للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأنصَارِيَّ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ كَانَ المُؤَذِّنُ إذَا أذَّنَ قامَ ناسٌ مِن أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرَبِ ولَمْ يَكُنْ بَيْنَ الآذَانِ والإقَامَةِ شَيْءٌ (انْظُر الحَدِيث ٥٠٣) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وهم يصلونَ الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب) فَإِن صلَاتهم قبل صَلَاة الْمغرب بعد الْأَذَان فصل بَينه وَبَين الْإِقَامَة، وَبِهَذَا أَخذ أَحْمد وَإِسْحَاق. وَالْجَوَاب مَا ذَكرْنَاهُ من اسْتثِْنَاء الْمغرب فِي حَدِيث بُرَيْدَة الْمَذْكُور آنِفا.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة، ذكرُوا غير مرّة، وبشار على وزن: فعال بِالتَّشْدِيدِ، وَالْبَاء الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة، وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة: لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر ابْن امْرَأَة شُعْبَة، وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن عَامر الْأنْصَارِيّ، مر فِي بَاب الْوضُوء من غير حدث.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: السماع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني وواسطي، وَهُوَ شُعْبَة.

بَيَان مَحل تعدده وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن قبيصَة عَن سُفْيَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن أبي عَامر عَن سُفْيَان عَنهُ بِهِ نَحوه، وَفِي نُسْخَة عَن شُعْبَة بدل عَن سُفْيَان.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كَانَ الْمُؤَذّن إِذا أذن) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (إِذا أَخذ الْمُؤَذّن فِي أَذَان الْمغرب) . قَوْله: (قَامَ نَاس) ، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: (قَامَ كبار أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،) . قَوْله: (يبتدرون) ، أَي: يتسارعون ويستبقون. قَوْله: (السَّوَارِي) جمع سَارِيَة وَهِي: الأسطوانة، وَكَانَ غرضهم بالاستباق إِلَيْهَا الاستتار بهَا مِمَّن يمر بَين أَيْديهم لكَوْنهم يصلونَ فُرَادَى. قَوْله: (وهم كَذَلِك) ، أَي: فِي تِلْكَ الْحَالة هم مبتدرون منتظرون الْخُرُوج، وَفِي رِوَايَة مُسلم زِيَادَة وَهِي: (فَيَجِيء الْغَرِيب فيحسب أَن الصَّلَاة قد صليت من كَثْرَة من يُصليهَا) . رَوَاهَا من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات: (وَهِي كَذَلِك) ، بدل: وهم، والأمران جائزان فِي ضمير الْعُقَلَاء، نَحْو: الرِّجَال فعلت وفعلوا. قَوْله: (قَالَ وَلم يكن بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة شَيْء) ، أَي: قَالَ أنس: وَلم يكن بَينهمَا زمَان أَو صَلَاة. فَإِن قلت: هَذَا أثر وَهُوَ ناف، وَالَّذِي سبق قبله من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُثبت، فَكيف الْجمع بَينهمَا؟ قلت: قَالَ ابْن الْمُنِير: يجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِحمْل النَّفْي الْمُطلق على الْمُبَالغَة مجَازًا، وَالْإِثْبَات للتَّعْلِيل على الْحَقِيقَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَجه الْجمع بَينهمَا أَن هَذَا خَاص بِأَذَان الْمغرب، وَذَاكَ عَام، وَالْخَاص إِذا عَارض الْعَام يخصصه عِنْد الشَّافِعِيَّة، سَوَاء علم تَأَخره أم لَا، وَالْمرَاد بقوله: (كل أذانين) غير أذاني الْمغرب، وَقيل: التَّنْوِين فِيهِ للتنكير والتعظيم، وَنفي الْكثير لَا يسْتَلْزم نفي الْقَلِيل، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من حَدِيث شُعْبَة: (وَكَانَ بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة قرب. قلت: يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عُثْمَان بن جبلة وَأَبُو دَاوُد عَن شُعْبَة: (وَلم يكن بَينهمَا إلَاّ قَلِيل) . وَقيل: حَدِيث الْبَاب على ظَاهره، وَقَوله: وَلم يكن بَينهمَا شَيْء، يدل على أَن عُمُوم قَوْله: (بَين كل أذانين صَلَاة) مَخْصُوص بالمغرب، فَإِنَّهُم لم يَكُونُوا يصلونَ بَينهمَا، بل كَانُوا يشرعون فِي الصَّلَاة فِي أثْنَاء الْأَذَان ويفرغون مَعَ فَرَاغه، وَيُؤَيّد ذَلِك حَدِيث بُرَيْدَة الْمَذْكُور عَن قريب، فَإِن فِيهِ اسْتثِْنَاء الْمغرب كَمَا ذكرنَا. قلت: قَول هَذَا الْقَائِل: ويفرغون مَعَ فَرَاغه، فِيهِ نظر لِأَنَّهُ مَا فِي الحَدِيث شَيْء يدل على ذَلِك، وشروعهم فِي الْأَذَان لَا يسْتَلْزم فراغهم مَعَ فرَاغ الْأَذَان، وَادّعى بعض الْمَالِكِيَّة نسخهما لِأَن ذَلِك كَانَ فِي أول الْأَمر لما نهى عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب، ثمَّ ندب الْمُبَادرَة إِلَى الْمغرب فِي أول وَقتهَا، فَلَو استمرت الْمُوَاظبَة على الِاشْتِغَال بغَيْرهَا لَكَانَ ذَلِك ذَرِيعَة إِلَى مُخَالفَة إِدْرَاك أول وَقتهَا. وَقَالَ بَعضهم: دَعْوَى النّسخ لَا دَلِيل عَلَيْهَا. قلت: يسْتَأْنس لتأييد قَول هَذَا الْقَائِل بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن طَاوس، قَالَ: سُئِلَ ابْن عمر عَن الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْت أحدا على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُصَلِّيهمَا. وَقَالَ أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ: اخْتلف الصَّحَابَة فِيهِ، وَلم يَفْعَله أحد بعد الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَقَالَ النَّخعِيّ: إِنَّهَا بِدعَة، وَرُوِيَ عَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة أَنهم كَانُوا لَا يصلونهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>