٨٥٤ - ح دّثنا سُلَيْمَانْ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ ثابِتٍ عَنْ أبي رَافِعٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَجُلاً أسْوَدَ أَو امْرَأَةً سَوْدَاءَ كانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ فَمَاتَ فَسَأَلَ النبيُّ عنهُ فَقالُوا ماتَ قالَ أفَلَا كُنْتُم آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلونِي عَلَى قَبْرِهِ أوْ قَالَ عَلَى قَبْرِها فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْها. (الحَدِيث ٨٥٤ طرفاه فِي: ٠٦٤. ٧٣٣١) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ يقم الْمَسْجِد) أَي: يكنسه، فَإِن قلت: الْتِقَاط الْخرق إِلَى آخِره من جملَة التَّرْجَمَة، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على ذَلِك، قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّ البُخَارِيّ حمله بِالْقِيَاسِ على الكنس، وَالْجَامِع بَينهمَا: التَّنْظِيف. وَقيل: أَشَارَ البُخَارِيّ بذلك كُله إِلَى مَا ورد فِي بعض طرقه صَرِيحًا: (وَكَانَت تلْتَقط الْخرق والعيدان من الْمَسْجِد) ، رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة، وَفِي حَدِيث بُرَيْدَة عَن أَبِيه: (كَانَت مولعة بلقط القذى من الْمَسْجِد) .
ذكر رِجَاله. وهم خَمْسَة: الأول: سُلَيْمَان بن حَرْب الواشحي، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة، نِسْبَة إِلَى: واشح، بطن من الأزد، الْبَصْرِيّ. الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد، وَقد ذكر غير مرّة. الثَّالِث: ثَابت الْبنانِيّ. الرَّابِع: أَبُو رَافع: نفيع، بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: الصَّائِغ التَّابِعِيّ الْكَبِير، وَلَقَد وهم من قَالَ: إِنَّه أَبُو رَافع الصَّحَابِيّ، وَقَالَ: وَهُوَ من رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. فَإِن ثَابتا الْبنانِيّ لم يدْرك أَبَا رَافع الصَّحَابِيّ. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره. أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن وَاقد، وَفِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن الْفضل. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي، وَأبي كَامِل الجحدري. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب ومسدد، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أَحْمد بن عَبدة.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه قَوْله: (أَو امْرَأَة سَوْدَاء) ، الشَّك فِيهِ إِمَّا من ثَابت أَو من أبي رَافع، وَلَكِن الظَّاهِر أَنه من ثَابت لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنهُ جمَاعَة هَكَذَا، وَأخرج البُخَارِيّ أَيْضا عَن حَمَّاد بِهَذَا الْإِسْنَاد. قَالَ: وَلَا آراه، إلَاّ امْرَأَة. وَأخرجه ابْن خُزَيْمَة من طَرِيق الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، فَقَالَ: (امْرَأَة سَوْدَاء) ، من غير شكّ فِيهَا، وَوَقع فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: من حَدِيث ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه: أَن اسْم الْمَرْأَة أم محجن.
وَفَائِدَة أُخْرَى فِيهِ أَن الَّذِي أجَاب النَّبِي عَن سُؤَاله عَنْهَا أَبُو بكر الصّديق. قَوْله: (كَانَ يقم) ، من: قُم، الشَّيْء يقم قماً، من بَاب: نصر ينصر نصرا، وَمَعْنَاهُ: كنسه، وَالْقُمَامَة، بِضَم الْقَاف: الكناسة. قَالَه ابْن سَيّده: وَقَالَ اللحياني: قمامة الْبَيْت مَا كنس مِنْهُ فألقي بعضه على بعض، وَهِي لُغَة حجازية، والمقمة، بِكَسْر الْمِيم: المكنسة. وَفِي (الصِّحَاح) وَالْجمع: القمام. قَوْله: (سُئِلَ عَنهُ) ، أَي عَن حَاله، ومفعول: سَأَلَ، مَحْذُوف أَي: سَأَلَ النَّاس عَنهُ. قَوْله: (أَفلا كُنْتُم؟) لَا بُد من مُقَدّر بعد الْهمزَة، وَالتَّقْدِير: أدفنتم؟ فَلَا كُنْتُم آذنتموني: بِالْمدِّ، أَي: أعلمتنموني بِمَوْتِهِ حَتَّى أُصَلِّي عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن صلَاته رَحْمَة وَنور فِي قُبُورهم، على مَا جَاءَ فِي رِوَايَة مُسلم: (إِن امْرَأَة أَو شَابًّا) الحَدِيث، وَزَاد فِي آخِره: (إِن هَذِه الْقُبُور مَمْلُوءَة ظلمَة على أَهلهَا، وَإِن اتعالى ينورها لَهُم بصلاتي عَلَيْهِم) . قيل: إِن البُخَارِيّ لم يخرج هَذِه الزِّيَادَة لِأَنَّهَا مدرجة فِي هَذَا الْإِسْنَاد، وَهِي من مَرَاسِيل ثَابت، بَين ذَلِك غير وَاحِد من أَصْحَاب حَمَّاد بن زيد. قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ، الَّذِي يغلب على الْقلب أَن هَذِه الزِّيَادَة فِي غير رِوَايَة أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة، فإمَّا أَن يكون عَن ثَابت عَن النَّبِي مُرْسلا، كَمَا رَوَاهُ أَحْمد بن عَبدة وَمن تَابعه، أَو عَن ثَابت عَن أنس عَن النَّبِي كَمَا رَوَاهُ غير حَمَّاد بن زيد عَن ثَابت عَن أبي رَافع، فَلم يذكرهَا. وروى ابْن حبَان من حَدِيث خَارِجَة بن زيد بن ثَابت عَن عَمه يزِيد بن ثَابت، قَالَ: (خرجنَا مَعَ النَّبِي، فَلَمَّا ورد البقيع إِذْ مر بِقَبْر جَدِيد، فَسَأَلَ عَنهُ، فَقيل: فُلَانَة. فعرفها، وَقَالَ: أَلا آذنتموني بهَا؟ قَالُوا: كنت قَائِلا صَائِما فكرهنا أَن نؤذيك. قَالَ: فَلَا تَفعلُوا لأعرفن، مَا مَاتَ فِيكُم ميت مَا كنت بَين أظهر كم إلَاّ آذنتموني بِهِ، صَلَاتي عَلَيْهِ رَحْمَة لَهُ، ثمَّ أَتَى الْقَبْر فصففنا خَلفه فَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا) . انْتهى. كَذَا ذكره فِي صَحِيحه، وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَهُوَ يحْتَاج إِلَى تَأمل وَنظر، وَذَلِكَ أَن يزِيد قتل بِالْيَمَامَةِ سنة ثِنْتَيْ عشرَة، وخارجة توفّي سنة مائَة أَو أقل من ذَلِك، وسنه سَبْعُونَ سنة، فَلَا يتَّجه سَمَاعه مِنْهُ بِحَال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute