للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حول، نقلت كسرة الْوَاو إِلَى مَا قبلهَا بعد حذف الضمة مِنْهَا فَصَارَ: حيل. قَوْله: (بَين الشَّيَاطِين) جمع: شَيْطَان. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَقد جعل سِيبَوَيْهٍ نون: الشَّيْطَان، فِي مَوضِع من كِتَابه أَصْلِيَّة، وَفِي آخر زَائِدَة، وَالدَّلِيل على أصالتها قَوْلهم: شَيْطَان، واشتقاقه من: شطن، إِذا بعد لبعده عَن الصّلاح وَالْخَيْر، أَو من: شاط، إِذا بَطل إِذا جعلت نونه زَائِدَة، وَمن أَسْمَائِهِ: الْبَاطِل. وَالشَّيَاطِين: العصاة من الْجِنّ، وهم من ولد إِبْلِيس. وَالْمرَاد أعتاهم وأغواهم، وهم أعوان إِبْلِيس ينفذون بَين يَدَيْهِ فِي الإغواء. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: كل عَاتٍ متمرد من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالدَّوَاب شَيْطَان. وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى: الشَّيَاطِين مَرَدَة الْجِنّ وأشرارهم، وَلذَلِك يُقَال للشرير: مارد وَشَيْطَان، وَقَالَ تَعَالَى: {شَيْطَان مُرِيد} (الصافات: ٧) . وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: الْجِنّ منزلون على مَرَاتِب، فَإِذا ذكر الْجِنّ خَالِصا يُقَال: جني، وَإِن أُرِيد بِهِ أَنه مِمَّن يسكن مَعَ النَّاس: يُقَال: عَامر، وَالْجمع: عمار، وَإِن كَانَ مِمَّا يعرض للصبيان يُقَال: أَرْوَاح، فَإِن خبث فَهُوَ شَيْطَان، فَإِن زَاد على ذَلِك فَهُوَ مارد، فَإِن زَاد على ذَلِك وَقَوي أمره فَهُوَ عفريت، وَالْجمع: عفاريت. انْتهى. وَفِي الحَدِيث الْمَذْكُور ذكر وجود الْجِنّ وَوُجُود الشَّيَاطِين، ولكنهما نوع وَاحِد، غير أَنَّهُمَا صَارا صنفين بِاعْتِبَار أَمر عرض لَهما، وَهُوَ الْكفْر وَالْإِيمَان، فالكافر مِنْهُم يُسمى بالشيطان، وَالْمُؤمن بالجن. قَوْله: (وَأرْسلت عَلَيْهِم الشهب) ، بِضَم الْهَاء: جمع الشهَاب، وَهُوَ شعلة نَار ساطعة كَأَنَّهَا كَوْكَب منقضٍ، وَاخْتلف فِي الشهب: هَل كَانَت يرْمى بهَا قبل مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم لَا؟ لقَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّا لمسنا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا ملئت حرسا شَدِيدا وشهبا} إِلَى قَوْله: {رصدا} (الْجِنّ: ٨ ٩) . فَذكر ابْن اسحاق أَن الْعَرَب أنْكرت وُقُوع الشهب، وأشدهم إنكارا ثَقِيف،، وَأَنَّهُمْ جاؤوا إِلَى رئيسهم عَمْرو بن أُميَّة بَعْدَمَا عمي فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِن كَانَت هِيَ الَّتِي يهتدى بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر فَهُوَ خراب الدُّنْيَا وزوالها، وَإِن كَانَ غَيرهَا فَهُوَ لأمر حدث، وَإِن الشَّيَاطِين استنكرت ذَلِك وضربوا فِي الْآفَاق لينظروا مَا مُوجبه، وَنَفس الْآيَة الْكَرِيمَة تدل على وجود حراسها بِمَا شَاءَ الله تَعَالَى، إلاّ أَنه قَلِيل، وَإِنَّمَا كثر عِنْد أبان مبعث سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَالُوا: ملئت حرسا شَدِيدا لأَنهم عهدوا حرسا، وَلكنه غير شَدِيد، وَلِأَن جمَاعَة من الْعلمَاء، مِنْهُم ابْن عَبَّاس وَالزهْرِيّ، قَالُوا: مَا زَالَت الشهب مذ كَانَت الدُّنْيَا، يُؤَيّدهُ مَا فِي (صَحِيح مُسلم) من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَرمى بِنَجْم مَا كُنْتُم تَقولُونَ أَن كَانَ مثل هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة؟ قَالُوا: يَمُوت عَظِيم أَو يُولد عَظِيم. .) الحَدِيث. وَذكر بَعضهم أَن السَّمَاء كَانَت محروسة قبل النُّبُوَّة، وَلَكِن إِنَّمَا كَانَت تقع الشهب عِنْد حُدُوث أَمر عَظِيم من عَذَاب ينزل أَو إرْسَال رَسُول إِلَيْهِم، وَعَلِيهِ تأولوا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّا لَا نَدْرِي أشر أُرِيد بِمن فِي الأَرْض أم أَرَادَ بهم رَبهم رشدا} (الْجِنّ: ١٠) . وَقيل: كَانَت الشهب مرئية مَعْلُومَة، لَكِن رجم الشَّيَاطِين وإحراقهم لم يكن إلاّ بعد نبوة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَإِن قيل: كَيفَ تتعرض الْجِنّ لإتلاف نَفسهَا بِسَبَب سَماع خبر بعد أَن صَار ذَلِك مَعْلُوما لَهُم؟ أُجِيب: قد ينسيهم الله تَعَالَى ذَلِك لينفذ فيهم قَضَاؤُهُ، كَمَا قيل فِي الهدهد: إِنَّه يرى المَاء فِي تخوم الأَرْض وَلَا يرى الفخ على ظهر الأَرْض، على أَن السُّهيْلي وَغَيره زَعَمُوا أَن الشهَاب تَارَة يصيبهم فيحرقهم، وَتارَة لَا يصيبهم، فَإِن صَحَّ هَذَا فَيَنْبَغِي كَأَنَّهُمْ غير متيقنين بِالْهَلَاكِ وَلَا جازمين بِهِ. وَقَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: كَانَت الشَّيَاطِين لَا تحجب عَن السَّمَوَات، فَلَمَّا ولد عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، منعت من ثَلَاث سموات، فَلَمَّا ولد سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منعت مِنْهَا كلهَا. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ، رَحمَه الله، الَّذِي أميل إِلَيْهِ أَن الشهب لم تَرَ إلاّ قبل مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ اسْتمرّ ذَلِك وَكثر حِين بعث، وَعَن الزُّهْرِيّ: كَانَت الشهب قَليلَة فغلظ أمرهَا وَكَثُرت حِين الْبعْثَة. وَقَالَ أَبُو الْفرج فَإِن قيل: أيزول الْكَوْكَب إِذا رجم بِهِ؟ قُلْنَا: قد يُحَرك الْإِنْسَان يَده أَو حَاجِبه فتضاف تِلْكَ الْحَرَكَة إِلَى جَمِيعه، وَرُبمَا فصل شُعَاع من الْكَوْكَب فَأحرق، وَيجوز أَن يكون ذَلِك الْكَوْكَب يفنى ويتلاشى. قَوْله: (فاضربوا) أَي: سِيرُوا فِي الأَرْض كلهَا، يُقَال: فلَان ضرب فِي الأَرْض إِذا سَار فِيهَا، وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض} (النِّسَاء ١٠١) . أَي: سِرْتُمْ. قَوْله: (مَشَارِق) ، مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة أَي: فِي مَشَارِق الأَرْض وَفِي مغاربها. قَوْله: (فَانْصَرف أُولَئِكَ) ، أَي: الشَّيَاطِين الَّذين توجهوا نَاحيَة تهَامَة، وَهِي بِكَسْر التَّاء. وَفِي (الموعب) : تهَامَة اسْم مَكَّة، وطرف تهَامَة من قبل الْحجاز مدارج العرج، وأولها من قبل نجد مدارج عرق، فَإِذا نسب إِلَيْهَا يُقَال: تهامي، بِفَتْح التَّاء، قَالَه أَبُو حَاتِم. وَعَن سِيبَوَيْهٍ، بِكَسْرِهَا. وَفِي (أمالي الهجري) : آخر تهَامَة أَعْلَام الْحرم الشَّامي. وَفِي كتاب الرشاطي: تهَامَة مَا ساير الْبَحْر من نجد، ونجد مَا بَين الْحجاز إِلَى الشَّام إِلَى العذيب، وَالصَّحِيح أَن مَكَّة من تهَامَة. وَقَالَ الْمَدَائِنِي: جَزِيرَة الْعَرَب خَمْسَة أَقسَام: تهَامَة ونجد وحجاز وعروض

<<  <  ج: ص:  >  >>