من الدلالات الثَّلَاث الْمُطَابقَة والتضمن والالتزام وَلَا فِيهِ دلَالَة أصولية ففهم. الثَّانِي مَا قَالَه الْبَاجِيّ وَهُوَ أَن الْخَبَر ورد مورد الزّجر وَحَقِيقَته غير مُرَادة إِنَّمَا المُرَاد الْمُبَالغَة لِأَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على منع عُقُوبَة الْمُسلمين بذلك قيل أَن الْمَنْع وَقع بعد نسخ التعذيب بالنَّار وَكَانَ قبل ذَلِك جَائِزا فَحمل التهديد على حَقِيقَته غير مُمْتَنع. الثَّالِث مَا قَالَه ابْن بزيزة عَن بَعضهم أَنه استنبط من نفس الحَدِيث عدم الْوُجُوب لكَونه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هم بالتوجه إِلَى المتخلفين فَلَو كَانَت الْجَمَاعَة فرض عين مَا هم بِتَرْكِهَا إِذا توجه ثمَّ نظر فِيهِ ابْن بزيرة بِأَن الْوَاجِب يجوز تَركه لما هُوَ أوجب مِنْهُ. الرَّابِع مَا قيل أَن تَركه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تحريقهم بعد التهديد يدل على عدم الْفَرْضِيَّة. الْخَامِس مَا قَالَه عِيَاض وَهُوَ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هم وَلم يفعل. السَّادِس مَا قَالَه النَّوَوِيّ وَهُوَ أَنَّهَا لَو كَانَت فرض عين لما تَركهم وَهَذَا أقرب من الأول. السَّابِع مَا قيل أَن المُرَاد بالتهديد قوم تركُوا الصَّلَاة رَأْسا لَا مُجَرّد الْجَمَاعَة ورد بِمَا رَوَاهُ مُسلم " لَا يشْهدُونَ الصَّلَاة " أَي لَا يحْضرُون وَفِي رِوَايَة عجلَان عَن أبي هُرَيْرَة " لَا يشْهدُونَ الْعشَاء فِي الْجَمِيع " أَي فِي الْجَمَاعَة وَفِي حَدِيث أُسَامَة بن زيد عِنْد ابْن ماجة مَرْفُوعا " لينتهين رجال عَن تَركهم الْجَمَاعَات أَو لأحرقن بُيُوتهم ". الثَّامِن مَا قيل أَن الحَدِيث ورد فِي الْحَقِيقَة على مُخَالفَة أهل النِّفَاق والتحذير من التَّشَبُّه بهم. التَّاسِع أَنه ورد فِي حق الْمُنَافِقين فَلَيْسَ التهديد لترك الْجَمَاعَة بخصوصهم فَلَا يتم الدَّلِيل ورده بَعضهم بِأَنَّهُ يستبعد الاعتناء بتأديب الْمُنَافِقين على تَركهم الْجَمَاعَة مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ لَا صَلَاة لَهُم وَبِأَنَّهُ كَانَ معرضًا عَنْهُم وَعَن عقوبتهم مَعَ علمه بطويتهم " وَقد قَالَ لَا يتحدث النَّاس بِأَن مُحَمَّدًا يقتل أَصْحَابه " ورده ابْن دَقِيق الْعِيد بِأَنَّهُ لَا يتم إِلَّا أَن ادّعى أَن ترك معاقبة الْمُنَافِقين كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ وَلَا دَلِيل على ذَلِك فَإِذا ثَبت أَنه كَانَ مخبرا فَلَيْسَ فِي إعراضه عَنْهُم مَا يدل على وجوب ترك عقوبتهم (قلت) قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَيْسَ صَلَاة أثقل على الْمُنَافِقين من الْعشَاء وَالْفَجْر " يُوضح بِأَنَّهُ ورد فِي الْمُنَافِقين وَلَكِن المُرَاد بِهِ نفاق الْمعْصِيَة لَا نفاق الْكفْر بِدَلِيل قَوْله فِي رِوَايَة عجلَان " لَا يشْهدُونَ الْعشَاء فِي الْجَمِيع " وأوضح من ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " وَيصلونَ فِي بُيُوتهم وَلَيْسَ بهم عِلّة " فَهَذَا يدل على أَن نفاقهم نفاق مَعْصِيّة لَا نفاق كفر لِأَن الْكَافِر لَا يُصَلِّي فِي بَيته وَإِنَّمَا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد