للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرِّوَايَات: فَخرج بَين بَرِيرَة ونوبة، بِضَم النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة؛ وَكَانَ عبدا أسود، وَيدل عَلَيْهِ حَدِيث سَالم بن عبيد فِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة بِلَفْظ: فَخرج بَين بَرِيرَة وَرجل آخر، وَقَالَ بَعضهم: وَذكره بَعضهم فِي النِّسَاء الصحابيات، وَهُوَ وهم، قلت: أَرَادَ بِالْبَعْضِ الذَّهَبِيّ، فَإِنَّهُ ذكر: نوبَة، فِي بَاب النُّون فِي الصحابيات، وَقَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي مَرضه بَين بَرِيرَة ونوبة، وَإِسْنَاده جيد، وَقد علمت أَن الذَّهَبِيّ من جهابذة الْمُتَأَخِّرين لَا يجاري فِي فنه. قَوْله: (يخطان الأَرْض) أَي: لم يكن يقدر على رفعهما من الأَرْض. قَوْله: (أَن مَكَانك) ، كلمة: أَن، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون، ومكانك، مَنْصُوب على معنى: إلزم مَكَانك، وَفِي رِوَايَة عَاصِم: أَن اثْبتْ مَكَانك، وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن أبي عَائِشَة. فَأَوْمأ إِلَيْهِ بِأَن لَا يتَأَخَّر. قَوْله: (ثمَّ أُتِي بِهِ) بِضَم الْهمزَة أَي: أُتِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى جلس إِلَى جنبه، وَبَين ذَلِك فِي رِوَايَة الْأَعْمَش: حَتَّى جلس عَن يسَار أبي بكر، على مَا سَيَأْتِي فِي: بَاب مَكَان الْجُلُوس. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي (شرح مُسلم) : لم يَقع فِي الصَّحِيح بَيَان جُلُوسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل كَانَ عَن يَمِين أبي بكر أَو عَن يسَاره؟ قلت: هَذَا غَفلَة مِنْهُ، وَقد بيّن ذَلِك فِي (الصَّحِيح) كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن. قَوْله: (فَقيل للأعمش) ، هُوَ سُلَيْمَان، ويروى: قيل، بِدُونِ الْفَاء، وَظَاهر هَذَا أَنه مُنْقَطع لِأَن الْأَعْمَش لم يسْندهُ، لَكِن فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة عَنهُ ذكر ذَلِك مُتَّصِلا بِالْحَدِيثِ، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُوسَى بن أبي عَائِشَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد من هَذِه الْقِصَّة: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: فِيهِ الْإِشَارَة إِلَى تَعْظِيم الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة. الثَّانِي: فِيهِ تَقْدِيم أبي بكر وترجيحه على جَمِيع الصَّحَابَة. الثَّالِث: فِيهِ فَضِيلَة عمر بن الْخطاب بعده. الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز الثَّنَاء فِي الْوَجْه لمن أَمن عَلَيْهِ الْإِعْجَاب. الْخَامِس: فِيهِ ملاطفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأزواجه وخصوصا لعَائِشَة. السَّادِس: فِي هَذِه الْقِصَّة وجوب الْقسم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ فِيهَا: فأذنِّ لَهُ، أَي: فَأَذنت لَهُ نساؤه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالتمريض فِي بَيت عَائِشَة، على مَا سَيَأْتِي. السَّابِع: فِيهِ جَوَاز مُرَاجعَة الصَّغِير للكبير. الثَّامِن: فِيهِ الْمُشَاورَة فِي الْأَمر الْعَام. التَّاسِع: فِيهِ الْأَدَب مَعَ الْكَبِير حَيْثُ أَرَادَ أَبُو بكر التَّأَخُّر عَن الصَّفّ. الْعَاشِر: الْبكاء فِي الصَّلَاة لَا يُبْطِلهَا وَإِن كثر، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم حَال أبي بكر فِي رقة الْقلب وَكَثْرَة الْبكاء وَلم يعدل عَنهُ، وَلَا نَهَاهُ عَن الْبكاء. وَأما فِي هَذَا الزَّمَان فقد قَالَ أَصْحَابنَا: إِذا بَكَى فِي الصَّلَاة فارتفع بكاؤه، فَإِن كَانَ من ذكر الْجنَّة أَو النَّار لم يقطع صلَاته، وَإِن كَانَ من وجع فِي بدنه أَو مُصِيبَة فِي مَاله أَو أَهله قطعهَا، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ الشَّافِعِي: الْبكاء والأنين والتأوه يبطل الصَّلَاة إِذا كَانَت حرفين، سَوَاء بَكَى للدنيا أَو للآخرة. الْحَادِي عشر: أَن الْإِيمَاء يقوم مقَام النُّطْق، لَكِن يحْتَمل أَن اقْتِصَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْإِشَارَة أَن يكون لضعف صَوته، وَيحْتَمل أَن يكون للإعلام، بِأَن مُخَاطبَة من يكون فِي الصَّلَاة بِالْإِيمَاءِ أولى من النُّطْق. الثَّانِي عشر: فِيهِ تَأْكِيد أَمر الْجَمَاعَة وَالْأَخْذ فِيهَا بالأشد، وَإِن كَانَ الْمَرَض يرخص فِي تَركهَا، وَيحْتَمل أَن يكون فعل ذَلِك لبَيَان جَوَاز الْأَخْذ بالأمثل، وَإِن كَانَت الرُّخْصَة أولى. الثَّالِث عشر: اسْتدلَّ بِهِ الشّعبِيّ على جَوَاز ائتمام بعض الْمَأْمُومين بِبَعْض، وَهُوَ مُخْتَار الطَّبَرِيّ أَيْضا، وَأَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى، ورد بِأَن أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ مبلغا، وعَلى هَذَا فَمَعْنَى الِاقْتِدَاء اقْتِدَاؤُهُ بِصَوْتِهِ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ جَالِسا، وَأَبُو بكر كَانَ قَائِما، فَكَانَت بعض أَفعاله تخفى على بعض الْمَأْمُومين، فلأجل ذَلِك كَانَ أَبُو بكر كَالْإِمَامِ فِي حَقهم. الرَّابِع عشر: اسْتدلَّ بِهِ الْبَعْض على جَوَاز اسْتِخْلَاف الإِمَام لغير ضَرُورَة، لصنيع أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. الْخَامِس عشر: اسْتدلَّ بِهِ الْبَعْض على جَوَاز مُخَالفَة موقف الإِمَام للضَّرُورَة، كمن قصد أَن يبلغ عَنهُ، ويلتحق بِهِ من زحم عَن الصَّفّ. السَّادِس عشر: فِيهِ إتباع صَوت المكبر وَصِحَّة صَلَاة المستمع وَالسَّامِع، وَمِنْهُم من شَرط فِي صِحَّته تقدم إِذن الإِمَام. السَّابِع عشر: اسْتدلَّ بِهِ الطَّبَرِيّ على أَن للْإِمَام أَن يقطع الِاقْتِدَاء بِهِ، ويقتدي هُوَ بِغَيْرِهِ من غير أَن يقطع الصَّلَاة. الثَّامِن عشر: فِيهِ جَوَاز إنْشَاء الْقدْوَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة. التَّاسِع عشر: اسْتدلَّ بِهِ الْبَعْض على جَوَاز تقدم إِحْرَام الْمَأْمُوم على الإِمَام، بِنَاء على أَن أَبَا بكر كَانَ دخل فِي الصَّلَاة ثمَّ قطع الْقدْوَة وائتم برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَرقم بن شُرَحْبِيل عَن ابْن عَبَّاس: فابتدأ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقِرَاءَة من حَيْثُ انْتهى أَبُو بكر، كَمَا قدمْنَاهُ. الْعشْرُونَ: اسْتدلَّ بِهِ على صِحَة صَلَاة الْقَادِر على الْقيام قَائِما خلف الْقَاعِد، خلافًا للمالكية وَأحمد حَيْثُ أوجب الْقعُود على من يُصَلِّي خلف الْقَاعِد. قلت: يُصَلِّي الْقَائِم خلف

<<  <  ج: ص:  >  >>