الصّفة، هُوَ مَوضِع مظلل فِي الْمَسْجِد كَانَ للْمَسَاكِين والغرباء، وهم الأوفاض، أَي: الْفرق والأخلاط من النَّاس يأوون إِلَيْهِ، وعدَّ مِنْهُم أَبُو نعيم فِي (الْحِلْية) مائَة ونيفا. قَوْله: (كَانُوا أُنَاسًا) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (كَانُوا نَاسا) ، بِلَا ألف، وَالنَّاس والأناس بِمَعْنى وَاحِد. قَوْله: (فليذهب بثالث) ، أَي: من أَصْحَاب الصّفة، هَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَهُوَ الْأَصَح من رِوَايَة مُسلم: (فليذهب بِثَلَاثَة) ، لِأَن ظَاهرهَا صيرورتهم خَمْسَة، وَحِينَئِذٍ لَا يمسك رَمق أحد بِخِلَاف الْوَاحِد مَعَ الْإِثْنَيْنِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَو حملت رِوَايَة مُسلم على ظَاهرهَا فسد الْمَعْنى، وَذَلِكَ أَن الَّذِي عِنْده طَعَام إثنين إِذا أكله فِي خَمْسَة لم يكف أحدا مِنْهُم، وَلَا يمسك رمقه، بِخِلَاف الْوَاحِد مَعَ الِاثْنَيْنِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَالَّذِي فِي مُسلم أَيْضا لَهُ وَجه تَقْدِيره: فليذهب بِمن يتم بِثَلَاثَة، أَو بِتمَام ثَلَاثَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام} (فصلت: ١٠) . أَي: فِي تَمام أَرْبَعَة أَيَّام. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: لم يقل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن طَعَام الْإِثْنَيْنِ يشْبع الثَّلَاثَة. إِنَّمَا قَالَ: يَكْفِي، وَهُوَ غير الشِّبَع، وَكَانَت الْمُوَاسَاة إِذْ ذَاك وَاجِبَة لشدَّة الْحَال. قَوْله: (وَإِن أَربع فخامس أَو سادس) أَي: وَإِن كَانَ عِنْده طَعَام أَربع فليذهب بخامس أَو بسادس، هَذَا وَجه الْجَرّ فِي: خامسٍ وسادسٍ، ويروى برفعهما، فوجهه كَذَلِك لَكِن بِإِعْطَاء الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ أَربع اعراب الْمُضَاف وَهُوَ: طَعَام، وبإضمار مُبْتَدأ للفظ: خَامِس. وَفِي رِوَايَة مُسلم: (من كَانَ عِنْده طَعَام أَرْبَعَة فليذهب بخامس بسادس) . وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ يتَصَوَّر السَّادِس إِذا كَانَ يتَصَوَّر السَّادِس إِذا كَانَ عِنْده طَعَام أَربع؟ قلت: مَعْنَاهُ: فليذهب بخامس أَو بسادس مَعَ الْخَامِس، وَالْعقل يدل عَلَيْهِ، إِذْ السَّادِس يسْتَلْزم خَامِسًا، فَكَأَنَّهُ قَالَ فليذهب بِوَاحِد أَو بإثنين، وَالْحَاصِل أَن: أَو: لَا تدل على منع الْجمع بَينهمَا، وَيحْتَمل أَن يكون معنى: أَو سادس، وَأَن كَانَ عِنْده طَعَام خمس فليذهب بسادس، فَيكون من بَاب عطف الْجُمْلَة على الْجُمْلَة. وَقَالَ ابْن مَالك: هَذَا الحَدِيث مِمَّا حذف فِيهِ بعد: أَن وَالْفَاء، فعلان وحرفا جرٍ باقٍ عملهما، وَتَقْدِيره: وَإِن قَامَ بأَرْبعَة فليذهب بخامس أَو بسادس، وَفِي (التَّوْضِيح) : كلمة: أَو، للتنويع وَقيل: للْإِبَاحَة. قَوْله: (وَانْطَلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ هُنَا: انْطلق، وَعَن أبي بكر قَالَ: جَاءَ لِأَن الْمَجِيء هُوَ الْمَشْي المقرب إِلَى الْمُتَكَلّم. والانطلاق الْمَشْي المبعد عَنهُ. قَوْله: (قَالَ) أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن (فَهُوَ أَنا وَأبي وَأمي) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (فَهُوَ أَنا وَأمي) . وَقَوله: وَقَوله هُوَ ضمير الشان وانا مُبْتَدأ وَأبي وَأمي عطف عَلَيْهِ وَخَبره مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ السِّيَاق قَوْله (وَلَا ادري) كَلَام ابي عُثْمَان النَّهْدِيّ الرَّاوِي قَوْله (وخادم) ، بِالرَّفْع عطف على: امْرَأَتي، على تَقْدِير: أَن يكون لفظ: إمرأتي مَوْجُودا فِيهِ، وإلَاّ فَهُوَ عطف على: أُمِّي، قَوْله: (بَين بيتنا وَبَيت أبي بكر) هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة: (بَيْننَا وَبَين أبي بكر) يَعْنِي: مُشْتَرك خدمتها بَيْننَا وَبَين أبي بكر. وَقَوله: بَين، ظرف لخادم. قَوْله: (تعشى) أَي: أكل الْعشَاء، وَهُوَ بِفَتْح الْعين: الطَّعَام الَّذِي يُؤْكَل آخر النَّهَار. قَوْله: (ثمَّ لبث) أَي: فِي دَاره. قَوْله: (حَتَّى صليت) ، بِلَفْظ الْمَجْهُول، وَهَذِه رِوَايَة الْكشميهني، يَعْنِي لفظ: حَتَّى، وَفِي رِوَايَة غَيره: (حَيْثُ صليت) ، قَوْله: (الْعشَاء) أَي: صَلَاة الْعشَاء. قَوْله: (ثمَّ رَجَعَ) أَي: إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِي (صَحِيح) الْإِسْمَاعِيلِيّ، (ثمَّ ركع) ، بِالْكَاف أَي: صلى النَّافِلَة بعد الْعشَاء، فَدلَّ هَذَا على أَن قَول البُخَارِيّ: ثمَّ رَجَعَ، لَيْسَ مِمَّا اتّفق عَلَيْهِ الروَاة. قَوْله: (حَتَّى تعشى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَعند مُسلم: (حَتَّى نعس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، قَوْله: (قَالَت لَهُ) أَي لأبي بكر (امْرَأَته) وَهِي: أم رُومَان، بِضَم الرَّاء وَفتحهَا. وَقَالَ السُّهيْلي: اسْمهَا: دعد، وَقَالَ غَيره: زَيْنَب، وَهِي من بني فراس بن غنم بن مَالك بن كنَانَة. قَوْله: أَو ضيفك) شكّ من الرَّاوِي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: (ضيفك) . فَأن قلت: هم كَانُوا ثَلَاثَة، فَلم أفرد؟ قلت: هُوَ لفظ الْجِنْس يُطلق على الْقَلِيل وَالْكثير، أَو مصدر يتَنَاوَل الْمثنى وَالْجمع. انْتهى. قلت: هَذَا السُّؤَال على أَن نسخته كَانَت: ضيفك، بِدُونِ. قَوْله: (أضيافك) ، وَلَكِن قَوْله: أَو مصدر، غير صَحِيح لفساد الْمَعْنى. قَوْله: (أَوَمَا عَشَّيْتِيهِم) الْهمزَة للاستفهام، وَالْوَاو للْعَطْف على مُقَدّر بعد الْهمزَة. ويروى: عشيتهم، بِالْيَاءِ الْحَاصِلَة من إشباع الكسرة. قَوْله: (أَبَوا) أَي: امْتَنعُوا، وامتناعهم من الْأكل رفقا بِهِ لظنهم أَنه لَا يجد عشَاء، فصبروا حَتَّى يَأْكُل مَعَهم. قَوْله: (قد عرضوا) بِفَتْح الْعين أَي: الْأَهْل من: الابْن وَالْمَرْأَة وَالْخَادِم. وَفِي رِوَايَة (فعرضنا عَلَيْهِم) ، ويروى: (قد عرضوا) على صِيغَة الْمَجْهُول، ويروى: (قد عرصوا) ، بالصَّاد الْمُهْملَة. وَقَالَ ابْن التِّين: لَا أعلم وَجها، وَيحْتَمل أَن يكون من: عرص إِذا نشط، فَكَأَن أهل الْبَيْت نشطوا فِي الْعَزِيمَة عَلَيْهِم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض النّسخ بِضَم الْعين أَي: عرض الطَّعَام على الأضياف، فَحذف الْجَار وأوصل الْفِعْل، أَو هُوَ من بَاب الْقلب، نَحْو: عرضت الْحَوْض على النَّاقة. قَوْله: (قَالَ فَذَهَبت) ، أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن. قَوْله: (فاختبأت أَي: اختفيت، وَكَانَ اختفاؤه خوفًا من خصام
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute