٥٥٩ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مَهْرَانَ قَالَ حدَّثنا الوَلِيدُ قَالَ حدَّثنا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حدَّثنا أبُو النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ وَهْوَ عَطَاءُ بنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ رَافِعَ بنَ خَدِيجٍ يَقُولُ كُنَّا نُصَلِّي المَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَنْصَرِفُ أحَدُنَا وإِنَّهُ لَيُبْصِرَ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يدل بِالْإِشَارَةِ لَا بالتصريح، فَإِن الْمَفْهُوم مِنْهُ لَيْسَ إِلَّا مُجَرّد الْمُبَادرَة إِلَى صَلَاة الْمغرب خوفًا أَن تتأخر إِلَى اشتباك النُّجُوم. وَقد روى ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم من حَدِيث الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب: (لَا تزَال أمتِي على الْفطْرَة مَا لم يؤخروا الْمغرب إِلَى النُّجُوم) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن مهْرَان الْجمال، بِالْجِيم: الْحَافِظ الرَّازِيّ أَبُو جَعْفَر، مَاتَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: الْوَلِيد بن مُسلم، بِكَسْر اللَّام الْخَفِيفَة: أَبُو الْعَبَّاس الْأمَوِي عَالم أهل الشَّام، مَاتَ سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة. الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ، وَقد مر فِي بَاب الْخُرُوج فِي طلب الْعلم. الرَّابِع: أَبُو النَّجَاشِيّ، بِفَتْح النُّون وَتَخْفِيف الْجِيم وبالشين الْمُعْجَمَة: واسْمه عَطاء بن صُهَيْب، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة، مولى رَافع بن خديج. الْخَامِس: رَافع، بِالْفَاءِ: ابْن خديج، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وبالجيم: الْأنْصَارِيّ الأوسي الْمدنِي.
بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: السماع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين رازي وشامي ومدني. .
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن مهْرَان بِهِ وَعَن اسحاق بن إِبْرَاهِيم عَن شُعَيْب بن إِسْحَاق عَن الْأَوْزَاعِيّ بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن دُحَيْم عَن الْوَلِيد بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ليبصر) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف: من الإبصار. وَاللَّام: فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (مواقع نبله) ، المواقع جمع: موقع، وَهُوَ مَوضِع الْوُقُوع. و: النبل، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: السِّهَام الْعَرَبيَّة، وَهِي مُؤَنّثَة. وَقَالَ ابْن سَيّده: لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه. وَقيل: واحدتها: نبلة، مثل: تمر وَتَمْرَة، وَفِي (المغيث) لأبي مُوسَى: هُوَ سهم عَرَبِيّ لطيف غير طَوِيل، لَا كسهام النشاب، والحسيان أَصْغَر من النبل يرْمى بهَا على القسي الْكِبَار فِي مجاري الْخشب.
وَمعنى الحَدِيث أَنه: يبكر بالمغرب فِي أول وَقتهَا بِمُجَرَّد غرُوب الشَّمْس حَتَّى ينْصَرف أَحَدنَا وَيَرْمِي النبل عَن قوسه، ويبصر موقعه لبَقَاء الضَّوْء.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: دلّ الحَدِيث الْمَذْكُور على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الْمغرب عِنْد غرُوب الشَّمْس وبادر بهَا بِحَيْثُ إِنَّه لما فرغ مِنْهَا كَانَ الضَّوْء بَاقِيا، وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور. وَذهب طَاوُوس وَعَطَاء ووهب بن مُنَبّه إِلَى أَن أول وَقت الْمغرب حِين طُلُوع النَّجْم، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث أبي بصرة الْغِفَارِيّ، قَالَ: (صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَصْر بالمحمض، فَقَالَ: إِن هَذِه الصَّلَاة عرضت على من كَانَ قبلكُمْ فضيعوها، فَمن حَافظ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أجره مرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاة بعْدهَا حَتَّى يطلع الشَّاهِد، وَالشَّاهِد: النَّجْم) ، أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ والطَّحَاوِي، وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَنهُ بِأَن قَوْله: (وَلَا صَلَاة بعْدهَا حِين يرى الشَّاهِد) ، يحْتَمل أَن يكون هُوَ آخر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذكره اللَّيْث، وَلَكِن الَّذِي رَوَاهُ غَيره تَأَول أَن الشَّاهِد هُوَ النَّجْم، فَقَالَ ذَلِك بِرَأْيهِ لَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على أَن الْآثَار قد تَوَاتَرَتْ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يُصَلِّي الْمغرب إِذا تَوَارَتْ الشَّمْس بالحجاب. و: أَبُو بصرة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة، واسْمه: جميل، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقيل: جميل: بِالْجِيم، وَالْأول أصح، و: المحمض، بِفَتْح الميمين وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَفِي آخِره ضاد مُعْجمَة: وَهُوَ الْموضع الَّذِي ترعى فِيهِ الْإِبِل الحمض، وَهُوَ: مَا حمض وملح وَأمر من النَّبَات: كالرمث والأثل والطرفا وَنَحْوهَا، و: الْخلَّة، من النبت مَا كَانَ حلوا. تَقول الْعَرَب: الْخلَّة خبز الْإِبِل، والحمض فاكهتها.
ذكر اخْتِلَاف أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث وَاخْتِلَاف رُوَاته: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (كُنَّا نصلي الْمغرب ثمَّ نرمي فَيرى أَحَدنَا موقع نبله) . وَعَن كَعْب بن مَالك: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْمغرب ثمَّ يرجع النَّاس (إِلَى أَهْليهمْ ببني سَلمَة وهم يبصرون مواقع النبل حِين يرْمى بهَا) . قَالَ أَبُو حَاتِم: صَحِيح مُرْسل. وَعَن أبي طريف: (كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين حاصر الطَّائِف، فَكَانَ يُصَلِّي بِنَا صَلَاة الْبَصَر، حَتَّى لَو أَن رجلا رمى بِسَهْم لرَأى مَوضِع نبله) . قَالَ أَحْمد بن