للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَوَاء، ويترجح قَول من قَالَ: العَبْد الْفَقِيه أولى لما أَن سالما مولى أبي حُذَيْفَة كَانَ يؤم الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين فِي مَسْجِد قبَاء فيهم عمر وَغَيره، لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرهم قُرْآنًا.

وَلَدِ البَغِيِّ

عطف على قَوْله: وَالْمولى، وَلَكِن فصل بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ بأثر عَائِشَة، و: الْبَغي، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وتشديدها: وَهِي الزَّانِيَة، وَنقل ابْن التِّين أَنه رَوَاهُ بِفَتْح الْبَاء وَسُكُون الْغَيْن، وَقَالَ بَعضهم: وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَالتَّخْفِيف. قلت: قَوْله: وَالتَّخْفِيف، غلط لِأَن السّكُون يُغني عَن ذكره، وَأما إِمَامَة ولد الزِّنَا فجائزة عِنْد الْجُمْهُور، وَأَجَازَ النَّخعِيّ إِمَامَته، وَقَالَ: رب عبدٍ خير من مَوْلَاهُ، وَالشعْبِيّ وَعَطَاء وَالْحسن، وَقَالَت عَائِشَة: لَيْسَ عَلَيْهِ من وزر أَبَوَيْهِ شَيْء، ذكره ابْن أبي شيبَة، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَمُحَمّد بن عبد الحكم، وكرهها عمر بن عبد الْعَزِيز وَمُجاهد وَمَالك إِذا كَانَ راتبا. وَقَالَ صَاحب؛ التَّوْضِيح) : وَلَا تكره إِمَامَته عندنَا خلافًا للشَّيْخ أبي حَامِد والعبدري، وَقَالَ الشَّافِعِي: وأكره أَن أنصب من لَا يعرف أَبوهُ إِمَامًا، وَتَابعه الْبَنْدَنِيجِيّ، وَغَيره صرح بعدمها، وَقَالَ ابْن حزم: الْأَعْمَى والخصي وَالْعَبْد وَولد الزِّنَا وأضدادهم، والقرشي سَوَاء، لَا تفاضل بَينهم إلاّ بِالْقِرَاءَةِ، وَقَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: تكره إِمَامَة العَبْد وَولد الزِّنَا لِأَنَّهُ يستخف بِهِ، فَإِن تقدما جَازَت الصَّلَاة.

والأَعْرَابِيِّ

بِالْجَرِّ عطف على: ولد الْبَغي، وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة، وَقد نصب إِلَى الْجمع لِأَنَّهُ صَار علما لَهُم، فَهُوَ فِي حكم الْمُفْرد، والأعراب: سكان الْبَادِيَة من الْعَرَب. وَقَالَ صَاحب (الْمُنْتَهى) خَاصَّة: وَالْجمع أعاريب، وَلَيْسَ الْأَعْرَاب جمعا لعرب، كَمَا أَن الأنباط جمع للنبط، وَذكر النَّضر وَغَيره أَن الْأَعْرَاب جمع عرب، مثل: غنم وأغنام، وَإِنَّمَا سموا أعرابا لأَنهم عرب تجمعت من هَهُنَا وَهَهُنَا، وَأَجَازَ أَبُو حنيفَة إِمَامَته مَعَ الْكَرَاهَة لغَلَبَة الْجَهْل عَلَيْهِ، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق، وَصلى ابْن مَسْعُود خلف أَعْرَابِي، وَلم ير بهَا بَأْسا إِبْرَاهِيم وَالْحسن وَسَالم. وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: (لَا يتَقَدَّم الصَّفّ الأول أَعْرَابِي وَلَا عجمي وَلَا غُلَام لم يَحْتَلِم) .

والغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَحْتلِمْ

بِالْجَرِّ أَيْضا عطف على مَا قبله، وَظَاهره مُطلق يتَنَاوَل الْمُرَاهق وَغَيره، وَلَكِن يخرج مِنْهُ من كَانَ دون سنّ التَّمْيِيز بِدَلِيل آخر، وَيفهم أَن البُخَارِيّ يجوز إِمَامَته، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي أَيْضا، وَمذهب أبي حنيفَة: أَن الْمَكْتُوبَة لَا تصح خَلفه، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق، وَقَالَ دَاوُد: فِي النَّفْل رِوَايَتَانِ عَن أبي حنيفَة، وبالجواز فِي النَّفْل قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق، وَقَالَ دَاوُد: لَا تصح فِيمَا حَكَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ وَمُجاهد وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَعَطَاء، وَأما نَقله: ابْن الْمُنْذر عَن أبي حنيفَة وصاحبيه أَنَّهَا مَكْرُوهَة فَلَا يَصح هَذَا النَّقْل، وَعند الشَّافِعِي فِي الْجُمُعَة قَولَانِ، وَفِي غَيرهَا يجوز لحَدِيث عَمْرو بن سَلمَة الَّذِي فِيهِ: أؤمهم وَأَنا ابْن سبع أَو ثَمَان سِنِين، وَعَن الْخطابِيّ أَن أَحْمد كَانَ يضعف هَذَا الحَدِيث، وَعَن ابْن عَبَّاس: لَا يؤم الْغُلَام حَتَّى يَحْتَلِم، وَذكر الْأَثْرَم بِسَنَد لَهُ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: لَا يؤم الْغُلَام حَتَّى تجب عَلَيْهِ الْحُدُود، وَعَن إِبْرَاهِيم: لَا بَأْس أَن يؤم الْغُلَام قبل أَن يَحْتَلِم فِي رَمَضَان، وَعَن الْحسن مثله وَلم يُقَيِّدهُ.

لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَؤُمُّهُمْ أقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ الله

هَذَا تَعْلِيل لجمع مَا ذكر قبله من: العَبْد وَولد الْبَغي والأعرابي والغلام الَّذِي لم يَحْتَلِم، معنى الحَدِيث: لم يفرق بَين الْمَذْكُورين وَغَيرهم، وَلَكِن الَّذِي يظْهر من هَذَا أَن إِمَامَة أحد من هَؤُلَاءِ إِنَّمَا تجوز إِذا كَانَ أَقرَأ الْقَوْم. ألَا ترى أَن الْأَشْعَث بن قيس قدم غُلَاما، فعابوا ذَلِك عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا قَدمته. وَلَكِن قدمه الْقُرْآن الْعَظِيم، وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله) ، تَعْلِيق، وَهُوَ طرف من حَدِيث أبي مَسْعُود، أخرجه مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن بِلَفْظ: (يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله تَعَالَى) ، وروى أَبُو سعيد عِنْده أَيْضا مَرْفُوعا: (أَحَق بِالْإِمَامَةِ أقرؤهم) ، وَعند أبي دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود: (وليؤمهم أقرؤهم) .

وَلَا يُمْنَعُ العَبْدُ مِنَ الجَمَاعَةِ بَغَيْرِ عِلَّةٍ

هَذِه الْجُمْلَة معطوفة على التَّرْجَمَة، وَهِي من كَلَام البُخَارِيّ وَلَيْسَت من الحَدِيث الْمُعَلق، وَوجه عدم مَنعه من حُضُور الْجَمَاعَة لِأَن حق الله مقدم على حق الْمولى فِي بَاب الْعِبَادَة، وَقد ورد وَعِيد شَدِيد فِي ترك حُضُور الْجَمَاعَة بِغَيْر ضَرُورَة، أَشَارَ إِلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>