والذبيحة على وزن: فعيلة بِمَعْنى: الْمَذْبُوح. فَإِن قلت: فعيل: إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَفْعُول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث فَلَا تدخله التَّاء. قلت: لما زَالَ عَنهُ معنى الوصفية وغلبت الإسمية عَلَيْهِ واستوى فِيهِ الْمُذكر والمؤنث فدخله التَّاء، وَقد يُقَال: إِن الاسْتوَاء فِيهِ عِنْد ذكر الْمَوْصُوف مَعَه، وَأما إِذا انْفَرد عَنهُ فَلَا. قَوْله: (إِلَّا بِحَقِّهَا) . أَي: إلَاّ بِحَق الدِّمَاء وَالْأَمْوَال، وَفِي حَدِيث ابْن عمر: (فَإِذا فعلوا ذَلِك عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إلَاّ بِحَق الْإِسْلَام) . قَوْله: (وحسابهم على ا) ، على سَبِيل التَّشْبِيه أَي: هُوَ كالواجب على افي تحقق الْوُقُوع، وإلَاّ فَلَا يجب على اشيء، وَكَانَ الأَصْل فِيهِ أَن يُقَال: وحسابهم أَو إِلَى ا، وَقد مر تَحْقِيق الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب مُسْتَوفى فِي بَاب {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} (التَّوْبَة: ٥، ١١) .
وقالَ عَلِيُّ بنُ عبْدِ اللَّهِ حدّثنا خالِدُ بنُ الْحَارِثِ قَالَ حدّثنا حُمَيْدٌ قَالَ سَأَلَ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ أنَسَ بْنَ مالِكٍ قَالَ يَا أَبَا حَمْزَةَ وَمَا يُحَرِّمُ دَمَ الْعَبْدِ ومالَهُ فَقَالَ مَنْ شَهِدَ أنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ واسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَصَلَّى صَلَاتَنا وأكَلَ ذَبِيحَتَنا فَهْوَ الْمُسْلِمُ لهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وعلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ.
هَذَا مُعَلّق وَمَوْقُوف أما التَّعْلِيق فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ عَليّ بن عبد اهو ابْن الْمَدِينِيّ. وفاعل قَالَ الأول: هُوَ: البُخَارِيّ، وفاعل قَالَ الثَّانِي: ظَاهر وَهُوَ شَيْخه عَليّ بن الْمَدِينِيّ. وَأما الْوَقْف فَإِن أنسا لم يرفعهُ. قَوْله: (يَا با حَمْزَة) أَصله: يَا أَبَا حَمْزَة، فحذفت الْهمزَة للتَّخْفِيف، وَأَبُو حَمْزَة كنية أنس. قَوْله: (وَمَا يحرم؟) ، بِالتَّشْدِيدِ من التَّحْرِيم، وَكلمَة: مَا، استفهامية. فَإِن قلت: و: مَا يحرم، عطف على: مَاذَا؟ قلت: على شَيْء مَحْذُوف كَأَنَّهُ سَأَلَ عَن شَيْء قبل هَذَا، ثمَّ قَالَ: وَمَا يحرم، وَلم تقع: الْوَاو، فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة. وَقَالَ بَعضهم: الْوَاو استئنافية. قلت: الِاسْتِئْنَاف كَلَام مُبْتَدأ فعلى هَذَا لَا يبْقى مقول لقَالَ، فَيحْتَاج إِلَى تَقْدِير. فَإِن قلت: الْجَواب: يَنْبَغِي أَن يكون مطابقاً للسؤال، وَالسُّؤَال هُنَا عَن سَبَب التَّحْرِيم، فَالْجَوَاب كَيفَ يطابقه؟ قلت: الْمُطَابقَة ظَاهِرَة لِأَن قَوْله: من شهد، الخ هُوَ الْجَواب وَزِيَادَة، لِأَنَّهُ لما ذكر الشَّهَادَة وَمَا عطف عَلَيْهَا علم أَن الَّذِي يفعل هَذَا هُوَ الْمُسلم، وَالْمُسلم يحرم دَمه وَمَاله إِلَّا بِحقِّهِ. قَوْله: (لَهُ) أَي: من النَّفْع، و: (عَلَيْهِ) أَي: من الْمضرَّة، والتقديم يُفِيد الْحصْر أَي: لَهُ ذَلِك لَا لغيره.
