للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَن أهل بَلْدَة اجْتَمعُوا على ترك الْأَذَان لقاتلتهم عَلَيْهِ، وَلَو تَركه وَاحِد ضَربته وحبسته. وَقيل: إِنَّه عِنْد مُحَمَّد من فروض الْكِفَايَة، وَفِي (الْمُحِيط) و (التُّحْفَة) و (الْهِدَايَة) : الآذان سنة مُؤَكدَة، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَإِسْحَاق. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء.

٦٠٤ - حدَّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلَانَ قالَ حدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي نافِعٌ أنَّ ابنَ عُمَرَ كانَ يَقُولُ كانَ المُسْلِمُونَ حَينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاةَ لَيْسَ يُنَادِي لَهَا فَتَكَلَّمُوا يَوْما فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتَّخَذُوا ناقُوسا مِثْلَ ناقُوسِ النَّصَارَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ بُوقا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ فَقَالَ عُمَرُ أوَ لَا تَبْعَثُونَ رَجُلاً مِنْكُمْ يُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا بِلَالُ قُمْ فنَادِ بِالصَّلَاةِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله) (يَا بِلَال قُم فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) . . فَإِن قلت: كَيفَ يُطَابق التَّرْجَمَة والترجمة فِي بَدْء الْأَذَان والْحَدِيث يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِلَالًا بالنداء بِالصَّلَاةِ، والنداء لَا يفهم مِنْهُ الْأَذَان الْمَعْهُود بالكلمات الْمَخْصُوصَة؟ قلت: المُرَاد بالنداء الْأَذَان الْمَعْهُود، وَيدل على أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث، وَلَفظه: (فَأذن بِالصَّلَاةِ) . وَكَذَا قَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: إِن المُرَاد الْأَذَان الْمَشْرُوع. فَإِن قلت: قَالَ القَاضِي عِيَاض: المُرَاد الْإِعْلَام الْمَحْض بِحُضُور وَقتهَا، لَا خُصُوص الْأَذَان الْمَشْرُوع. قلت: يحمل أَنه اسْتندَ فِي ذَلِك على ظَاهر اللَّفْظ، وَلَئِن سلمنَا مَا قَالَه فالمطابقة بَينهمَا مَوْجُودَة بِاعْتِبَار أَن أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِبلَال بالنداء بِالصَّلَاةِ كَانَ بَدْء الْأَمر فِي هَذَا الْبَاب، فَإِنَّهُ لم يسْبق أَمر بذلك قبله، بل إِنَّمَا قَالَ ذَلِك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد تحينهم للصَّلَاة وتشاورهم فِيمَا بَينهم مَاذَا يَفْعَلُونَ فِي الْإِعْلَام بِالصَّلَاةِ.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد تكَرر ذكرهم. و: غيلَان، بالغين الْمُعْجَمَة، وَابْن جريج هُوَ: عبد الْملك.

وَمن لطائفه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، والإخبار فِي موضِعين: أَحدهمَا: بِصِيغَة الْجمع، وَالْآخر: بِصِيغَة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.

بَيَان من أخرحه غَيره: وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَعَن هَارُون بن عبد الله. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي النَّضر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَإِبْرَاهِيم بن الْحسن.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن عبد الله بن عمر: أَنه قَالَ: قَوْله: (حِين قدمُوا الْمَدِينَة) ، أَي: من مَكَّة مُهَاجِرين. قَوْله: (فيتحينون) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة، أَي: يقدرُونَ حينها ليأتوا إِلَيْهَا، وَهُوَ من التحين من بَاب التفعل الَّذِي وضع للتكلف غَالِبا، والتحين من الْحِين وَهُوَ الْوَقْت والزمن. قَوْله: (لَيْسَ يُنادَى لَهَا) ، أَي: للصَّلَاة، وَهُوَ على بِنَاء الْمَفْعُول. وَقَالَ ابْن مَالك: هَذَا شَاهد على جَوَاز اسْتِعْمَال: لَيْسَ، حرفا لَا اسْم لَهَا وَلَا خبر لَهَا، أَشَارَ إِلَيْهَا سِيبَوَيْهٍ، وَيحْتَمل أَن يكون اسْمهَا ضمير الشَّأْن، وَالْجُمْلَة بعْدهَا خَبرا. قَوْله: (اتَّخذُوا) على صُورَة الْأَمر. قَوْله: (بوقا) أَي: قَالَ بَعضهم: اتَّخذُوا بوقا، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْوَاو الساكنة قَاف، وَهُوَ الَّذِي ينْفخ فِيهِ، وَوَقع فِي بعض النّسخ: (بل قرنا) ، وَهِي رِوَايَة مُسلم وَالنَّسَائِيّ، والبوق والقرن معروفان، وَهُوَ من شعار الْيَهُود، وَيُسمى أَيْضا: الشبور، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة المثقلة. قَوْله: (فَقَالَ عمر أَوَلَا تبعثون؟) الْهمزَة للاستفهام، وَالْوَاو للْعَطْف على مُقَدّر، أَي: أتقولون بموافقتهم وَلَا تبعثون؟ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْهمزَة إِنْكَار للجملة الأولى، أَي: الْمقدرَة، وَتَقْرِير للجملة الثَّانِيَة. قَوْله: (رجلا مِنْكُم) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَلَيْسَ لَفْظَة: مِنْكُم، فِي رِوَايَة غَيره. قَوْله: (يُنَادي) جملَة فعلية مضارعية فِي مَحل النصب على الْحَال من الْأَحْوَال الْمقدرَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يحْتَمل أَن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر برؤياه، وَصدقه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَادر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: (أَولا تبعثون رجلا يُنَادي؟) أَي: يُؤذن بالرؤيا الْمَذْكُورَة. (فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُم يَا بِلَال) . فعلى هَذَا: فالفاء، فِي قَوْله: فَقَالَ عمر. فَاء الفصيحة، وَالتَّقْدِير: فافترقوا، فَرَأى عبد الله بن زيد، فجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقص عَلَيْهِ فَصدقهُ، فَقَالَ عمر: أَولا تبعثوني؟ انْتهى. قلت: هَذَا يُصَرح أَن معنى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (قُم يَا بِلَال فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) ، أَي: فَأذن بالرؤيا الْمَذْكُورَة، وَقَالَ بَعضهم: وَسِيَاق حَدِيث عبد الله بن زيد يُخَالف ذَلِك. فَإِن فِيهِ: لما قصّ رُؤْيَاهُ على النَّبِي، صلى

<<  <  ج: ص:  >  >>