للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عطف على من: آمن، وَأخرج الصابرين مَنْصُوبًا على الِاخْتِصَاص والمدح إِظْهَارًا لفضل الصَّبْر فِي الشدائد، ومواطن الْقِتَال على سَائِر الْأَعْمَال، وقرىء: والصابرون، وقرىء: والموفين وَالصَّابِرِينَ {والبأساء} (الْبَقَرَة: ١٧٧) الْفقر والشدة وَالضَّرَّاء وَالْمَرَض والزمانة قَوْله: {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: ١) الْآيَة: هَذِه آيَة أُخْرَى، ذكر الْآيَتَيْنِ لاشتمالهما على أُمُور الْإِيمَان، وَالْبَاب مبوب عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا لم يقل: وَقَول الله عز وَجل {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: ١) كَمَا قَالَ فِي أول الْآيَة الأولى، وَقَول الله عز وَجل: {لَيْسَ الْبر} (الْبَقَرَة: ١٧٧) الخ لعدم الالتباس فِي ذَلِك، وَاكْتفى أَيْضا بِذكرِهِ فِي الأولى، وَقَالَ بَعضهم: ذكره بِلَا أَدَاة عطف، والحذف جَائِز، وَالتَّقْدِير: وَقَول الله عز وَجل: {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: ١) قلت: الْحَذف غير جَائِز، وَلَئِن سلمنَا فَذَاك فِي بَاب الشّعْر، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَيحْتَمل أَن يكون تَفْسِيرا لقَوْله: المتقون هم الموصوفون بقوله: {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: ١) إِلَى آخرهَا. قلت: لَا يَصح هَذَا أَيْضا. لِأَن الله تَعَالَى ذكر فِي هَذِه الْآيَة من وصفوا بالأوصاف الْمَذْكُورَة فِيهَا، ثمَّ أَشَارَ إِلَيْهِم بقوله: {وَأُولَئِكَ هم المتقون} (الْبَقَرَة: ١٧٧) بَين أَن هَؤُلَاءِ الموصوفين هم المتقون، فَأَي شَيْء يحْتَاج بعد ذَلِك إِلَى تَفْسِير الْمُتَّقِينَ فِي هَذِه الْآيَة حَتَّى يفسرهم بقوله: {قد أَفْلح} (الْمُؤْمِنُونَ: ١) الخ، وَرُبمَا كَانَ يُمكن صِحَة هَذِه الدَّعْوَى لَو كَانَت الْآيَتَانِ متواليتين، فبينهما آيَات عديدة، بل سور كَثِيرَة، فَكيف يكون هَذَا من بَاب التَّفْسِير وَهَذَا كَلَام مستبعد جدا. قَوْله: (الْآيَة) يجوز فِيهَا: النصب، على معنى إقرأ الْآيَة: و: الرّفْع، على معنى الْآيَة بِتَمَامِهَا على أَنه مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر. قَوْله: {أَفْلح} أَي: دخل فِي الْفَلاح، وَهُوَ فعل لَازم، والفلاح الظفر بالمراد، وَقيل: الْبَقَاء فِي الْخَيْر. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: يُقَال: أفلحه أجاره إِلَى الْفَلاح، وَعَلِيهِ قِرَاءَة طَلْحَة بن مصرف: أَفْلح للْبِنَاء للْمَفْعُول، وَعنهُ أفلحوا على أكلوني البراغيث، أَو على الْإِبْهَام وَالتَّفْسِير: (والخشوع فِي الصَّلَاة) خشيَة الْقلب (واللغو) مَا لَا يَعْنِيك من قَول أَو فعل كاللعب والهزل، وَمَا توجب الْمُرُوءَة إلغاءه وإطراحه. قَوْله: {فاعلون} (الْمُؤْمِنُونَ: ١) أَي: مؤدون. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِن قلت: هلا قيل: من ملكت؟ قلت: لِأَنَّهُ أُرِيد من جنس الْعُقَلَاء مَا يجرى مجْرى غير الْعُقَلَاء. وهم الْإِنَاث.

٩ - حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدثنَا أبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ قَالَ حَدثنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أبْيِ صَالِحٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ الإِيِمَانُ بِضْعٌ وسِتُّونَ شُعْبَةً والحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ.

قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين؛ هَذَا مُتَعَلق بِالْبَابِ الَّذِي قبله، وَهُوَ أَن الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص، وَجه الدَّلِيل أَن الشَّرْع أطلق الْإِيمَان على أَشْيَاء كَثِيرَة من الْأَعْمَال كَمَا جَاءَ فِي الْآيَات والخبرين الَّذين ذكرهمَا فِي هَذَا الْبَاب، بِخِلَاف قَول المرجئة، فِي قَوْلهم: إِن الْإِيمَان قَول بِلَا عمل. قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا الْكَلَام، وَإِنَّمَا هَذَا الْبَاب والأبواب الَّتِي بعده كلهَا مُتَعَلقَة بِالْبَابِ الأول، مبينَة أَن الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص على مَا لَا يخفى.

(بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة: الأول: أَبُو جَعْفَر عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن جَعْفَر بن الْيَمَان بن أخنس بن خُنَيْس الْجعْفِيّ البُخَارِيّ المسندي، بِضَم الْمِيم وَفتح النُّون، وَهُوَ ابْن عَم عبد الله بن سعيد بن جَعْفَر بن الْيَمَان، واليمان هَذَا هُوَ مولى أحد أجداد البُخَارِيّ، وَلَاء إِسْلَام، سمع وكيعاً وخلقاً، وَعنهُ الذهلي وَغَيره من الْحفاظ، مَاتَ سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، إنفرد البُخَارِيّ بِهِ عَن أَصْحَاب الْكتب السِّتَّة، وروى التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ عَنهُ. الثَّانِي: أَبُو عَامر عبد الْملك بن عَمْرو بن قيس الْعَقدي الْبَصْرِيّ، سمع مَالِكًا وَغَيره، وَعنهُ أَحْمد، وَاتفقَ الْحفاظ على جلالته وثقته، مَاتَ سنة خمس، وَقيل: أَربع وَمِائَتَيْنِ. الثَّالِث: أَبُو مُحَمَّد أَو أَبُو أَيُّوب سُلَيْمَان بن بِلَال الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي، مولى آل الصّديق، سمع عبد الله بن دِينَار وجمعاً من التَّابِعين، وَعنهُ الْأَعْلَام كَابْن الْمُبَارك وَغَيره، وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: كَانَ بربرياً جميلاً حسن الْهَيْئَة عَاقِلا، وَكَانَ يُفْتِي بِالْبَلَدِ، وَولي خراج الْمَدِينَة، وَمَات بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة، وَقَالَ البُخَارِيّ عَن هَارُون بن مُحَمَّد: سنة سبع وَسبعين وَمِائَة، وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة من اسْمه سُلَيْمَان بن هِلَال سوى هَذَا. الرَّابِع: أَبُو عبد الرَّحْمَن عبد الله بن دِينَار، أَخُو عَمْرو بن دِينَار، الْقرشِي الْعَدوي الْمدنِي، مولى ابْن عمر، سمع مَوْلَاهُ وَغَيره، وَعنهُ ابْنه عبد الرَّحْمَن وَغَيره، وَهُوَ ثِقَة بِاتِّفَاق، مَاتَ سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة، وَفِي الروَاة أَيْضا: عَمْرو بن دِينَار الْحِمصِي لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَلَيْسَ فِي الْكتب السِّتَّة: عَمْرو بن دِينَار، غَيرهمَا. الْخَامِس: أَبُو صَالح

<<  <  ج: ص:  >  >>