ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرج البُخَارِيّ قَوْله: (لَو يعلم النَّاس مَا فِي النداء) إِلَى آخِره فِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الشَّهَادَات عَن إِسْمَاعِيل، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عتبَة بن عبد الله وقتيبة فرقهما، وَعَن الْحَارِث ابْن مِسْكين عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، سبعتهم عَن مَالك بِهِ، وَأخرج قَوْله: (بَيْنَمَا رجل يمشي فِي طَرِيق) الحَدِيث فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَدَب وَفِي الْجِهَاد عَن يحيى بن يحيى، كِلَاهُمَا عَن مَالك. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن قُتَيْبَة بِهِ، وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بَيْنَمَا رجل) ، قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن أصل: بَيْنَمَا، بَين، فاشبعت الفتحة فَصَارَت ألفا، وزيدت فِيهِ الْمِيم، فَصَارَت: بَيْنَمَا. وَيُقَال: بَينا، بِدُونِ الْمِيم، أَيْضا، وهما ظرفا زمَان بِمَعْنى المفاجأة، ويضافان إِلَى جملَة من فعل وفاعل ومبتدأ وَخبر، ويحتاجان إِلَى جَوَاب يتم بِهِ الْمَعْنى، والمبتدأ هُنَا قَوْله: (رجل) خصص بِالصّفةِ وَهِي قَوْله: (يمشي) وَخَبره قَوْله (وجد) قَوْله (فَأَخذه) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني (فَأَخَّرَهُ) عَن طَرِيق قَوْله (فَشكر الله لَهُ) ، مَعْنَاهُ: تقبل الله مِنْهُ وَأثْنى عَلَيْهِ، يُقَال: شكرته وشكرت لَهُ بِمَعْنى وَاحِد. قَوْله: (الشُّهَدَاء) جمع: شَهِيد، سمي بِهِ لِأَن الْمَلَائِكَة يشْهدُونَ مَوته، فَكَانَ مشهودا. وَقيل: مشهود لَهُ بِالْجنَّةِ، فعلى هَذَا يكون الشَّهِيد على وزن: فعيل، بِمَعْنى: مفعول، وَقيل: لِأَنَّهُ حَيّ عِنْد الله حَاضر يشْهد حَضْرَة الْقُدس ويحضرها، وَقيل: لِأَنَّهُ شهد مَا أعد الله لَهُ من الكرامات. وَقيل: لِأَنَّهُ مِمَّن يستشهد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْقِيَامَة على سَائِر الْأُمَم المكذبين، فعلى هَذِه الْمعَانِي يكون: الشَّهِيد، بِمَعْنى: شَاهد. قَوْله: (خمس) ، بِدُونِ التَّاء، هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: خَمْسَة، بِالتَّاءِ، وَهَذَا هُوَ الأَصْل. وَلَكِن إِذا كَانَ الْمُمَيز غير مَذْكُور جَازَ الْأَمْرَانِ، وَفِي رِوَايَة مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) : (الشُّهَدَاء سَبْعَة) ، وَنقص: الشَّهِيد فِي سَبِيل الله، وَزَاد: صَاحب ذَات الْجنب والحريق، وَالْمَرْأَة تَمُوت بِجمع، أَي: الَّتِي تَمُوت وَوَلدهَا فِي بَطنهَا. وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم، من حَدِيث جَابر بن عتِيك مَرْفُوعا: (الشَّهَادَة سَبْعَة سوى الْقَتْل فِي سَبِيل الله: المطعون والغريق وَصَاحب الْجنب والمبطون وَصَاحب الْحَرِيق وَالَّذِي يَمُوت تَحت الْهدم وَالْمَرْأَة تَمُوت بِجمع) . وَفِي حَدِيث ابْن مَاجَه، من حَدِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: (موت الْغَرِيب شَهَادَة) ، وَإِسْنَاده