للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صَلَاتنَا) مَعَ كَونه دَاخِلا فِيهَا، لِأَنَّهُ من شرائطها، وَذَلِكَ للتّنْبِيه على تَعْظِيم شَأْن الْقبْلَة وَعظم فضل استقبالها، وَهُوَ غير مقتصر على حَالَة الصَّلَاة، بل أَعم من ذَلِك على مَا لَا يخفى.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عَمْرو، بِالْوَاو: ابْن عَبَّاس، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: أَبُو عُثْمَان الْأَهْوَازِي الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بن حسان أَبُو سعيد الْبَصْرِيّ اللؤْلُؤِي. الثَّالِث: مَنْصُور بن سعد، وَهُوَ صَاحب اللؤْلُؤِي الْبَصْرِيّ. الرَّابِع: مَيْمُون بن سياه، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف هَاء، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَمَعْنَاهُ: الْأسود، وَيجوز فِيهِ الصّرْف وَمنعه، أما مَنعه فللعلمية والعجمة، وَأما صرفه فلعدم شَرط الْمَنْع، وَهُوَ أَن يكون علما فِي الْعَجم. وَلَفظ: سياه، لَيْسَ بِعلم فِي الْعَجم، فَلذَلِك يكون صرفه أولى. وَقَالَ بَعضهم: وَهُوَ فَارسي، وَقيل: عَرَبِيّ. قلت: قَوْله: وَقيل عَرَبِيّ، غير صَحِيح لعدم تصرف وُجُوه الِاشْتِقَاق فِيهِ. الْخَامِس: أنس بن مَالك.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون.

ذكر من أخرجه غَيره أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْإِيمَان عَن حَفْص بن عمر عَن عبد الرَّحْمَن بِهِ.

ذكر لغاته وَمَعْنَاهُ وَإِعْرَابه. قَوْله: (من صلى صَلَاتنَا) أَي: صلى كَمَا نصلي، وَلَا يُوجد إلَاّ من معترف بِالتَّوْحِيدِ والنبوة، وَمن اعْترف بنبوة مُحَمَّد فقد اعْترف بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ عَن اتعالى، فَلهَذَا جعل الصَّلَاة علما لإسلامه، وَلم يذكر الشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا داخلتان فِي الصَّلَاة، وَإِنَّمَا ذكر اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَالصَّلَاة متضمنة لَهُ مَشْرُوطَة بِهِ، لِأَن الْقبْلَة أعرف من الصَّلَاة، فَإِن كل أحد يعرف قبلته وَإِن كَانَ لَا يعرف صلَاته، وَلِأَن من أَعمال صَلَاتنَا مَا هُوَ يُوجد فِي صَلَاة غَيرنَا: كالقيام وَالْقِرَاءَة، واستقبال قبلتنا مَخْصُوص بِنَا، ثمَّ لما ذكر من الْعِبَادَات مَا يُمَيّز الْمُسلم من غَيره أعقبه بِذكر مَا يميزه عَادَة وَعبادَة: فَقَالَ: (وَأكل ذبيحتنا) ، فَإِن التَّوَقُّف عَن أكل الذَّبَائِح كَمَا هُوَ من الْعَادَات، فَكَذَلِك هُوَ من الْعِبَادَات الثَّابِتَة فِي كل مِلَّة. قَالَ الطَّيِّبِيّ: وَأَقُول، وَا أعلم، إِذا أجري الْكَلَام على الْيَهُود سهل تعَاطِي عطف الِاسْتِقْبَال على الصَّلَاة بعد الدُّخُول فِيهَا، ويعضده اخْتِصَاص ذكر الذَّبِيحَة، لِأَن الْيَهُود خُصُوصا يمتنعون من أكل ذبيحتنا، وهم الَّذين حِين تحولت الْقبْلَة شنعوا بقَوْلهمْ: {مَا ولاهم عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} (الْبَقَرَة: ٢٤١) أَي: صلوا صَلَاتنَا وَتركُوا الْمُنَازعَة فِي أَمر الْقبْلَة والامتناع عَن أكل الذَّبِيحَة، لِأَنَّهُ من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام، فَلَمَّا ذكر الصَّلَاة عطف مَا كَانَ الْكَلَام فِيهِ وَمَا هُوَ مهتم بِشَأْنِهِ عَلَيْهَا، كَمَا أَنه يجب عَلَيْهِم أَيْضا عِنْد الدُّخُول فِي الْإِسْلَام أَن يقرُّوا بِبُطْلَان مَا يخالفون بِهِ الْمُسلمين فِي الِاعْتِقَاد بعد إقرارهم بِالشَّهَادَتَيْنِ.

قَوْله: (صَلَاتنَا) ، مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض، وَهُوَ فِي نفس الْأَمر صفة لمصدر مَحْذُوف أَي: من صلى صَلَاة كصلاتنا، كَمَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (فَذَلِك الْمُسلم) ، جَوَاب الشَّرْط، وَذَلِكَ، مُبْتَدأ وَخَبره: الْمُسلم، وَقَوله: (الَّذِي) صفته، وَقَوله: (ذمَّة ا) ، كَلَام إضافي مُبْتَدأ وَخَبره. هُوَ قَوْله: لَهُ، وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول. قَوْله: (ذمَّة ا) ، الذِّمَّة: الْأمان والعهد، وَمَعْنَاهُ فِي أَمَان اوضمانه، وَيجوز أَن يُرَاد بهَا الذمام وَهُوَ الْحُرْمَة. وَيُقَال: الذِّمَّة الْحُرْمَة أَيْضا. قَالَ الْقَزاز: الذمام كل حُرْمَة تلزمك مِنْهَا مذمة، تَقول: ألزمني لفُلَان ذمام وَذمَّة ومذمة، هَذَا بِكَسْر الذَّال، وَكَذَا لزمتني لَهُ ذمَامَة، مَفْتُوح الأول. وَفِي (الْمُحكم) : الذمام والمذمة: الْحق، وَالْجمع: أذمة، والذمة: الْعَهْد وَالْكَفَالَة، وَالْجمع: ذمم، وَفِي (الغريبين) : قَالَ ابْن عَرَفَة: الذِّمَّة الضَّمَان وَبِه سمي أهل الذِّمَّة لدخولهم فِي ضَمَان الْمُسلمين. قَالَ الْأَزْهَرِي فِي قَوْله تَعَالَى: {إلاًّ وَلَا ذمَّة} أَي: وَلَا أَمَانًا. قَوْله: (فَلَا تخفروا ا) ، قَالَ ثَعْلَب فِي (فصيحه) : خفرت الرجل إِذا أجرته وأخفرته إِذا نقضت عَهده. وَقَالَ كرَاع فِي (الْمُجَرّد) وَابْن القطاع فِي كتاب (الْأَفْعَال) أخفرته بعثت مَعَه خفيراً، وَقَالَ الْقَزاز، خفر فلَان بفلان وأخفره إِذا غدر بِهِ، وَقَالَ ابْن سَيّده: خفره خفراً وخفراً وأخفره: نقض عَهده وغدره، وأخفر الذِّمَّة: لم يَفِ بهَا. قلت: لَا تخفروا، بِضَم التَّاء من الإخفار، والهمزة فِيهِ للسلب، أَي: لسلب الْفَاعِل عَن الْمَفْعُول أصل الْفِعْل نَحْو أشكيته، أَي: أزلت شكايته، وَكَذَلِكَ: أخفرته، أَي: أزلت خفارته. وَقَالَ الْخطابِيّ: فَلَا تخفروا ا، مَعْنَاهُ: وَلَا تخونوا افي تَضْييع حق من هَذَا سَبيله، وَإِنَّمَا اكْتفى فِي النَّهْي بِذِمَّة اوحده، وَلم يذكر الرَّسُول كَمَا ذكر أَولا، لِأَنَّهُ ذكر الأَصْل لحُصُول الْمَقْصُود بِهِ ولاستلزامه عدم إخفاره ذمَّة الرَّسُول، وَأما ذكره أَولا فللتأكيد وَتَحْقِيق عصمته مُطلقًا، وَالضَّمِير فِي ذمَّته يرجع إِلَى الْمُسلم أَو إِلَى اتعالى، فَافْهَم.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: فِيهِ: أَن أُمُور النَّاس مَحْمُولَة على الظَّاهِر دون بَاطِنهَا، فَمن أظهر شَعَائِر الدّين أجريت عَلَيْهِ أَحْكَام أَهله مَا لم يظْهر مِنْهُ خلاف ذَلِك، فَإِذا دخل رجل غَرِيب فِي بلد من بِلَاد الْمُسلمين بدين أَو مَذْهَب فِي الْبَاطِن

<<  <  ج: ص:  >  >>