للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُصَلِّي الظّهْر بالهاجرة) ، يشْعر بِالْكَثْرَةِ والدوام عرفا. قلت: لَا تعَارض بَينهمَا، لِأَنَّهُ أطلق الهاجرة على الْوَقْت بعد الزَّوَال مُطلقًا. والإبراد مُقَيّد بِشدَّة الْحر. قَوْله: (وَالْعصر) ، بِالنّصب أَي: وَكَانَ يُصَلِّي الْعَصْر. قَوْله: (وَالشَّمْس نقية) جملَة إسمية وَقعت حَالا على الأَصْل بِالْوَاو، وَمعنى: نقية، خَالِصَة صَافِيَة لم يدخلهَا بعد صفرَة وَتغَير. قَوْله: (وَالْمغْرب) ، بِالنّصب أَيْضا، أَي: وَكَانَ يُصَلِّي الْمغرب إِذا وَجَبت، أَي: إِذا غَابَتْ الشَّمْس. وأصل الْوُجُوب السُّقُوط، وَالْمرَاد سُقُوط قرص الشَّمْس. وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم: (وَالْمغْرب إِذا غربت) . وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة من طَرِيق أبي النَّضر عَن شُعْبَة: (وَالْمغْرب حِين تجب الشَّمْس) أَي: حِين تسْقط. قَوْله: (وَالْعشَاء) بِالنّصب أَيْضا أَي: وَكَانَ يُصَلِّي الْعشَاء. قَوْله: (أَحْيَانًا وَأَحْيَانا) منصوبان على الظَّرْفِيَّة، وَالْمعْنَى، كَانَ يُصَلِّي الْعشَاء فِي أحيان بالتقديم، وَفِي أحيان بِالتَّأْخِيرِ. وَقَوله: (إِذا رَآهُمْ اجْتَمعُوا على عجل) بَيَان لقَوْله: (أَحْيَانًا) يَعْنِي: إِذا رأى الْجَمَاعَة اجْتَمعُوا عجل بالعشاء، لِأَن فِي تَأْخِيرهَا تنفيرهم. وَقَوله: (وَإِذا رَآهُمْ إبطأوا أخر) بَيَان لقَوْله: (وَأَحْيَانا) يَعْنِي: إِذا رأى الْجَمَاعَة تَأَخَّرُوا بالعشاء لإحراز فَضِيلَة الْجَمَاعَة، والأحيان جمع: حِين، وَهُوَ اسْم مُبْهَم يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير من الزَّمَان، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَهُوَ المُرَاد هَهُنَا. وَإِن كَانَ جَاءَ بِمَعْنى أَرْبَعِينَ سنة وَبِمَعْنى سِتَّة أشهر. وَقَوله: (أبطأوا) على وزن: أفعلوا، بِفَتْح الطَّاء وَضم الْهمزَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: والجملتان الشرطيتان فِي مَحل النصب حالان من الْفَاعِل، أَي: يُصَلِّي الْعشَاء معجلا إِذا اجتمعووا، ومؤخرا إِذا تباطأوا، وَيحْتَمل أَن يَكُونَا من الْمَفْعُول. والراجع إِلَيْهِ مَحْذُوف، إِذْ التَّقْدِير: عجلها وأخرها. قلت: لَا نسلم أَن: إِذا هَهُنَا للشّرط، بل على أَصْلهَا للْوَقْت، وَالْمعْنَى: كَانَ يُصَلِّي الْعشَاء أَحْيَانًا بالتعجيل إِذا رَآهُمْ اجْتَمعُوا، وَكَانَ يُصَلِّي أَحْيَانًا بِالتَّأْخِيرِ إِذا رَآهُمْ تَأَخَّرُوا، والجملتان بيانيتان كَمَا ذكرنَا، وكل وَاحِد من: عجل وَأخرج جَوَاب: إِذا. قَوْله: (وَالصُّبْح) بِالنّصب أَيْضا أَي: وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْح. وَقَوله: (يُصليهَا بِغَلَس) ، إِضْمَار على شريطة التَّفْسِير، وَقد علم أَن الْإِضْمَار على شريطة التَّفْسِير كل اسْم بعده فعل أَو شُبْهَة مشتغل عَنهُ بضميره أَو مُتَعَلّقه، لَو سلط عَلَيْهِ لنصبه. وَهَهُنَا الإسم هُوَ قَوْله: (الصُّبْح) . وَقَوله: (يُصليهَا) ، فعل وَقع بعده قَوْله: (كَانُوا أَو كَانَ) بِكَلِمَة الشَّك، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الشَّك من الرَّاوِي عَن جَابر، ومعناهما متلازمان لِأَن أَيهمَا كَانَ يدْخل فِيهِ الآخر إِن أَرَادَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فالصحابة فِي ذَلِك كَانُوا مَعَه، وَإِن أَرَادَ الصَّحَابَة فالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إمَامهمْ، وَخبر: كَانُوا، مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ كَانَ يُصليهَا، أَي: كَانُوا يصلونَ. وَقَالَ ابْن بطال: ظَاهره أَن الصُّبْح كَانَ يُصليهَا بِغَلَس، اجْتَمعُوا أَو لم يجتمعوا، وَلَا يفعل فِيهَا كَمَا يفعل فِي الْعشَاء، وَهَذَا من أفْصح الْكَلَام، وَفِيه حذفان: حذف خبر: كَانُوا، وَهُوَ جَائِز كحذف خبر الْمُبْتَدَأ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {واللائي لم يحضن} (الطَّلَاق: ٤) . وَالْمعْنَى: واللائي لم يحضن فعدتهن مثل ذَلِك ثَلَاثَة أشهر، والحذف الثَّانِي حذف الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ الْخَبَر لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ، وَحذف الْجُمْلَة الَّتِي بعد: أَو مَعَ كَونهَا مقتضية لَهَا. وَقَالَ السفاقسي: تَقْدِيره: أَو لم يَكُونُوا مُجْتَمعين، وَيصِح أَن تكون: كَانَ، تَامَّة غير نَاقِصَة، فَتكون بِمَعْنى الْحُضُور والوقوع، وَيكون الْمَحْذُوف مَا بعد: أَو، وخاصة. وَقَالَ ابْن الْمُنِير: يحْتَمل أَن يكون شكا من الرَّاوِي، هَل قَالَ: كَانَ النَّبِي، أَو كَانُوا؟ وَيحْتَمل أَن يكون تَقْدِيره: وَالصُّبْح كَانُوا مُجْتَمعين مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحده يُصليهَا بِغَلَس قلت: الْأَوْجه مَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَول كل وَاحِد من الثَّلَاثَة لَا يَخْلُو عَن تعسف لَا يخفى ذَلِك على المتأمل. قَوْله: بِغَلَس) مُتَعَلق بقوله: (كَانُوا) ، أَو: (كَانَ) بِاعْتِبَار الشَّك، فَإِن علقتها بقوله: (كَانُوا) لَا يلْزم مِنْهُ أَن لَا يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَهم، وَإِن علقتها: (بكان) لَا يلْزم أَن لَا يكون أَصْحَابه مَعَه، والغلس، بِفتْحَتَيْنِ: ظلمَة آخر اللَّيْل.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: بَيَان معرفَة أَوْقَات الصَّلَاة الْخمس. وَفِيه: بَيَان الْمُبَادرَة إِلَى الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا إلَاّ مَا ورد فِيهِ الْإِبْرَاد بِالظّهْرِ والإسفار بالصبح، وَتَأْخِير الْعشَاء عِنْد تَأَخّر الْجَمَاعَة. وَفِيه: السُّؤَال عَن أهل الْعلم. وَفِيه: تعين الْجَواب على المسؤول عَنهُ إِذا علم بالمسؤول.

٥٦ - ح دَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ قالَ حدَّثَنا يَزِيدُ بنُ أبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَغْرِبَ إذَا تَوَارَتْ بالحِجَابِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ يعلم مِنْهُ أَن وَقت الْمغرب بغيبوبة الشَّمْس.

ذكر رِجَاله: وهم ثَلَاثَة: الْمَكِّيّ

<<  <  ج: ص:  >  >>