الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع: الأول فِي وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة وَهِي ظَاهِرَة لِأَن ابْن عمر رد الْمَار من بَين يَدَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة.
الثَّانِي فِي معنى التَّرْكِيب: فَقَوله: ورد ابْن عمر، أَي: رد عبد ابْن عمر بن الْخطاب المارَّ بَين يَدَيْهِ حَال كَونه فِي التَّشَهُّد، وَكَانَ هَذَا الْمَار هُوَ: عَمْرو بن دِينَار، نبه عَلَيْهِ عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة فِي مصنفيهما. قَوْله: (فِي الْكَعْبَة) أَي، ورد أَيْضا فِي الْكَعْبَة. قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ عطف على مُقَدّر، أَي: رد الْمَار بَين يَدَيْهِ عِنْد كَونه فِي الصَّلَاة وَفِي غير الْكَعْبَة وَفِي الْكَعْبَة أَيْضا، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ كَون الرَّد فِي حَالَة وَاحِدَة جمعا بَين كَونه فِي التَّشَهُّد وَفِي الْكَعْبَة، فَلَا حَاجَة إِلَى مقد. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الإشبيلي فِي كِتَابه (الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) : كَذَا وَقع، وَفِي الْكَعْبَة. وَقَالَ ابْن قرقول: ورد ابْن عمر فِي التَّشَهُّد وَفِي الْكَعْبَة. وَقَالَ الْقَابِسِيّ: وَفِي الرَّكْعَة، بَدَلا من: الْكَعْبَة، أشبه. وَكَذَا وَقع فِي بعض الْأُصُول: الرَّكْعَة. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَالظَّاهِر أَنه: وَفِي الْكَعْبَة، وَهُوَ الصَّوَاب كَمَا فِي كتاب الصَّلَاة لأبي نعيم: حدّثنا عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون عَن صَالح بن كيسَان، قَالَ: رَأَيْت ابْن عمر يُصَلِّي فِي الْكَعْبَة فَلَا يدع أحدا يمر بَين يَدَيْهِ يبادره. قَالَ بردة: حدّثنا مطر بن خَليفَة حدّثنا عَمْرو بن دِينَار قَالَ: مَرَرْت بِابْن عمر بعده مَا جلس فِي آخر صلَاته حَتَّى أنظر مَا يصنع، فارتفع من مَكَانَهُ، فَدفع فِي صَدْرِي. وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: أخبرنَا ابْن فُضَيْل عَن مطر عَن عَمْرو بن دِينَار، قَالَ: مَرَرْت بَين يَدي ابْن عمر وَهُوَ فِي الصَّلَاة فارتفع من قعوده ثمَّ دفع فِي صَدْرِي، وَفِي كتاب (الصَّلَاة) لأبي نعيم: فانتهزني بتسبيحة، وَقَالَ بَعضهم: رِوَايَة الْجُمْهُور متجهة، وَتَخْصِيص الْكَعْبَة بِالذكر لِئَلَّا يتخيل أَنه يغْتَفر فِيهَا الْمُرُور لكَونهَا مَحل الْمُزَاحمَة. قلت: الْوَاقِع فِي نفس الْأَمر ان ابْن عمر فِي الرَّد فِي غير الْكَعْبَة، وَفِي الْكَعْبَة أَيْضا فَلَا يُقَال: فِيهِ التَّخْصِيص، وَالتَّعْلِيل فِيهِ بِكَوْن مَحل الْمُزَاحمَة غير موجه لِأَن فِي غير الْكَعْبَة أَيْضا تُوجد الْمُزَاحمَة، سِيمَا فِي أَيَّام الْجمع فِي الْجَوَامِع وَنَحْو ذَلِك. قَوْله: (وَقَالَ) أَي: ابْن عمر: (إِن أَبى) أَي: الْمَار، أَي: امْتنع بِكُل وَجه إلَاّ بِأَن يُقَاتل الْمُصَلِّي الْمَار قَاتله. قَوْله: (إِلَّا أَن يقاتله) وَقَوله: قَاتله، على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون لفظ: قَاتله، بِصِيغَة الْفِعْل الْمَاضِي، وَهَذَا عِنْد كَون لفظ (إِلَّا أَن يقاتله) بِصِيغَة الْفِعْل الْمُضَارع الْمَعْلُوم، وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ يرجع إِلَى الْمَار الَّذِي هُوَ فَاعل لَفْظَة: أبي، والمنصوب يرجع إِلَى الْمُصَلِّي، وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِي: قَاتله، يرجع إِلَى الْمُصَلِّي والمنصوب يرجع إِلَى: الْمَار، وَالْوَجْه الآخر: أَن يكون لَفْظَة (إلَاّ أَن تُقَاتِلهُ) بِصِيغَة الْمُخَاطب: أَي إلَاّ أَن تقَاتل الْمَار (فقاتله) بِكَسْر التَّاء وَسُكُون اللَّام على صِيغَة الْأَمر للحاضر، وَهَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَالْأول رِوَايَة الْأَكْثَرين. فَإِن قلت: لَفْظَة: قَاتله، فِي الْوَجْه الثَّانِي جملَة أمرية، وَالْجُمْلَة الأمرية إِذا وَقعت جَزَاء للشرطية فَلَا بُد فِيهَا من الْفَاء. قلت: تَقْدِير الْكَلَام: فَأَنت قَاتله، قَالَ الْكرْمَانِي: وَيجوز حذف الْفَاء مِنْهَا نَحْو:
من يفعل الْحَسَنَات ايشكرها
قلت: حذف الْفَاء مِنْهَا لضَرُورَة الْوَزْن فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ، ويروى: فقاتله بِالْفَاءِ على الأَصْل.
النَّوْع الثَّالِث فِي أَن الْمَرْوِيّ عَن ابْن عمر هَهُنَا على سَبِيل التَّعْلِيق بِثَلَاثَة أَشْيَاء: الأول: رده الْمَار فِي التَّشَهُّد، وَقد وَصله أَبُو نعيم وَابْن أبي شيبَة كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب. الثَّانِي: رده فِي الْكَعْبَة، وَقد وَصله أَبُو نعيم أَيْضا كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَفِي حَدِيث يزِيد الْفَقِير: صليت إِلَى جنب ابْن عمر بِمَكَّة فَلم أر رجلا أكره أَن يمر بَين يَدَيْهِ مِنْهُ. الثَّالِث: أمره بالمقاتلة عِنْد عدم امْتنَاع الْمَار من الْمُرُور بَين يَدي الْمُصَلِّي، وَقد وَصله عبد الرَّزَّاق، وَلَفظه عَن ابْن عمر قَالَ: لَا تدع أحدا يمر بَين يَديك وَأَنت تصلي، فَإِن أبي إلَاّ أَن تُقَاتِلهُ فقاتله. وَهَذَا مُوَافق لرِوَايَة الْكشميهني.
٩٠٥ - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدّثنا يُونُسُ عنْ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ عنْ أبي صالِحٍ أنَّ أبَا سعِيدٍ قَالَ قَالَ النبيُّ (ح) وحدّثنا آدَمُ بنُ أبي إيَاسٍ قَالَ حدّثنا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيرَةِ قَالَ حدّثنا حُمَيْدُ بنُ هِلَالٍ الْعَدَوى قَالَ حدّثنا أبُو صالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ رَأيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ فِي يَوْم جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فأرَادَ شَابٌّ من بَني أبي مُعَيْطٍ أنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ أبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغَاً إِلَاّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَعادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ أبُو سَعِيدٍ أشَدَّ مِنَ الأُولَى فَنَالَ مِنْ أبي سَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute