للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَنه نَهَاهُ عَن رفع الصَّوْت، قلت: كَأَنَّهُ كَانَ يطرب فِي صَوته ويتنغم، وَلَا ينظر إِلَى مد الصَّوْت مُجَردا عَن ذَلِك، فَأمره عمر بن عبد الْعَزِيز بالسماحة. وَهِي: السهولة، وَهُوَ أَن يسمح بترك التطريب ويمد صَوته، وَيدل على ذَلِك مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد فِيهِ لين من حَدِيث ابْن عَبَّاس: (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ مُؤذن يطرب، فَقَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمُؤَذّن سهل سمح، فَإِن كَانَ أذانك سهلاً سَمحا وإلَاّ فَلَا تؤذن) ، وَيحْتَمل أَن هَذَا الْمُؤَذّن لم يكن يفصح فِي كَلَامه، ويغمغم فَأمره عبد الْعَزِيز بالسماحة فِي أَذَانه، وَهِي: ترك الغمغمة بِإِظْهَار الفصاحة، وَهَذَا لَا يكون إِلَّا بِمد الصَّوْت بحدة. وروى مجاشع عَن هَارُون بن مُحَمَّد عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يُؤذن لكم إلَاّ فصيح) ، وَقَالَ ابْن عدي: هَارُون هَذَا لَا يعرف، وَأما التَّعْلِيق الْمَذْكُور فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عمر بن سعد عَن أبي الْحسن: أَن مُؤذنًا أذن فطرب لَهُ فِي أَذَانه، فَقَالَ لَهُ عمر ابْن عبد الْعَزِيز: أذن أذانا سَمحا وإلَاّ فاعتزلنا. قَوْله: (أذن) بِلَفْظ الْأَمر من الْفِعْل، وَهُوَ خطاب لمؤذنه. قَوْله: (سَمحا) أَي: سهلا بِلَا نغمات وتطريب. قَوْله: (فاعتزلنا أَي: فاترك منصب الْأَذَان.

٦٠٩ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بنِ عَبْدِ الله بنِ عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ أبي صَعْصَعْة الأنْصَارِيِّ ثُمَّ المَازِنِيِّ عنْ أبِيهِ أنَّهُ أخْبَرَهُ أنَّ أَبَا سعِيدٍ الخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ إنِّي أراكَ تُحِبُّ الغَنَمَ والبَادِيَةَ فَإذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بالصَّلَاةِ فارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤذِّنٌّ جِنُّ ولَا إنْسٌ ولَا شَيْءٌ إلأَّ شَهِدَ لهُ يَوْمَ القِيَامَةِ قَالَ أبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ منْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فارفع صَوْتك بالنداء) .

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن يُوسُف التنيسِي. الثَّانِي: الإِمَام مَالك بن أنس. الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة، بالمهملات المفتوحات إِلَّا الْعين الأولى، فَإِنَّهَا سَاكِنة: الْأنْصَارِيّ الْمَازِني: بالزاي وَالنُّون، مَاتَ فِي خلَافَة أبي جَعْفَر، وَمِنْهُم من ينْسبهُ إِلَى جده، وَاسم أبي صعصعة: عَمْرو بن زيد بن عَوْف مبذول بن عَمْرو بن غنم بن مَازِن بن النجار، مَاتَ أَبُو صعصعة فِي الْجَاهِلِيَّة وَابْنه عبد الرَّحْمَن صَحَابِيّ. الرَّابِع: أَبوهُ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن. الْخَامِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ. ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد، وبصيغة الإِفراد فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله من أَفْرَاد البُخَارِيّ. وَفِيه: أَن رُوَاته مدنيون مَا خلا شيخ البُخَارِيّ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي ذكر الْجِنّ عَن قُتَيْبَة، وَفِي التَّوْحِيد عَن اسماعيل وَعَن ابي نعيم عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة الْمَاجشون عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة عَن أَبِيه. ذكره خلف وَحده، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم، لم أَجِدهُ وَلَا ذكره أَبُو مَسْعُود، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي صعصعة عَن أَبِيه عَن أبي سعيد بِهِ، كَذَا يَقُول سُفْيَان.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَالَ لَهُ) ، أَي: قَالَ أَبُو سعيد لعبد الله بن عبد الرَّحْمَن. قَوْله: (والبادية) ، أَي: وتحب الْبَادِيَة أَيْضا لأجل الْغنم، لِأَن محب الْغنم يحْتَاج إِلَى إصلاحها بالمرعى، وَهُوَ فِي الْغَالِب يكون فِي الْبَادِيَة، وَهِي الصَّحرَاء الَّتِي لَا عمَارَة فِيهَا. قَوْله: (فَإِذا كنت فِي غنمك) ، أَي: بَين غنمك، وَكلمَة: فِي، تَأتي بِمَعْنى بَين، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فادخلي فِي عبَادي} (الْفجْر: ٢٩) . وَفِي (الْمُخَصّص) : الْغنم جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه. وَقَالَ ابو حَاتِم: وَهِي انثى. وَعَن صَاحب (الْعين) : الْجمع أَغْنَام وأغانم وغنوم. وَفِي (الْمُحكم) : ثنوه فَقَالُوا: غنمان. وَفِي (الْجَامِع) : هُوَ اسْم لجمع الضَّأْن والمعز. وَفِي (الصِّحَاح) : مَوْضُوع للْجِنْس يَقع على الذُّكُور وَالْإِنَاث وَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا. قَوْله: (أَو باديتك) كلمة: أَو، هُنَا يحْتَمل أَن تكون للشَّكّ من الرَّاوِي، أَو تكون للتنويع، لِأَنَّهُ قد يكون فِي غنم بِلَا بادية، وَقد يكون فِي بادية بِلَا غنم، وَقد يكون فيهمَا مَعًا. وَقد لَا يكون فيهمَا مَعًا، وعَلى كل حَال لَا يتْرك الْأَذَان. قَوْله: (فَأَذنت للصَّلَاة) أَي: لأجل

<<  <  ج: ص:  >  >>