(٣٩٣) قَالَ ابنُ أبي مَرْيَمَ أخْبَرَنَا يَحْيَى قالَ حدّثنا حُمَيْدٌ قالَ حدّثنا أنَسٌ عنِ النبيِّ.
هَذَا أَيْضا مُعَلّق رَوَاهُ ابْن أبي مَرْيَم، وَهُوَ سعيد بن الحكم الْمصْرِيّ عَن يحيى بن أَيُّوب الغافقي الْمصْرِيّ عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك، وَقد وَصله أَبُو نعيم: حدّثنا أَبُو أَحْمد الْجِرْجَانِيّ حدّثنا، إِبْرَاهِيم بن مُوسَى حدّثنا إِبْرَاهِيم بن هانىء حدّثنا عَمْرو بن الرّبيع (ح) وحدّثنا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد حدّثنا أَبُو عرُوبَة حدّثنا عمر بن الْخطاب حدّثنا ابْن أبي مَرْيَم، قَالَا: حدّثنا يحيى بن أَيُّوب أَخْبرنِي حميد سمع أنسا ... فَذكره، وَفِي هَذَا فَائِدَة وَهِي: تَصْرِيح حميد بِسَمَاعِهِ إِيَّاه من أنس، وَلَكِن طعن فِيهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَقَالَ: الحَدِيث حَدِيث مَيْمُون وَإِنَّمَا سَمعه حميد مِنْهُ، وَلَا يحْتَج بِيَحْيَى بن أَيُّوب فِي قَوْله: عَن حميد حدّثنا أنس قَالَ، وَيدل على ذَلِك مَا أخبرنَا يحيى بن مُحَمَّد بن البحتري حدّثنا عبيد ابْن معَاذ حدّثنا أبي عَن حميد عَن مَيْمُون، قَالَ: (سَأَلت أنسا مَا يحرم مَال الْمُسلم وَدَمه؟) الحَدِيث
قلت: رِوَايَة معَاذ لَا دَلِيل فِيهَا على أَن حميدا لم يسمعهُ من أنس، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون سَمعه من أنس ثمَّ استثبت فِيهِ عَن مَيْمُون، فَكَأَنَّهُ تَارَة يحدث بِهِ عَن أنس لأجل الْعُلُوّ، وَتارَة عَن مَيْمُون للاستثبات، وَقد جرت عَادَة حميد وَغَيره بِهَذِهِ الطَّرِيقَة. فَإِن قلت: جَاءَ عَن أبي هُرَيْرَة: (أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا ا، فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا) . وَجَاء عَن ابْن عمر: (أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا اويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة، فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ) ، وَجَاء عَن أنس الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب، فَمَا التَّوْفِيق بَين هَذِه الرِّوَايَات الثَّلَاث؟ قلت: إِنَّمَا اخْتلفت هَذِه الْأَلْفَاظ فزادت ونقصت لاخْتِلَاف الْأَحْوَال والأوقات الَّتِي وَقعت هَذِه الْأَقْوَال فِيهَا، وَكَانَت أُمُور الشَّرِيعَة تشرع شَيْئا فَشَيْئًا فَخرج كل قَول فِيهَا على شَرط الْمَفْرُوض فِي حِينه، فَصَارَ كل مِنْهَا فِي زَمَانه شرطا لحقن الدَّم وَحُرْمَة المَال، وَلَا مُنَافَاة بَين الرِّوَايَات وَلَا اخْتِلَاف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute