للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَاب الفرديس، واتصلت حيطانها بِالْعقبَةِ، وَهِي محلّة عَظِيمَة بِظَاهِر دمشق، وَذكر ابْن عَسَاكِر فِي كِتَابه: أَن تبعا هَذَا لما قدم مَكَّة وكسى الْكَعْبَة وَخرج إِلَى يثرب كَانَ فِي مائَة ألف وَثَلَاثِينَ ألفا من الفرسان، وَمِائَة ألف وَثَلَاثَة عشر ألفا من الرجالة. وَذكر أَيْضا: أَن تبعا لما خرج من يثرب مَاتَ فِي بِلَاد الْهِنْد، وَذكر السُّهيْلي: أَن دَار أبي أَيُّوب هَذِه صَارَت بعده إِلَى أَفْلح مولى أبي أَيُّوب فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ، بعد مَا خرب، الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام بِأَلف دِينَار بعد حِيلَة احتالها عَلَيْهِ الْمُغيرَة، فأصلحه الْمُغيرَة وَتصدق بِهِ على أهل بَيت فُقَرَاء بِالْمَدِينَةِ.

قَوْله: (وَيُصلي فِي مرابض الْغنم) ، المرابض جمع: مربض، وَهُوَ: مأوى الْغنم. قَوْله: (إِنَّه أَمر) بِكَسْر الْهمزَة فِي: إِن، لِأَنَّهُ كَلَام مُسْتَقْبل بِذَاتِهِ، أَي: إِن النَّبِي أَمر بِبِنَاء الْمَسْجِد، ويروى: أَمر، على بِنَاء الْمَفْعُول، فعلى هَذَا يكون الضَّمِير فِي: أَنه، للشأن، وَالْمَسْجِد: هُوَ بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يسْجد فِيهِ. وَفِي (الصِّحَاح) : الْمَسْجِد، بِفَتْح الْجِيم: مَوضِع السُّجُود، وبكسرها: الْبَيْت الَّذِي يصلى فِيهِ. وَمن الْعَرَب من يفتح فِي كلا الْوَجْهَيْنِ، وَعَن الْفراء: سمعنَا الْمَسْجِد وَالْمَسْجِد، وَالْفَتْح جَائِز وَإِن لم نَسْمَعهُ. وَفِي (الْمعَانِي) للزجاج: كل مَوضِع يتعبد فِيهِ مَسْجِد. قَوْله: (ثامنوني) بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي بيعونيه بِالثّمن، وَقَالَ بَعضهم: أَي اذْكروا لي ثمنة. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : أَي قدرُوا ثمنه لأشتريه مِنْكُم وبايعوني فِيهِ. قلت: كل ذَلِك لَيْسَ تَفْسِيرا لموضوع هَذِه الْمَادَّة، وَإِن كَانَ يدل على الْمَقْصُود، وَالتَّفْسِير هُوَ الَّذِي ذكرته فِي (شرح سنَن أبي دَاوُد) وَهُوَ: أَن هَذِه اللَّفْظَة من: ثامنت الرجل، فِي البيع أثامنه، إِذا قاولته فِي ثمنه، وساومته على بَيْعه وشرائه. قَوْله: (بحائطكم) ، الْحَائِط هَهُنَا الْبُسْتَان يدل عَلَيْهِ قَوْله: (وَفِيه نخل) ، وبالنخل فَقطع، وَفِي لفظ: كَانَ مربداً، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يَجْعَل فِيهِ التَّمْر لينشف. قَوْله: (لَا نطلب ثمنه إلَاّ إِلَى اعز وَجل) ، وَقَالَ الْكرْمَانِي مَا حَاصله: لَا نطلب ثمن المصروف فِي سَبِيل ا، وَأطلق الثّمن على سَبِيل المشاكلة. ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: ر

الطّلب يسْتَعْمل: بِمن، فَالْقِيَاس أَن يُقَال: إلَاّ من اقلت: مَعْنَاهُ: لَا نطلب الثّمن من أحد، لكنه مَصْرُوف إِلَى اتعالى، قلت: وَهَذَا كُله تعسف مَعَ تَطْوِيل، بل مَعْنَاهُ: لَا نطلب الثّمن إلَاّ من اتعالى، وَكَذَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَا نطلب ثمنه إلَاّ من ا. وَقد جَاءَ: إِلَى، فِي كَلَام الْعَرَب للابتداء، كَقَوْلِه:

فَلَا يرْوى إِلَى ابْن أَحْمد. أَي: منى، وَيجوز أَن تكون: إِلَى هَهُنَا، على مَعْنَاهَا لانْتِهَاء الْغَايَة، وَيكون التَّقْدِير: ننهي طلب الثّمن إِلَى ا، كَمَا فِي قَوْلهم: أَحْمد إِلَيْك ا، وَالْمعْنَى: أنهِي حَمده إِلَيْك، وَالْمعْنَى لَا نطلب مِنْك الثّمن بل نتبرع بِهِ، ونطلب الثّمن أَي: الْأجر من اتعالى، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي (الصَّحِيحَيْنِ) . وَذكر مُحَمَّد بن سعد فِي (الطَّبَقَات) : على الْوَاقِدِيّ أَن النَّبِي، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم، اشْتَرَاهُ مِنْهُم بِعشْرَة دَنَانِير، دَفعهَا أَبُو بكر الصّديق. وَيُقَال: كَانَ ذَلِك مربد اليتيمين، فدعاهما النّبي صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم، فساومهما ليتخذه مَسْجِدا، فَقَالَا: بل نهبه لَك يَا رَسُول ا، فَأبى رَسُول ا، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى ابتاعه مِنْهُمَا بِعشْرَة دَنَانِير، وَأمر أَبَا بكر أَن يعطيهما ذَلِك. وَفِي (الْمَغَازِي) لأبي معشر: فَاشْتَرَاهُ أَبُو أَيُّوب مِنْهُمَا وَأَعْطَاهُ الثّمن، فبناه مَسْجِدا. واليتيمان هما: سهل وَسُهيْل، ابْنا رَافع بن عَمْرو بن أبي عَمْرو، من بني النجار، كَانَا فِي حجر أسعد بن زُرَارَة، وَقيل: معَاذ بن عفراء، وَقَالَ معَاذ: يَا رَسُول اأنا أرضيهما، فاتخذه مَسْجِدا. وَيُقَال أَن بني النجار جعلُوا حائطهم وَقفا وَأَجَازَهُ النَّبِي، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَاسْتدلَّ ابْن بطال بِهَذَا على صِحَة وقف الْمشَاع. وَقَالَ: وقف الْمشَاع جَائِز عِنْد مَالك، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ، خلافًا لمُحَمد بن الْحسن، وَالصَّحِيح أَن بني النجار لم يوقفوا شَيْئا، بل باعوه وَوَقفه النَّبِي، فَلَيْسَ وقف مشَاع.

قَوْله: (قُبُور الْمُشْركين) بِالرَّفْع بدل أَو بَيَان لقَوْله: (مَا أَقُول) . قَوْله: (وَفِيه خرب) قَالَ أَبُو الْفرج: الرِّوَايَة الْمَعْرُوفَة: (خرب) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء، جمع خربه. كَمَا يُقَال: كلمة وكلم، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: حدّثناه الخراب، بِكَسْر الْخَاء وَفتح الرَّاء وَهُوَ: جمع الخراب، وَهُوَ مَا يخرب من الْبناء فِي لُغَة بني تَمِيم، وهما لُغَتَانِ صحيحتان رويتا، وَقَالَ الْخطابِيّ: لَعَلَّ صَوَابه: خرب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة: جمع: خربة، وَهِي الخروق فِي الأَرْض إلَاّ أَنهم يَقُولُونَهَا فِي ثقبة مستديرة فِي أَرض أَو جِدَار، قَالَ: وَلَعَلَّ الرِّوَايَة جرف جمع الجرفة، ويه جمع الجرف، كَمَا يُقَال: خرج وخرجة، وترس وترسة، وابين من ذَلِك إِن ساعدته الرِّوَايَة أَن يكون حدباً جمع حدبة، وَهُوَ الَّذِي يَلِيق بقوله: فسويت، وَإِنَّمَا يسوى الْمَكَان المحدودب أَو مَوضِع من الأَرْض فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>