للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عمر بِتَمَامِهِ، وَفِي مَوضِع آخر بِبَعْضِه. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، وَعَن مُحَمَّد بن بشار، وَعَن سُوَيْد بن نصر. وَأخرجه ابْن ماجة فِيهِ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن بنْدَار بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (واحدنا) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (جليسه) ، الجليس على وزن: فعيل، بِمَعْنى: الْمجَالِس، وَأَرَادَ بِهِ الَّذِي إِلَى جنبه، وَفِي رِوَايَة الجوزقي من طَرِيق وهب عَن شُعْبَة: (فَينْظر الرجل إِلَى جليسه إِلَى جنبه) . وَفِي رِوَايَة أَحْمد: (فَيَنْصَرِف الرجل فَيعرف وَجه جليسه) . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (وبعضنا يعرف وَجه بعض) . قَوْله: (مَا بَين السِّتين إِلَى الْمِائَة) يَعْنِي: من) آيَات الْقُرْآن الْحَكِيم. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت لفظ: بَين، يَقْتَضِي دُخُوله على مُتَعَدد، فَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: وَالْمِائَة، بِدُونِ حرف الِانْتِهَاء؟ قلت: تَقْدِيره مَا بَين السِّتين وفوقها إِلَى الْمِائَة، فَحذف لفظ: فَوْقهَا، لدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهِ. قَوْله: (وَالْعصر) بِالنّصب أَي، وَيُصلي الْعَصْر، و: الْوَاو، فِي: وأحدنا، للْحَال. قَوْله: (إِلَى أقْصَى الْمَدِينَة) أَي: إِلَى آخرهَا. قَوْله: (رَجَعَ) ، كَذَا وَقع بِلَفْظ الْمَاضِي بِدُونِ: الْوَاو، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: (وَيرجع) ، بواو الْعَطف وَصِيغَة الْمُضَارع، وَمحله الرّفْع على أَنه خبر للمبتدأ الَّذِي هُوَ قَوْله: (وأحدنا) ، فعلى هَذَا يكون لفظ: يذهب، حَالا بِمَعْنى: ذَاهِبًا، وَيجوز أَن يكون: يذهب، فِي مَحل الرّفْع على أَنه خبر لقَوْله: (أَحَدنَا) ، وَقَوله: رَجَعَ، يكون فِي مَحل النصب على الْحَال و: قد، فِيهِ مقدرَة لِأَن الْجُمْلَة الفعلية الْمَاضِيَة، إِذا وَقعت حَالا فَلَا بُد مِنْهَا من كلمة: قد إِمَّا ظَاهِرَة وَإِمَّا مقدرَة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أوجاؤكم حصرت صُدُورهمْ} (النِّسَاء: ٩٠) . أَي: قد حصرت، وَلَكِن تكون حَالا منتظرة مقدرَة، وَالتَّقْدِير: وأحدنا يذهب إِلَى أقْصَى الْمَدِينَة حَال كَونه مُقَدرا الرُّجُوع إِلَيْهَا وَالْحَال أَن الشَّمْس حَيَّة. وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن تكون: الْوَاو، فِي قَوْله: وأحدنا، بِمَعْنى ثمَّ. وَفِيه تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَالتَّقْدِير: ثمَّ يذهب أَحَدنَا، أَي مِمَّن صلى مَعَه، وَأما قَوْله: رَاجع، فَيحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى: يرجع، وَيكون بَيَانا لقَوْله: يذهب. قلت: هَذَا فِيهِ ارْتِكَاب الْمَحْذُور من وُجُوه. الأول: كَون: الْوَاو، بِمَعْنى: ثمَّ، وَلم يقل بِهِ أحد. وَالثَّانِي: إِثْبَات التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير من غير احْتِيَاج إِلَيْهِ. وَالثَّالِث: قَوْله: يرجع، بَيَان لقَوْله: يذهب، فَلَا يَصح ذَلِك لِأَن معنى: يرجع، لَيْسَ فِيهِ غموض حَتَّى يُبينهُ بقوله: يذهب، ومحذور آخر وَهُوَ أَن يكون الْمَعْنى: واحدنا يرجع إِلَى أقْصَى الْمَدِينَة، وَهُوَ مخل بِالْمَقْصُودِ. وَزعم الْكرْمَانِي أَن فِيهِ وَجها آخر، وَفِيه تعسف جدا، وَهُوَ أَن: رَجَعَ، بِمَعْنى: يرجع، عطف على: يذهب، و: الْوَاو، مقدرَة وَفِيه مَحْذُور آخر أقوى من الأول، وَهُوَ أَن المُرَاد بِالرُّجُوعِ هُوَ: الرُّجُوع إِلَى أقْصَى الْمَدِينَة لَا الرُّجُوع إِلَى الْمَسْجِد، فعلى هَذَا التَّقْدِير يكون الرُّجُوع إِلَى الْمَسْجِد، وَالدَّلِيل على أَن المُرَاد هُوَ الذّهاب إِلَى أقْصَى الْمَدِينَة وَالرُّجُوع إِلَيْهَا رِوَايَة عَوْف الْأَعرَابِي عَن سيار بن سَلامَة الْآتِيَة عَن قريب، ثمَّ يرجع أَحَدنَا إِلَى رحْلَة فِي أقْصَى الْمَدِينَة وَالشَّمْس حَيَّة. وَاقْتصر هَهُنَا على ذكر الرُّجُوع لحُصُول الِاكْتِفَاء بِهِ لِأَن المُرَاد بِالرُّجُوعِ الذّهاب إِلَى الْمنزل، وَإِنَّمَا سمي رُجُوعا لِأَن ابْتِدَاء الْمَجِيء كَانَ من الْمنزل إِلَى الْمَسْجِد، فَكَانَ الذّهاب مِنْهُ إِلَى الْمنزل رُجُوعا. قَوْله: (وَالشَّمْس حَيَّة) وحياة الشَّمْس عبارَة عَن بَقَاء حرهَا لم يُغير، وَبَقَاء لَوْنهَا لم يتَغَيَّر، وَإِنَّمَا يدخلهَا التَّغَيُّر بدنو المغيب، كَأَنَّهُ جعل مغيبها موتا لَهَا. قَوْله: (ونسيت) أَي: قَالَ أَبُو الْمنْهَال: (نسيت مَا قَالَه أَبُو بَرزَة فِي (الْمغرب) . قَوْله: (وَلَا يُبَالِي) عطف على قَوْله: (يُصَلِّي) أَي: وَلَا يُبَالِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ من المبالاة وَهُوَ الاكتراث بالشَّيْء. قَوْله: (إِلَى شطر اللَّيْل) أَي: نصفه، وَلَا يُقَال: إِن الَّذِي يفهم مِنْهُ أَن وَقت الْعشَاء لَا يتَجَاوَز النّصْف، لِأَن الْأَحَادِيث الاخر تدل على بَقَاء وَقتهَا إِلَى الصُّبْح، وَإِنَّمَا المُرَاد بِالنِّصْفِ هَهُنَا هُوَ الْوَقْت الْمُخْتَار، وَقد اخْتلف فِيهِ، وَالأَصَح الثُّلُث. قَوْله: (قبلهَا) ، أَي: قبل الْعشَاء. قَوْله: (قَالَ معَاذ) هُوَ: معَاذ بن معَاذ بن نصر بن حسان الْعَنْبَري التَّمِيمِي، قَاضِي الْبَصْرَة، سمع من شُعْبَة وَغَيره، مَاتَ سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة. قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا تَعْلِيق قطعا، لِأَن البُخَارِيّ لم يُدْرِكهُ. قلت: هُوَ مُسْند فِي (صَحِيح مُسلم) ، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة ... فَذكره. قَوْله: (ثمَّ لَقيته) ، أَي: أَبَا الْمنْهَال مرّة أُخْرَى بعد ذَلِك. قَوْله: (فَقَالَ: أَو ثلث اللَّيْل) . تردد بَين الشّطْر وَالثلث.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الْحجَّة للحنفية لِأَن قَوْله: (وأحدنا يعرف جليسه) ، يدل على الْأَسْفَار، وَلَفظ النَّسَائِيّ والطَّحَاوِي فِيهِ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْصَرف من الصُّبْح فَينْظر الرجل إِلَى الجليس الَّذِي يعرفهُ فيعرفه) . وَلَكِن قَوْله: (وَيقْرَأ فِيهَا مَا بَين السِّتين إِلَى الْمِائَة) يدل على أَنه كَانَ يشرع فِي الْغَلَس ويمدها بِالْقِرَاءَةِ إِلَى وَقت الْإِسْفَار، وَإِلَيْهِ ذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>