ضَعِيف. وروى سُوَيْد بن سعيد الحدثاني عَن عَليّ بن مسْهر عَن أبي يحيى القَتَّات، عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من عشق فعف وكتمه ثمَّ مَاتَ مَاتَ شَهِيدا) . وَقد أنكرهُ على سُوَيْد الْأَئِمَّة، قَالَه ابْن عدي فِي كَامِله، وَكَذَا أنكرهُ الْبَيْهَقِيّ وَابْن طَاهِر، وَقَالَ ابْن حبَان: من روى مثل هَذَا عَن عَليّ بن مسْهر تجب مجانبة رِوَايَته، وسُويد بن سعيد هَذَا وَإِن كَانَ مُسلم أخرج لَهُ فِي صَحِيحه فقد اعتذر مُسلم عَن ذَلِك، وَقَالَ: إِنَّه لم يَأْخُذ عَنهُ إلَاّ مَا كَانَ عَالِيا وتوبع عَلَيْهِ، وَلأَجل هَذَا أعرض عَن مثل هَذَا الحَدِيث، وَذكر ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي تعداد الشُّهَدَاء: الشريق وَمَا أكله السَّبع. فَإِن قلت: الشُّهَدَاء فِي الصَّحِيح: خَمْسَة، وَفِي رِوَايَة مَالك: سَبْعَة، وَمَعَ رِوَايَة ابْن مَاجَه عَن ابْن عَبَّاس تكون: ثَمَانِيَة، وَمَعَ رِوَايَة سُوَيْد بن غَفلَة عَن بن عَبَّاس: تِسْعَة، وَفِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر عَنهُ يكون أحد عشر؟ قلت: لَا تنَاقض بَينهَا لِأَن الِاخْتِلَاف فِي الْعدَد بِحَسب اخْتِلَاف الْوَحْي على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (المطعون) : هُوَ، الَّذِي يَمُوت فِي الطَّاعُون، أَي: الوباء، وَلم يرد المطعون بِالسِّنَانِ، لِأَنَّهُ الشَّهِيد فِي سَبِيل الله، والطاعون مرض عَام فَيفْسد لَهُ الْهَوَاء فتفسد الأمزجة والأبدان. قَوْله: (والمبطون) ، هُوَ صَاحب الإسهال، وَقيل: هُوَ الَّذِي بِهِ الاسْتِسْقَاء، وَقيل: هُوَ الَّذِي يشتكي بَطْنه. وَقيل: من مَاتَ بداء بَطْنه مُطلقًا. قَوْله: (وَصَاحب الْهدم) ، هُوَ الَّذِي يَمُوت تَحت الْهدم، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة، وَهُوَ اسْم مَا يَقع، وَأما بتسكين الدَّال فَهُوَ الْفِعْل، وَالَّذِي يَقع هُوَ الَّذِي يقتل، وَيجوز أَن ينْسب الْقَتْل إِلَى الْفِعْل. قَوْله: (والشهيد فِي سَبِيل الله) هَذَا هُوَ الْخَامِس من الشُّهَدَاء. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ فَإِن قلت: خَمْسَة، خبر الْمُبْتَدَأ والمعدود هَذَا بَيَان لَهُ، فَكيف يَصح لَهُ فِي الْخَامِس، فَإِنَّهُ حمل الشَّيْء على نَفسه فَكَأَنَّهُ قَالَ: الشَّهِيد هُوَ الشَّهِيد؟ قلت: هُوَ من بَاب.
(أَنا أَبُو النَّجْم وشعري شعري)
وَقَالَ الْكرْمَانِي: الأولى أَن يُقَال: المُرَاد بالشهيد: الْقَتِيل، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الشُّهَدَاء كَذَا وَكَذَا والقتيل فِي سَبِيل الله. قَوْله: (إلَاّ أَن يستهموا) أَي: إلَاّ أَن يقترعوا، وَتقدم الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب الاستهام فِي الْأَذَان. قَوْله: (وَلَو حبوا) ، الحبو: حبو الصَّغِير على يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْحَيَوَان يمشي على يَدَيْهِ وركبتيه أَو استه، وحبا الْبَعِير، إِذا برك ثمَّ زحف من الإعياء، وحبا الصَّغِير إِذا زحف على أسته
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute