وَفِيه: دلَالَة على أَن الِانْتِظَار للصَّلَاة فِي الْبَيْت كالانتظار فِي الْمَسْجِد، إِذْ لَو لم يكن كَذَلِك لخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَسْجِد ليَأْخُذ لنَفسِهِ بحظها من فَضِيلَة الِانْتِظَار.
وَفِيه: أَن مُرَاعَاة الْوَقْت للمؤذن وَأَن الإِمَام يَجْعَل إِلَيْهِ ذَلِك. وَقَالَ الدَّاودِيّ فِي حَدِيث عَائِشَة دلَالَة أَن الْمُؤَذّن لَا يكون إلَاّ عَالما بالأوقات، أَو يكون لَهُ من يعرفهُ بهَا.
وَفِيه: تَعْجِيل رَكْعَتي الْفجْر عِنْد طُلُوع الْفجْر، وَقد كره جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم أَصْحَابنَا التَّنَفُّل بعد أَذَان الْفجْر إِلَى صَلَاة الْفجْر بِأَكْثَرَ من رَكْعَتي الْفجْر، لما فِي مُسلم عَن حَفْصَة:(كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا طلع الْفجْر لَا يُصَلِّي إلَاّ رَكْعَتَيْنِ خفيفتين) . وَعند أبي دَاوُد:(عَن يسَار مولى ابْن عمر، قَالَ: رَآنِي عبد الله وَأَنا أُصَلِّي بعد طُلُوع الْفجْر، فَقَالَ: يَا يسَار إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج علينا وَنحن نصلي هَذِه الصَّلَاة فَقَالَ: لَا تصلوا بعد الْفجْر إلَاّ رَكْعَتَيْنِ) . وَقَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيث غرب لَا نعرفه إلَاّ من حَدِيث قدامَة بن مُوسَى، وَهَذَا مِمَّا أجمع عَلَيْهِ أهل الْعلم، كَرهُوا أَن يُصَلِّي الرجل بعد طُلُوع الْفجْر إلَاّ رَكْعَتي الْفجْر، وَإِلَى هَذَا ذهب أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد، ولأصحاب الشَّافِعِي فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: مثل الْجَمَاعَة، الثَّانِي: لَا تدخل الْكَرَاهَة حَتَّى يُصَلِّي سنة الْفجْر، الثَّالِث: لَا تدخل الْكَرَاهَة حَتَّى يُصَلِّي الصُّبْح، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ الصَّحِيح، وَالله تَعَالَى أعلم.
١٦ -
بابٌ بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صلاةٌ لِمَنْ شاءَ
أَي: هَذَا بَاب بَيَان أَن بَين كل أذانين صَلَاة، وَقد قُلْنَا: إِن المُرَاد من الأذانين الْأَذَان وَالْإِقَامَة بطرِيق التغليب، كالعمرين والقمرين وَنَحْوهمَا، لَا يُقَال: هَذَا الْبَاب تكْرَار لِأَنَّهُ ذكر قبل هَذَا الْبَاب، لأَنا نقُول: إِنَّه قد ذكر هُنَاكَ بِبَعْض مَا دلّ عَلَيْهِ لفظ حَدِيث الْبَاب، وَهنا ذكر بِلَفْظ الحَدِيث، وَأَيْضًا لما كَانَ بعض اخْتِلَاف فِي رُوَاة الحَدِيث وَفِي مَتنه ذكره بترجمتين بِحَسب ذَلِك.