الْمُعْتَبر هُوَ الَّذِي يكون بعد دُخُول الْوَقْت، وَلِأَن الْأَذَان الْوَاقِع بعد طُلُوع الْفجْر لَا خلاف فِيهِ، بِخِلَاف الْأَذَان الَّذِي قبله.
٦١٨ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ قالَ أخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا اعْتَكَفَ المُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ
وَجه مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة لَا يَسْتَقِيم إلَاّ على مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَة عَن مَالك:(كَانَ إِذا سكت الْمُؤَذّن صلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين) . لِأَنَّهُ يدل على أَن رُكُوعه كَانَ مُتَّصِلا بأذانه، وَلَا يجوز أَن يكون رُكُوعه إِلَّا بعد الْفجْر، فَلذَلِك كَانَ الْأَذَان بعد الْفجْر، وعَلى هَذَا الْمَعْنى حمله البُخَارِيّ وَترْجم عَلَيْهِ: بَاب الْأَذَان بعد الْفجْر.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة، تكَرر ذكرهم. وَفِي الْإِسْنَاد: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْفِعْل الْمُؤَنَّث فِي مَوضِع وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين، والرواة مدنيون مَا خلا عبد الله.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَعَن مُسَدّد عَن يحيى. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ. وَعَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَعبيد الله ابْن سعيد وَعَن زُهَيْر عَن إِسْمَاعِيل بن علية وَعَن أَحْمد بن عبد الله بن الحكم وَعَن اسحاق بن ابراهيم وَعَن مُحَمَّد بن عباد واخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن الْحسن بن عَليّ وَفِي الشَّمَائِل عَن احْمَد بن منيع وَعَن قُتَيْبَة عَن مَرْوَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن عبد الله بن الحكم وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَعَن شُعَيْب وَعَن هِشَام بن عمار وَعَن يحيى بن مُحَمَّد وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله وَعَن مُحَمَّد بن سَلمَة وَعَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّزَّاق. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن رمح بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كَانَ إِذا اعْتكف الْمُؤَذّن للصبح) ، هَكَذَا رَوَاهُ عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك، وَهَكَذَا هُوَ عِنْد جُمْهُور الروَاة من البُخَارِيّ، وَخَالف عبد الله سَائِر الروَاة عَن مَالك، فَرَوَوْه:(كَانَ إِذا سكت الْمُؤَذّن من الْأَذَان لصَلَاة الصُّبْح، وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسلم وَغَيره، وَهُوَ الصَّوَاب: وَقَالَ ابْن قرقول: رِوَايَة الْأصيلِيّ والقابسي وَأبي ذَر: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اعْتكف الْمُؤَذّن للصبح وبدا الصُّبْح ركع رَكْعَتَيْنِ) . وَقَالَ الْقَابِسِيّ: معنى اعْتكف هُنَا: انتصب قَائِما للأذان، كَأَنَّهُ من مُلَازمَة مراقبة الْفجْر، وَفِي رِوَايَة الْهَمدَانِي:(كَانَ إِذا أذن الْمُؤَذّن) . وَعند النَّسَفِيّ:(كَانَ إِذا اعْتكف أذن الْمُؤَذّن للصبح) ، وَقَالَ بَعضهم: وَقد أطلق جمَاعَة من الْحفاظ القَوْل: بِأَن الْوَهم فِيهِ من عبد الله بن يُوسُف شيخ البُخَارِيّ. انْتهى. قلت: الْحَاصِل هَهُنَا خمس رِوَايَات، ولكلها وَجه فَلَا يحْتَاج إِلَى نِسْبَة الْوَهم إِلَى أحد مِنْهُم. الرِّوَايَة الأولى: رِوَايَة عبد الله بن يُوسُف كَانَ إِذا اعْتكف الْمُؤَذّن للصبح، وَمعنى اعْتكف قد مر الْآن. وَالثَّانيَِة: إِذا سكت الْمُؤَذّن، وَهِي ظَاهِرَة لَا نزاع فِيهَا. وَالثَّالِثَة: كَانَ إِذا أذن الْمُؤَذّن، وَهِي أَيْضا ظَاهِرَة كَذَلِك. وَالرَّابِعَة: كَانَ إِذا اعْتكف أذن الْمُؤَذّن، يَعْنِي إِذا اعْتكف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَجَوَاب: إِذا هُوَ قَوْله: (صلى رَكْعَتَيْنِ) ، وَقَوله:(أذن الْمُؤَذّن) ، جملَة وَقعت حَالا بِتَقْدِير: قد، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{أوجاؤكم حصرت صُدُورهمْ}(النِّسَاء: ٩٠) ، أَي: قد حصرت. الْخَامِسَة:(كَانَ إِذا اعْتكف وَأذن الْمُؤَذّن) . وَكَذَلِكَ الضَّمِير فِي: اعْتكف، هَهُنَا يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَوله:(وَأذن) عطف عَلَيْهِ. فَإِن قلت: على هَذَا يلْزم أَن يكون هَذَا مُخْتَصًّا بِحَال اعْتِكَافه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ كَذَلِك؟ قلت: الْمُلَازمَة مَمْنُوعَة لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن حَفْصَة راوية الحَدِيث الْمَذْكُور قد شاهدت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك الْوَقْت، وَهُوَ فِي الِاعْتِكَاف، وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل هَذَا الْوَقْت فِي الِاعْتِكَاف. فَافْهَم. قَوْله:(وبدا الصُّبْح) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، فعل مَاض من: البدو، وَهُوَ الظُّهُور، أُسند إِلَى الصُّبْح وَهُوَ فَاعله، و: الْوَاو، فِيهِ وَاو الْحَال لَا وَاو الْعَطف، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات: وندا الصُّبْح، بالنُّون من المناداة. قَالَ: وَهُوَ الْأَصَح. وَقَالَ بَعضهم: ظن أَنه مَعْطُوف على قَوْله: (للصبح) ، فَيكون التَّقْدِير: لنداء الصُّبْح، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الحَدِيث فِي جَمِيع