للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْكرْمَانِي: وَالْحكمَة فِيهِ أَن لَا يسْتَغْرق فِي النّوم، لِأَن الْقلب من جِهَة الْيَسَار مُتَعَلق حِينَئِذٍ غير مُسْتَقر، وَإِذا نَام على الْيَسَار كَانَ فِي دعة واستراحة فيستغرق، وَأَيْضًا يكون انحدار الثّقل إِلَى سفل أسهل وَأكْثر فَيصير سَببا لدغدغة قَضَاء الْحَاجة فينتبه فِي أسْرع وَقت. قلت: لَا يستحسن هَذَا الْكَلَام فِي حَقه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا يمشي فِي حق غَيره، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحب التَّيَامُن فِي كل شَيْء، وَجَمِيع مَا صدر عَنهُ من قَول وَفعل كَانَ على أحسن الْوُجُوه وأفضلها وأكملها، وَأَيْضًا النّوم على الْيَمين نوم الصَّالِحين، وعَلى الْيَسَار نوم الْحُكَمَاء، وعَلى الظّهْر نوم الجبارين والمتكبرين، وعَلى الْوَجْه نوم الْكفَّار.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ فِيهِ: اسْتِحْبَاب التَّخْفِيف فِي سنة الْفجْر، وَاسْتحبَّ قوم تخفيفها، وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي آخَرين. وَقَالَ النَّخعِيّ، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيّ: لَا بَأْس بإطالتها، وَلَعَلَّه أَرَادَ بذلك غير محرم. وَفِي (مُصَنف) ابْن أبي شيبَة: عَن سعيد بن جُبَير: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُبمَا أَطَالَ رَكْعَتي الْفجْر) ، وَقَالَ مُجَاهِد: لَا بَأْس أَن يُطِيل رَكْعَتي الْفجْر، وَبَالغ قوم فَقَالُوا: لَا قِرَاءَة فِيهَا، حَكَاهُ عِيَاض والطَّحَاوِي: والْحَدِيث الصَّحِيح يرد ذَلِك، وَهُوَ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الأولى بِفَاتِحَة الْكتاب و: {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} (الْكَافِرُونَ: ١) . وَفِي الثَّانِيَة بِالْفَاتِحَةِ و {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: ١) . وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس كَانَ يقْرَأ فيهمَا: {قُولُوا آمنا بِاللَّه} (الْبَقَرَة: ١٣٦) . وَبِقَوْلِهِ: {قل يَا أهل الْكتاب} (آل عمرَان: ٦٤ و ٩٨ و ٩٩، والمائدة: ٥٩ و ٦٨ و ٧٧) . وَاسْتحبَّ مَالك الِاقْتِصَار على الْفَاتِحَة، على ظَاهر قَول عَائِشَة: كَانَ يخففهما حَتَّى إِنِّي لأقول قد قَرَأَ فيهمَا بِأم الْكتاب. وَفِي (فَضَائِل الْقُرْآن الْعَظِيم) لأبي الْعَبَّاس الغافقي: (أَمر رجلا شكى إِلَيْهِ شَيْئا أَن يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة ألم نشرح، وَفِي الثَّانِيَة فِي الأولى بِالْفَاتِحَةِ وَسورَة ألم تَرَ كَيفَ) .

وَفِيه: اسْتِحْبَاب الِاضْطِجَاع على الْأَيْمن عِنْد النّوم، وَهُوَ سنة عِنْد الْبَعْض وَاجِب عِنْد الْحسن الْبَصْرِيّ، وَذكر القَاضِي عِيَاض: أَن عِنْد مَالك وَجُمْهُور الْعلمَاء وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة بِدعَة. قلت: يَعْنِي الِاضْطِجَاع بعد رَكْعَتي الْفجْر، وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) وَالتِّرْمِذِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا صلى أحدكُم رَكْعَتي الْفجْر فليضطجع على يَمِينه) . وَاعْلَم أَنه ثَبت فِي الصَّحِيح (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إِحْدَى عشرَة رَكْعَة يُوتر مِنْهَا بِوَاحِدَة، فَإِذا فرغ مِنْهَا اضْطجع على شقَّه حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذّن فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ خفيفتين) ، فَهَذَا الِاضْطِجَاع كَانَ بعد صَلَاة اللَّيْل، وَقبل صَلَاة رَكْعَتي الْفجْر، وَلم يقل أحد: إِن الِاضْطِجَاع قبلهمَا سنة، فَكَذَا بعدهمَا. وَقد رُوِيَ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: (إِن كنت مستيقظة حَدثنِي وَإِلَّا اضْطجع) . فَهَذَا يدل على أَنه لَيْسَ بِسنة، وَأَنه تَارَة كَانَ يضطجع قبل وَتارَة بعد وَتارَة لَا يضطجع.

وَفِيه: اسْتِحْبَاب إتْيَان الْمُؤَذّن إِلَى الإِمَام الرَّاتِب وإعلامه بِحُضُور الصَّلَاة.

وَفِيه: دلَالَة على أَن الِانْتِظَار للصَّلَاة فِي الْبَيْت كالانتظار فِي الْمَسْجِد، إِذْ لَو لم يكن كَذَلِك لخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَسْجِد ليَأْخُذ لنَفسِهِ بحظها من فَضِيلَة الِانْتِظَار.

وَفِيه: أَن مُرَاعَاة الْوَقْت للمؤذن وَأَن الإِمَام يَجْعَل إِلَيْهِ ذَلِك. وَقَالَ الدَّاودِيّ فِي حَدِيث عَائِشَة دلَالَة أَن الْمُؤَذّن لَا يكون إلَاّ عَالما بالأوقات، أَو يكون لَهُ من يعرفهُ بهَا.

وَفِيه: تَعْجِيل رَكْعَتي الْفجْر عِنْد طُلُوع الْفجْر، وَقد كره جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم أَصْحَابنَا التَّنَفُّل بعد أَذَان الْفجْر إِلَى صَلَاة الْفجْر بِأَكْثَرَ من رَكْعَتي الْفجْر، لما فِي مُسلم عَن حَفْصَة: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا طلع الْفجْر لَا يُصَلِّي إلَاّ رَكْعَتَيْنِ خفيفتين) . وَعند أبي دَاوُد: (عَن يسَار مولى ابْن عمر، قَالَ: رَآنِي عبد الله وَأَنا أُصَلِّي بعد طُلُوع الْفجْر، فَقَالَ: يَا يسَار إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج علينا وَنحن نصلي هَذِه الصَّلَاة فَقَالَ: لَا تصلوا بعد الْفجْر إلَاّ رَكْعَتَيْنِ) . وَقَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيث غرب لَا نعرفه إلَاّ من حَدِيث قدامَة بن مُوسَى، وَهَذَا مِمَّا أجمع عَلَيْهِ أهل الْعلم، كَرهُوا أَن يُصَلِّي الرجل بعد طُلُوع الْفجْر إلَاّ رَكْعَتي الْفجْر، وَإِلَى هَذَا ذهب أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد، ولأصحاب الشَّافِعِي فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: مثل الْجَمَاعَة، الثَّانِي: لَا تدخل الْكَرَاهَة حَتَّى يُصَلِّي سنة الْفجْر، الثَّالِث: لَا تدخل الْكَرَاهَة حَتَّى يُصَلِّي الصُّبْح، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ الصَّحِيح، وَالله تَعَالَى أعلم.

١٦ -

بابٌ بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صلاةٌ لِمَنْ شاءَ

أَي: هَذَا بَاب بَيَان أَن بَين كل أذانين صَلَاة، وَقد قُلْنَا: إِن المُرَاد من الأذانين الْأَذَان وَالْإِقَامَة بطرِيق التغليب، كالعمرين والقمرين وَنَحْوهمَا، لَا يُقَال: هَذَا الْبَاب تكْرَار لِأَنَّهُ ذكر قبل هَذَا الْبَاب، لأَنا نقُول: إِنَّه قد ذكر هُنَاكَ بِبَعْض مَا دلّ عَلَيْهِ لفظ حَدِيث الْبَاب، وَهنا ذكر بِلَفْظ الحَدِيث، وَأَيْضًا لما كَانَ بعض اخْتِلَاف فِي رُوَاة الحَدِيث وَفِي مَتنه ذكره بترجمتين بِحَسب ذَلِك.

<<  <  ج: ص:  >  >>