِن لم تكن وَلِيمَة عرس وَالْأكل من طعامها. وَفِيه: جَوَاز النَّافِلَة جمَاعَة. فَإِن قلت: قد جَاءَ فِي رِوَايَة أبي الشَّيْخ الْحَافِظ: (فَحَضَرت الصَّلَاة) . قلت: لَا يلْزم من حُضُور وَقت الصَّلَاة أَن صلَاته

<<  <  ج: ص:  >  >>