ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: حجَّة على الشَّافِعِي فِي ذَهَابه ألى أَن وَقت الْمغرب قدر مَا يُصَلِّي فِيهِ ثَلَاث رَكْعَات، وَهُوَ قَوْله الْجَدِيد، وَإِذا قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَعْرَاف يدْخل وَقت الْعشَاء قبل الْفَرَاغ مِنْهَا، فتفوت صَلَاة الْمغرب، قَالَه الْخطابِيّ، ثمَّ قَالَ: وتأويله أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى بِقدر مَا أدْرك رَكْعَة من الْوَقْت، ثمَّ قَرَأَ بَاقِيهَا فِي الثَّانِيَة، وَلَا بَأْس بوقوعها خَارج الْوَقْت قلت: هَذَا تَأْوِيل فَاسد، لِأَنَّهُ لم ينْقل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه صلى على هَذَا الْوَجْه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُرَاد بالسورة بَعْضهَا قلت: وَإِلَى هَذَا الْوَجْه مَال الطَّحَاوِيّ حَيْثُ قَالَ: يدل على صِحَة هَذَا التَّأْوِيل أَن مُحَمَّد بن خُزَيْمَة قد حَدثنَا، قَالَ: حَدثنَا حجاج بن منهال، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد عَن أبي الزبير عَن جَابر بن عبد الله الْأَنْصَار أَنهم: كَانُوا يصلونَ الْمغرب ثمَّ ينتضلون، وروى أَيْضا من حَدِيث أنس قَالَ: (كُنَّا نصلي الْمغرب مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَرْمِي أَحَدنَا فَيرى موقع نبله) . وروى أَيْضا من حَدِيث عَليّ بن بِلَال: قَالَ: (صليت مَعَ نفر من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَنْصَار فحدثوني أَنهم كَانُوا يصلونَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمغرب ثمَّ ينطلقون فيرتمون لَا يخفى عَلَيْهِم موقع سِهَامهمْ، حَتَّى يَأْتُوا دِيَارهمْ) . وَهُوَ أقْصَى الْمَدِينَة فِي بني سَلمَة، ثمَّ قَالَ: لما كَانَ هَذَا وَقت انصراف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَلَاة الْمغرب اسْتَحَالَ أَن يكون ذَلِك قد قَرَأَ فِيهَا الْأَعْرَاف، وَلَا نصفهَا. وَقد أنكر على معَاذ حِين صلى الْعشَاء بالبقرة مَعَ سَعَة وَقتهَا فالمغرب أولى بذلك، فَيَنْبَغِي على هَذَا أَن يقْرَأ فِي الْمغرب بقصار الْمفصل، وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَجُمْهُور الْعلمَاء، انْتهى قلت: قيل: قِرَاءَة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيست كَقِرَاءَة غَيره، أَلا تسمع قَول الصَّحَابِيّ: مَا صليت خلف أحد أخف صَلَاة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يقْرَأ بالستين إِلَى الْمِائَة. وَقد قَالَ. صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَانَ يَأْمر بدوابه أَن تسرح فَيقْرَأ الزبُور قبل إسراجها) . فَإِذا كَانَ دَاوُد، عَلَيْهِ السَّلَام، بِهَذِهِ المثابة فسيدنا مُحَمَّد، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَحْرَى بذلك وَأولى، وَأما إِنْكَاره على معَاذ فَظَاهر لِأَنَّهُ غَيره. فَإِن قلت: قيل: لَعَلَّ السُّورَة لم يكمل إنزالها فقراءته إِنَّمَا كَانَت لبعضها قلت: جمَاعَة من الْمُفَسّرين نقلوا الْإِجْمَاع على نزُول الْأَنْعَام والأعراف بِمَكَّة، شرفها الله تَعَالَى، وَمِنْهُم من اسْتثْنى فِي الْأَنْعَام سِتّ آيَات نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ.
وَفِيه: حجَّة لمن يرى باستحباب الْقِرَاءَة فِي صَلَاة الْمغرب بطولى الطوليين، وهم حميد وَعُرْوَة بن الزبير وَابْن هِشَام والظاهرية، وَقَالُوا: الْأَحْسَن أَن يقْرَأ الْمُصَلِّي فِي الْمغرب بالسورة الَّتِي قَرَأَهَا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَحْو الْأَعْرَاف وَالطور والمرسلات، وَنَحْوهَا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: ذكره عَن مَالك أَنه كره أَن يقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب بالسور الطوَال نَحْو: الطّور والمرسلات، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا أكره بل اسْتحبَّ أَن يقْرَأ بِهَذِهِ السُّور فِي صَلَاة الْمغرب، وَقَالَ ابْن حزم فِي (الْمحلى) : وَلَو أَنه قَرَأَ فِي الْمغرب الْأَعْرَاف أَو الْمَائِدَة أَو الطّور أَو المرسلات فَحسن. قلت: فعلى هَذَا عِنْد مَالك: إِذا كره قِرَاءَة نَحْو المرسلات وَالطور فِي الْمغرب، فَإِذا قَرَأَ نَحْو الْأَعْرَاف فالكراهة بِالطَّرِيقِ الأولى، وَإِذا اسْتحبَّ الشَّافِعِي قِرَاءَة هَذِه السُّور فِي الْمغرب، فَيدل ذَلِك على أَن وَقت الْمغرب ممتد عِنْده، وَعَن هَذَا قَالَ الْخطابِيّ: إِن للمغرب وَقْتَيْنِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: الْمُسْتَحبّ أَن يقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب من قصار الْمفصل. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم قلت: هُوَ مَذْهَب الثَّوْريّ وَالنَّخَعِيّ وَعبد الله ابْن الْمُبَارك وَأبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد وَمَالك وَإِسْحَاق. وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث عبد الله بن عمر: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الْمغرب بِالتِّينِ وَالزَّيْتُون) . وَأخرجه ابْن أبي شيبَة أَيْضا، وَفِي سَنَده مقَال، وَلَكِن روى ابْن مَاجَه بِسَنَد صَحِيح: (عَن ابْن عمر: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و {قل هُوَ الله أحد} وروى أَبُو بكر أَحْمد بن مُوسَى بن مرْدَوَيْه فِي كِتَابه (أَوْلَاد الْمُحدثين) من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة، قَالَ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب لَيْلَة الْجُمُعَة: {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و {قل هُوَ الله أحد} ) وروى الْبَزَّار فِي (مُسْنده) بِسَنَد صَحِيح عَن بُرَيْدَة: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب وَالْعشَاء وَاللَّيْل إِذا يغشى، وَالضُّحَى، وَكَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر بسبح اسْم رَبك الْأَعْلَى، وَهل أَتَاك) ، وَرُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب عَن عمر بن الْخطاب وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَعمْرَان بن الْحصين وَأبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فأثر عمر أخرجه الطَّحَاوِيّ عَن زُرَارَة بن أبي أوفى، قَالَ: أَقْرَأَنِي أَبُو مُوسَى فِي كتاب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَيْهِ: إقرأ فِي الْمغرب آخر الْمفصل، وَآخر الْمفصل من {لم يكن} (الْبَيِّنَة: ١) . إِلَى آخر الْقُرْآن، وَأثر ابْن عَبَّاس أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، قَالَ: (صلى بِنَا ابْن مَسْعُود الْمغرب فَقَرَأَ: قل هُوَ الله أحد، فوددت أَنه قَرَأَ سُورَة الْبَقَرَة من حسن صَوته) ، وَأخرجه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute