الْقُرْآن، وَسورَة الْإِخْلَاص أَكثر تيسرا من الْفَاتِحَة، فَمَا معنى تعْيين الْفَاتِحَة فِي التيسر؟ وَهَذَا تحكم بِلَا دَلِيل. وَأما قَوْله: أَو على مَا زَاد على الْفَاتِحَة، فَمن أَيْن يدل ظَاهر الحَدِيث على الْفَاتِحَة حَتَّى يكون قَوْله: (مَا تيَسّر) دَالا على مَا زَاد على الْفَاتِحَة؟ وَمَعَ هَذَا إِذا كَانَ مَأْمُورا بِمَا زَاد على الْفَاتِحَة يجب أَن تكون تِلْكَ الزِّيَادَة أَيْضا فرضا، مثل قِرَاءَة الْفَاتِحَة، وَلم يقل بِهِ الشَّافِعِي. وَأما قَوْله: أَو على من عجز عَن الْفَاتِحَة، فَحَمله عَلَيْهِ غير صَحِيح، لِأَنَّهُ مَا فِي الحَدِيث شَيْء يدل عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيث رِفَاعَة بن رَافع: (ثمَّ اقْرَأ إِن كَانَ مَعَك قُرْآن، فَإِن لم يكن مَعَك قُرْآن فاحمد الله وَكبر وَهَلل) . كَذَا فِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: (فَإِن كَانَ مَعَك قُرْآن، فإقرأ وإلاّ فاحمد الله وَكبره وَهَلله) . وَكَيف يحمل قَوْله: (إقرأ مَا تيَسّر) على من عجز عَن الْفَاتِحَة وَقد بَين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكم الْعَاجِز عَن الْقِرَاءَة مُسْتقِلّا بِرَأْسِهِ؟
السَّادِس: فِي قَوْله: حَتَّى تطمئِن) فِي الْمَوْضِعَيْنِ، يدل على وجوب الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود.
السَّابِع: قَالَ الْخطابِيّ فِي قَوْله: (وَافْعل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا) دَلِيل على أَن عَلَيْهِ أَن يقْرَأ فِي كل رَكْعَة، كَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَن يرْكَع وَيسْجد فِي كل رَكْعَة، وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: إِن شَاءَ أَن يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ قَرَأَ، وَإِن شَاءَ أَن يسبح سبح، وَإِن لم يقْرَأ فيهمَا شَيْئا أَجْزَأته، وَرووا فِيهِ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَالَ: يقْرَأ فِي الْأَوليين ويسبح فِي الْأُخْرَيَيْنِ من طَرِيق الْحَارِث عَنهُ، وَقد تكلم النَّاس فِي الْحَارِث قَدِيما، وَطعن فِيهِ الشّعبِيّ، ورماه بِالْكَذِبِ، وَتَركه أَصْحَاب (الصَّحِيح) : وَلَو صَحَّ ذَلِك عَن عَليّ لم يكن حجَّة، لِأَن جمَاعَة من الصَّحَابَة قد خالفوه فِي ذَلِك مِنْهُم: أَبُو بكر وَعمر وَابْن مَسْعُود وَعَائِشَة وَغَيرهم، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى مَا اتبع فِيهِ، بل قد ثَبت عَن عَليّ من طَرِيق عبيد الله بن أبي رَافع أَنه كَانَ يَأْمر أَن يقْرَأ فِي الْأَوليين من الظّهْر وَالْعصر بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَة الْكتاب. انْتهى. قلت: إِن سلمنَا أَن قَوْله ذَلِك دلّ على أَن يقْرَأ فِي كل رَكْعَة، فقد دلّ غَيره أَن الْقِرَاءَة فِي الْأَوليين قِرَاءَة فِي الْأُخْرَيَيْنِ، بِدَلِيل مَا رُوِيَ عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: شكا أهل الْكُوفَة سَعْدا. . الحَدِيث، وَفِيه: (وأحذف فِي الْأُخْرَيَيْنِ) ، أَي: أحذف الْقِرَاءَة فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي هَذَا الْبَاب، وتفسيرهم بقَوْلهمْ: أقصر الْقِرَاءَة وَلَا أحذفها، خلاف الظَّاهِر، وَإِن طعنوا فِي الرِّوَايَة عَن عَليّ من طَرِيق الْحَارِث فقد روى عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) : عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن أبي رَافع، قَالَ: كَانَ عَليّ يقْرَأ فِي الْأَوليين من الظّهْر وَالْعصر بِأم الْقُرْآن وَسورَة، وَلَا يقْرَأ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَهَذَا يُنَافِي قَول الْخطابِيّ، بل قد ثَبت عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من طَرِيق عبيد الله. . الخ، وَقَوله: لِأَن جمَاعَة من الصَّحَابَة قد خالفوه، غير مُسلم، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود مثله، على مَا روى ابْن أبي شيبَة، قَالَ: حَدثنَا شريك عَن أبي إِسْحَاق عَن عَليّ وَعبد الله أَنَّهُمَا قَالَا: قَرَأَ فِي الْأَوليين وَسبح فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَكَذَا روى عَن عَائِشَة، وَكَذَا روى عَن إِبْرَاهِيم وَابْن الْأسود. وَفِي (التَّهْذِيب) لِابْنِ جرير الطَّبَرِيّ: وَقَالَ حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن ابْن مَسْعُود، إِنَّه كَانَ لَا يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ من الظّهْر وَالْعصر شَيْئا. وَقَالَ هِلَال بن سِنَان: صليت إِلَى جنب عبد الله بن يزِيد فَسَمعته يسبح، وروى مَنْصُور عَن جرير عَن أبراهيم قَالَ: لَيْسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ من الْمَكْتُوبَة قِرَاءَة، سبح الله وَاذْكُر الله. وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: إقرأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَة الْكتاب أَو سبح فيهمَا بِقدر الْفَاتِحَة، أَي: ذَلِك فعلت أجزأك، وَإِن سبح فِي الْأُخْرَيَيْنِ أحب إِلَيّ. فَإِن قلت: لم يبين فِي هَذَا الحَدِيث بعض الْوَاجِبَات: كالنية والقعدة الْأَخِيرَة وترتيب الْأَركان، وَكَذَا بعض الْأَفْعَال الْمُخْتَلف فِي وُجُوبهَا كالتشهد فِي الْأَخير، وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وإصابة لَفْظَة السَّلَام. قلت: قيل فِي جَوَابه: لَعَلَّ هَذِه الْأَشْيَاء كَانَت مَعْلُومَة عِنْد هَذَا الرجل، فَلذَلِك لم يبينها قيل: يجوز أَن يكون الرَّاوِي اختصر ذكر هَذِه الْأَشْيَاء لِأَن الْمقَام مقَام التَّعْلِيم، وَلَا يجوز تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة، وَلِهَذَا قَالَ الرجل فِي حَدِيث رِفَاعَة، فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: (فأرني وَعَلمنِي فَإِنَّمَا أَنا بشر أُصِيب وأخطىء) . وَقَوله: (عَلمنِي) ، يتَنَاوَل جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ من الْوَاجِبَات القولية والفعلية. قلت: فِيهِ تَأمل، وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: تكَرر من الْفُقَهَاء الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث على وجوب مَا ذكر فِيهِ، وعَلى عدم وجوب مَا لم يذكر، أما الْوُجُوب فلتعلق الْأَمر بِهِ، وَأما عَدمه فَلَيْسَ لمُجَرّد كَون الأَصْل عدم الْوُجُوب، بل لكَون الْبَاب مَوضِع تَعْلِيم وَبَيَان للجاهل، وَذَلِكَ يَقْتَضِي انحصار الْوَاجِبَات فِيمَا ذكر. انْتهى. قلت: إِنَّمَا يَقْتَضِي انحصار الْوَاجِبَات فِيمَا ذكر أَن لَو لم يذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيع الْوَاجِبَات الَّتِي فِي الصَّلَاة وَالَّذِي لم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute