(بابُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي المَسَاجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم رفع الصَّوْت فِي الْمَسَاجِد، وَلَكِن هَذَا أَعم من أَن يكون مَمْنُوعًا، أَو غير مَمْنُوع، فَذكره الْحَدِيثين فِيهِ إِشَارَة إِلَى بَيَان تَفْصِيل فِيهِ مَعَ الْخلاف، فَالْحَدِيث الأول يدل على الْمَنْع، والْحَدِيث الثَّانِي يدل على عَدمه، وَقد ذكرنَا الْخلاف فِيهِ فِيمَا تقدم، وَهُوَ بَاب التقاضي والملازمة فِي الْمَسْجِد.
٠٧٤٩٢١ - ح دّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدثنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدّثنا الجُعَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حدّثني يَزِيدُ بنُ خُصَيْفَةَ عنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيدَ قَالَ كنْتُ قائِماً فِي المَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجلٌ فَنَظَرْتُ فإِذا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فَقَالَ اذْهبْ فَأتِني بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِما قَالَ مَن أنْتُما أوْ مِنْ أيْنَ أنْتُما قَالَا منْ أهْلِ الطَّائِفِ قَالَ لَوْ كُنْتُما مِنْ أهْلِ البَلَدِ لأوْجَعْتُكُما تَرْفَعَانِ أصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رسولِ اللَّهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أحد احتماليها، وَهُوَ: الْمَنْع.
ذكر رِجَاله. وهم خَمْسَة. الأول: عَليّ بن الْمَدِينِيّ، وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي: يحيى الْقطَّان، كَذَلِك. الثَّالِث: الجعيد، بِضَم الْجِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره دَال مُهْملَة، وَيُقَال لَهُ: جعيد، أَيْضا بِدُونِ الْألف وَاللَّام، وَيُقَال لَهُ: الْجَعْد، بِدُونِ التصغير، وَهُوَ اسْمه الْأَصْلِيّ، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: الْجَعْد بن عبد الرَّحْمَن بن أَوْس، وَهُوَ ثِقَة روى لَهُ مُسلم حَدِيثا وَاحِدًا عَن السَّائِب. الرَّابِع: يزِيد، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الزَّاي: أَبُو خصيفَة، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء: ابْن أخي السَّائِب الْمَذْكُور فِيهِ، وخصيفة جده، وَأَبوهُ عبد ابْن خصيفَة، وَقد نسب إِلَى جده. الْخَامِس: السَّائِب، بِالسِّين الْمُهْملَة: ابْن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن أُخْت النمر الْكِنْدِيّ الصَّحَابِيّ، وَقد تقدم فِي بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس، وروى ثمَّة الجعيد عَن السَّائِب بِدُونِ وَاسِطَة، وَهَهُنَا روى عَنهُ بِوَاسِطَة، يزِيد، وروى حَاتِم بن إِسْمَاعِيل هَذَا الحَدِيث عَن الجعيد عَن السَّائِب بِلَا وَاسِطَة، أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَصَحَّ سَماع الْجَعْد عَن الساب كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، فَلَا يكون هَذَا الِاخْتِلَاف قادحاً، وروى عبد الرَّزَّاق هَذَا من طَرِيق أُخْرَى عَن نَافِع قَالَ: (كَانَ عمر رَضِي اتعالى عَنهُ، يَقُول: لَا تكثروا للغط. فَقَالَ: إِن مَسْجِدنَا هَذَا لَا يرفع فِيهِ الصَّوْت) . الحَدِيث، وَهَذَا فِيهِ انْقِطَاع لِأَن نَافِعًا لم يدْرك هَذَا الزَّمَان.
ذكر لطائف إِسْنَاده. فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مديني ومدني وبصري. وَفِيه: رِوَايَة الرَّاوِي عَن خَاله كَمَا ذكرنَا.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه قَوْله: (كنت قَائِما) ، وَقع فِي الْأُصُول بِالْقَافِ، ويروى: (نَائِما) ، بالنُّون وَيُؤَيّد هَذِه الرِّوَايَة مَا ذكره الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي يعلى حدّثنا مُحَمَّد بن عباد حدّثنا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن الجعيد عَن السَّائِب، قَالَ: (كنت مُضْطَجعا فحصبني إِنْسَان) . قَوْله: (فحصبني) ، من: حصبت الرجل أحصبه، بِالْكَسْرِ: رميته بالحصباء. قَوْله: (إِذا هُوَ عمر بن الْخطاب) كلمة؛ إِذا، للمفاجأة وَهُوَ: مُبْتَدأ وَعمر: خَبره، ويروى: فَإِذا عمر بن الْخطاب، فعلى هَذَا: عمر، مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره؛ فَإِذا عمر حَاضر، أَو: وَاقِف. قَوْله: (فَقَالَ: اذْهَبْ) ، أَي: فَقَالَ عمر للسائب: إذهب. قَوْله: (فَاتَنِي بِهَذَيْنِ) ، يَعْنِي: بِهَذَيْنِ الشخصين وَكَانَا ثقفيين، كَذَا فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق. قَوْله: (لأوجعتكما) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (لأوجعتكما جلدا) . قَوْله: (ترفعان) ، خطاب لهذين الْإِثْنَيْنِ، وَهِي جملَة استئنافية، وَهِي فِي الْحَقِيقَة جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر، كَأَنَّهُمَا قَالَا: لم توجعن؟ قَالَ: لأنكما ترفعان أصواتكما فِي مَسْجِد رَسُول ا. فَإِن قلت: مَا وَجه الْجمع فِي أصواتكما، مَعَ أَن الْمَوْجُود صوتان لَهما؟ قلت: الْمُضَاف الْمثنى معنى، إِذا كَانَ جُزْء مَا أضيف إِلَيْهِ، الْأَفْصَح أَن يذكر بِالْجمعِ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فقد صغت قُلُوبكُمَا} (التَّحْرِيم: ٤) وَيجوز إِفْرَاده نَحْو: أكلت رَأس شَاتين، والتثنية مَعَ أصالتها قَليلَة الِاسْتِعْمَال، وَإِن لم يكن جزءه فالأكثر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute