وَأما قَوْله: وَقد رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ ... إِلَى آخِره، فَلَا يضرنا، لِأَن الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، وَلَئِن سلمنَا فالمرسل عندنَا حجَّة، وجوابنا عَن الْأَحَادِيث الَّتِي قَالُوا: فِي أسانيدها ضعفاء، إِن الضَّعِيف يتقوى بِالصَّحِيحِ وَيُقَوِّي بَعْضهَا بَعْضًا، وَأما قَوْله فِي بَعْضهَا: فَهُوَ مَوْقُوف، فَالْمَوْقُوفُ عندنَا حجَّة لِأَن الصَّحَابَة عدُول، وَمَعَ هَذَا روى منع الْقِرَاءَة خلف الإِمَام عَن ثَمَانِينَ من الصَّحَابَة الْكِبَار مِنْهُم: المرتضي والعبادلة الثَّلَاثَة وأساميهم عِنْد أهل الحَدِيث، فَكَانَ اتِّفَاقهم بِمَنْزِلَة الْإِجْمَاع، فَمن هَذَا قَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) من أَصْحَابنَا: وعَلى ترك الْقِرَاءَة خلف الإِمَام إِجْمَاع الصَّحَابَة، فَسَماهُ إِجْمَاعًا بِاعْتِبَار اتِّفَاق الْأَكْثَر، وَمثل هَذَا يُسمى إِجْمَاعًا عندنَا، وَذكر الشَّيْخ الإِمَام عبد الله بن يَعْقُوب الحارني السيذموني فِي كتاب (كشف الْأَسْرَار) : عَن عبد الله بن زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينهون عَن الْقِرَاءَة خلف الإِمَام أَشد النَّهْي: أَبُو بكر الصّديق وَعمر الْفَارُوق وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد ابْن أبي وَقاص وَعبد الله بن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قلت: روى عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) : أَخْبرنِي مُوسَى بن عقبَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبا بكر وَعمر وَعُثْمَان كَانُوا ينهون عَن الْقِرَاءَة خلف الإِمَام، وَأخرج عَن دَاوُد بن قيس عَن مُحَمَّد بن بجاد، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْجِيم، عَن مُوسَى بن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: ذكر لي أَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: وددت أَن الَّذِي يقْرَأ خلف الإِمَام فِي فِيهِ حجر، وَأخرج الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: من قَرَأَ خلف الإِمَام فَلَيْسَ على الْفطْرَة، أَرَادَ أَنه لَيْسَ على شَرَائِط الْإِسْلَام، وَقيل: لَيْسَ على السّنة. وَأخرجه ابْن أبي شيبَة أَيْضا فِي (مُصَنفه) عَن أبي ليلى عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: من قَرَأَ خلف الإِمَام فقد أَخطَأ الْفطْرَة. وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك من طرق، وَأخرجه عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) : عَن دَاوُد بن قيس عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَنهُ قَالَ: قَالَ عَليّ: من قَرَأَ مَعَ الإِمَام فَلَيْسَ على الْفطْرَة. قَالَ: وَقَالَ ابْن مَسْعُود: ملىء فوه تُرَابا. قَالَ: وَقَالَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: وددت أَن الَّذِي يقْرَأ خلف الإِمَام فِي فِيهِ حجر. وَفِي (التَّمْهِيد) : ثَبت عَن عَليّ وَسعد وَزيد ابْن ثَابت أَنه: لَا قِرَاءَة مَعَ الإِمَام لَا فِيمَا أسر وَلَا فِيمَا جهر. وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن أبي مَنْصُور عَن أبي وَائِل قَالَ: قَالَ جَاءَ رجل إِلَى عبد الله، فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن أَقرَأ خلف الإِمَام؟ قَالَ: أنصت لِلْقُرْآنِ فَإِن فِي الصَّلَاة شغلاً وسيكفيك ذَلِك الإِمَام. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الرَّزَّاق، وَأخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) نَحوه عَن أبي الْأَحْوَص عَن مَنْصُور. . إِلَى آخِره. قلت: روى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث أبي إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: سَأَلت عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن الْقِرَاءَة خلف الإِمَام فَقَالَ لي: إقرأ. قلت: وَإِن كنت خَلفك؟ قَالَ: وَإِن كنت خَلْفي. قلت: وَإِن قَرَأت؟ قَالَ: وَإِن قَرَأت. وَأخرج أَيْضا عَن مُجَاهِد، قَالَ: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو يقْرَأ خلف الإِمَام فِي صَلَاة الظّهْر من سُورَة مَرْيَم، ثمَّ أجَاب بقوله: وَقد روى عَن غَيرهم من أَصْحَاب النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خلاف ذَلِك، ثمَّ روى حَدِيث على، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الَّذِي ذكرنَا آنِفا. وَأخرج حَدِيث ابْن مَسْعُود الَّذِي أخرجه عبد الرَّزَّاق الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا، ثمَّ أخرج عَن أبي بكرَة: حَدثنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدثنَا خديج بن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ: لَيْت الَّذِي يقْرَأ خلف الإِمَام ملىء فوه تُرَابا. وَأخرج أَيْضا عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي حَيْوَة بن شُرَيْح عَن بكر بن عَمْرو عَن عبيد الله بن مقسم أَنه سَأَلَ عبد الله بن عمر وَزيد بن ثَابت وَجَابِر بن عبد الله، فَقَالُوا: لَا تقْرَأ خلف الإِمَام فِي شَيْء من الصَّلَوَات، ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَهَؤُلَاءِ جمَاعَة من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَجمعُوا على ترك الْقِرَاءَة خلف الإِمَام، وَقد وافقهم على ذَلِك مَا قد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا قدمنَا ذكره، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَحَادِيث الصَّحَابَة الَّذين رووا ترك الْقِرَاءَة خلف الإِمَام. فَإِن قلت: أخرج الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْجريرِي عَن أبي الْأَزْهَر قَالَ: سُئِلَ ابْن عمر عَن الْقِرَاءَة خلف الإِمَام، فَقَالَ: إِنِّي لاستحيي من رب هَذِه البنية أَن أُصَلِّي صَلَاة لَا أَقرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن. قلت: هَذِه مُعَارضَة بَاطِلَة، فَإِن إِسْنَاد مَا ذكره مُنْقَطع، وَالصَّحِيح عَن ابْن عمر عدم وجوب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام. فَإِن قلت: قَوْله: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قِرَاءَة الإِمَام قِرَاءَة لَهُ) ، معَارض لقَوْله تَعَالَى:: {فاقرؤا}(المزمل: ٢٠) . أَفلا يجوز تَركه بِخَبَر الْوَاحِد. قلت: جعل الْمُقْتَدِي قَارِئًا بِقِرَاءَة الإِمَام فَلَا يلْزم التّرْك، أَو نقُول