رِيَاء وَسُمْعَة فَإِذا خلا فِي بَيته كَانَ كَمَا وَصفه الله تَعَالَى بِهِ من الْكفْر والاستهزاء نبه عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيّ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ خُرُوج الْمُؤمن من هَذَا الْوَعيد لَيْسَ من جِهَة أَنهم إِذا سمعُوا النداء جَازَ لَهُم التَّخَلُّف عَن الْجَمَاعَة بل إِن التَّخَلُّف لَيْسَ من شَأْنهمْ بل هُوَ من صِفَات الْمُنَافِقين وَيدل عَلَيْهِ قَول ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لقد رَأَيْتنَا وَمَا يتَخَلَّف عَن الْجَمَاعَة إِلَّا مُنَافِق. الْعَاشِر مَا قيل أَن فَرضِيَّة الْجَمَاعَة كَانَ فِي أول الْإِسْلَام لأجل سد بَاب التَّخَلُّف عَن الصَّلَوَات على الْمُنَافِقين ثمَّ نسخ حَكَاهُ عِيَاض. الْحَادِي عشر مَا قيل أَن المُرَاد بِالصَّلَاةِ الْجُمُعَة لَا بَاقِي الصَّلَوَات وَحسنه الْقُرْطُبِيّ ورد بالأحاديث الْوَارِدَة المصرحة بالعشاء. وَفِيه من الْفَوَائِد تَقْدِيم الْوَعيد والتهديد على الْعقُوبَة لِأَن الْمفْسدَة إِذا ارْتَفَعت بالأهون من الزّجر اكْتفى بِهِ عَن الْأَعْلَى بالعقوبة (قلت) يكون هَذَا من بَاب الدّفع بالأخف. وَفِيه جَوَاز الْعقُوبَة بِالْمَالِ بِحَسب الظَّاهِر وَاسْتدلَّ بِهِ قوم من الْقَائِلين بذلك من الْمَالِكِيَّة وعزى ذَلِك أَيْضا إِلَى مَالك وَأجَاب الْجُمْهُور عَنهُ بِأَنَّهُ كَانَ ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخ. وَفِيه جَوَاز إِخْرَاج من طلب بِحَق من بَيته إِذا اختفى فِيهِ وَامْتنع بِكُل طَرِيق يتَوَصَّل إِلَيْهِ كَمَا أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِخْرَاج المتخلفين عَن الصَّلَاة بإلقاء النَّار عَلَيْهِم فِي بُيُوتهم وَحكى الطَّحَاوِيّ فِي أدب القَاضِي الصَّغِير لَهُ أَن بَعضهم كَانَ يرى الهجوم على الْغَائِب وَبَعْضهمْ لَا يرى وَبَعْضهمْ يرى التسمير على الْأَبْوَاب وَبَعْضهمْ لَا يرَاهُ وَقَالَ بعض الْحُكَّام أَجْلِس رجلا على بَابه وَيمْنَع من الدُّخُول وَالْخُرُوج من منزله إِلَّا الطَّعَام وَالشرَاب فَإِنَّهُ لَا يمْنَع عَنْهُمَا ويضيق حَتَّى يخرج فَيحكم عَلَيْهِ قَالَ الْخصاف وَمن رأى الهجوم من أَصْحَابنَا على الْخصم فِي منزله إِذا تبين ذَلِك فَيكون ذَلِك بِالنسَاء والخدم وَالرِّجَال فَيقدم النِّسَاء فِي الدُّخُول ويفتش الدَّار ثمَّ يدْخل الْبَيْت الَّذِي فِيهِ النِّسَاء خَاصَّة فَإِذا وجد أخرج وَلَا يكون الهجم إِلَّا على غَفلَة من غير استئمار يدْخل النِّسَاء أَولا كَمَا قُلْنَا آنِفا. وَفِيه جَوَاز أَخذ أهل الجرائم على غرَّة. وَفِيه جَوَاز الْحلف من غير استحلاف كَمَا فِي حلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه جَوَاز التَّخَلُّف عَن الْجَمَاعَة لعذر كالمرض وَالْخَوْف من ظَالِم أَو حَيَوَان وَمِنْه خوف فَوَات الْغَرِيم. وَفِيه جَوَاز إِمَامَة الْمَفْضُول مَعَ وجود الْفَاضِل إِذا كَانَت فِيهِ مصلحَة وَاسْتدلَّ ابْن الْعَرَبِيّ مِنْهُ فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا على جَوَاز اعدام مَحل الْمعْصِيَة كَمَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute