الطَّاعَات، وَتحمل المشاق فِي الدّين، وإيثار ذَلِك على أَعْرَاض الدُّنْيَا ومحبة العَبْد الله تَعَالَى بِفعل طَاعَته وَترك مُخَالفَته، وَكَذَلِكَ محبَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قلت: تَفْسِير التَّيْمِيّ: من الْحَلَاوَة الَّتِي بَابهَا من حلى فلَان بعيني حلاوة، إِذا حسن، وَتَفْسِير النَّوَوِيّ: من حلا الشَّيْء يحلو حلواً وحلاوة، وَهُوَ نقيض المر، وَلكُل مِنْهُمَا وَجه وَالْأَظْهَر الثَّانِي على مَا لَا يخفى. قَوْله: (يكره) من: كرهت الشَّيْء أكرهه كَرَاهَة وكراهية، فَهُوَ شَيْء كريه ومكروه، وَمَعْنَاهُ: عدم الرضى. قَوْله: (أَن يقذف) من الْقَذْف بِمَعْنى: الرَّمْي، وَقَالَ الصغاني: التَّرْكِيب يدل على الرَّمْي والطرح، وَالْقَذْف بِالْحِجَارَةِ: الرَّمْي بهَا، وَقذف المحصنة قذفا أَي: رَمَاهَا. وَيُقَال: هم بَين خاذف وقاذف، فالخاذف بالحصى والقاذف بِالْحِجَارَةِ.
(بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله: (ثَلَاث) مَرْفُوع على أَنه مُبْتَدأ. فَإِن قلت: هُوَ نكرَة كَيفَ يَقع مُبْتَدأ؟ قلت: النكرَة تقع مُبتَدأَة بالمسوغ، وَهَهُنَا ثَلَاثَة وُجُوه. الأول: أَن يكون التَّنْوِين فِي ثَلَاث عوضا عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ، تَقْدِيره: ثَلَاث خِصَال، فحينئذٍ يقرب من الْمعرفَة. الثَّانِي: أَن يكون هَذَا صفة لموصوف مَحْذُوف تَقْدِيره: خِصَال ثَلَاث، والموصوف هُوَ الْمُبْتَدَأ فِي الْحَقِيقَة، فَلَمَّا حذف قَامَت الصّفة مقَامه. الثَّالِث: يجوز أَن يكون ثَلَاث مَوْصُوفا بِالْجُمْلَةِ الشّرطِيَّة الَّتِي بعده، وَالْخَبَر على هَذَا الْوَجْه هُوَ قَوْله: (أَن يكون) ، وَأَن مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: كَون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا. وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ الْأَوَّلين الْخَبَر هُوَ الْجُمْلَة الشّرطِيَّة، لِأَن قَوْله: من مُبْتَدأ مَوْصُول يتَضَمَّن معنى الشَّرْط، وَقَوله: كن فِيهِ، جملَة صلته. وَقَوله: وجد، خَبره. وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول. فَإِن قلت: الْجُمْلَة إِذا وَقعت خَبرا فَلَا بُد من ضمير فِيهَا يعود إِلَى الْمُبْتَدَأ، لِأَن الْجُمْلَة مُسْتَقلَّة بذاتها فَلَا يربطها بِمَا قبلهَا إلَاّ الضَّمِير، وَلَيْسَ هَهُنَا ضمير يعود إِلَيْهِ، وَالضَّمِير فِي فِيهِ يرجع إِلَى: من، لَا إِلَى ثَلَاث؟ قلت: الْعَائِد هَهُنَا مَحْذُوف تَقْدِيره: ثَلَاث من كن فِيهِ مِنْهَا وجد حلاوة الْإِيمَان، كَمَا فِي قَوْلك: الْبر الكربستين أَي: مِنْهُ، وَقَالَ ابْن يعِيش فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلمن صَبر وَغفر إِن ذَلِك لمن عزم الْأُمُور} (الشورى: ٤٣) إِن من مُبْتَدأ، وصلته صَبر، وَخَبره: إِن الْمَكْسُورَة مَعَ مَا بعْدهَا، والعائد مَحْذُوف تَقْدِيره: إِن ذَلِك مِنْهُ. فَإِن قلت: إِذا جعلت الْجُمْلَة خَبرا، فَمَا يكون إِعْرَاب قَوْله: (أَن يكون الله) ؟ قلت: يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ: أَحدهمَا: أَن يكون بَدَلا من ثَلَاث، وَالْآخر: أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: أحد الَّذين فيهم الْخِصَال الثَّلَاث أَن يكون الله ... الخ. قَوْله: (وجد) بِمَعْنى أصَاب، فَلذَلِك اكْتفى بمفعول وَاحِد، وَهُوَ قَوْله: (حلاوة الْإِيمَان) . قَوْله: (وَرَسُوله) : بِالرَّفْع عطف على لَفْظَة: الله، الَّذِي هُوَ اسْم يكون، قَوْله: (أحب) بِالنّصب لِأَنَّهُ خبر يكون. فَإِن قلت: كَانَ يَنْبَغِي أَن يثني: أحب، حَتَّى يُطَابق اسْم كَانَ، وَهُوَ اثْنَان. قلت: أفعل التَّفْضِيل إِذا اسْتعْمل: بِمن، فَهُوَ مُفْرد مُذَكّر لَا غير فَلَا يحْتَاج إِلَى الْمُطَابقَة. فَإِن قلت: أفعل التَّفْضِيل مَعَ: من، كالمضاف والمضاف إِلَيْهِ، فَلَا يجوز الْفَصْل بَينهمَا. قلت: أُجِيز ذَلِك بالظرف للاتساع. قَوْله: (وَأَن يحب الْمَرْء) عطف على أَن يكون الله. قَوْله: (يحب) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل، وَهُوَ الضَّمِير فِيهِ الَّذِي يرجع إِلَى: من وَقَوله: (الْمَرْء) بِالنّصب مَفْعُوله. قَوْله: (لَا يُحِبهُ إلَاّ لله) جملَة وَقعت حَالا بِدُونِ الْوَاو، وَقد علم أَن الْفِعْل الْمُضَارع إِذا وَقع حَالا وَكَانَ منفياً يجوز فِيهِ الْوَاو وَتَركه، نَحْو: جَاءَنِي زيد لَا يركب، أَو: وَلَا يركب. قَوْله: (وَأَن يكره) عطف على: أَن يحب، قَوْله: (أَن يعود) جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا مفعول لقَوْله: يكره، وَأَن يكره: وَأَن مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره: وَأَن يكره الْعود. فَإِن قلت: الْمَشْهُور أَن يُقَال: عَاد إِلَيْهِ، معدى بإلى لَا بفي. قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: قد ضمن فِيهِ معنى الِاسْتِقْرَار، كَأَنَّهُ قَالَ: أَن يعود مُسْتَقرًّا فِيهِ، وَهَذَا تعسف، وَإِنَّمَا: فِي هَذَا بِمَعْنى: إِلَى، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَو لتعودن فِي ملتنا} (الْأَعْرَاف: ٢٨٨) أَي: تصيرن إِلَى ملتنا. قَوْله: (كَمَا يكره) : الْكَاف للتشبيه بِمَعْنى: مثل، و: مَا، مَصْدَرِيَّة، أَي: مثل كرهه. قَوْله: (أَن يقذف) فِي مَحل النصب، لِأَنَّهُ مفعول: يكره، وَأَن مَصْدَرِيَّة أَي: الْقَذْف، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول. فَافْهَم.
(بَيَان الْمعَانِي) : قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا حَدِيث عَظِيم، أصل من أصُول الْإِسْلَام، قلت: كَيفَ لَا، وَفِيه محبَّة الله وَرَسُوله الَّتِي هِيَ أصل الْإِيمَان بل عينه، وَلَا تصح محبَّة الله وَرَسُوله حَقِيقَة، وَلَا حب لغير الله وَلَا كَرَاهَة الرُّجُوع فِي الْكفْر إلَاّ لمن قوي الْإِيمَان فِي نَفسه وانشرح لَهُ صَدره وخالطه دَمه ولحمه، وَهَذَا هُوَ الَّذِي وجد حلاوته، وَالْحب فِي الله من ثَمَرَات الْحبّ لله. وَقَالَ ابْن بطال: محبَّة العَبْد لخالقه الْتِزَام طَاعَته، والانتهاء عَمَّا نهى عَنهُ، ومحبة الرَّسُول كَذَلِك، وَهِي الْتِزَام
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute