للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عشرَة من النُّبُوَّة. الثَّانِي: أَن الْجِنّ كَانَت مُتعَدِّدَة وتعددت وفادتهم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَالْمَدينَة بعد الْهِجْرَة، وَفِي كَلَام الْبَيْهَقِيّ: أَن لَيْلَة الْجِنّ وَاحِدَة نظر. الثَّالِث: فِي الحَدِيث وجود الْجِنّ. قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابه (الشَّامِل) : إِن كثيرا من الفلاسفة وجماهير الْقَدَرِيَّة وكافة الزَّنَادِقَة أَنْكَرُوا الشَّيَاطِين وَالْجِنّ رَأْسا، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الصفار فِي (شرح الْإِرْشَاد) : وَقد أنكرهم مُعظم الْمُعْتَزلَة، وَقد دلّت نُصُوص الْكتاب وَالسّنة على إثباتهم. وَقَالَ أَبُو بكر الباقلاني: وَكثير من الْقَدَرِيَّة يثبتون وجود الْجِنّ قَدِيما وينفون وجودهم الْآن، وَمِنْهُم من يقر بوجودهم وَيَزْعُم أَنهم لَا يرَوْنَ لرقة أَجْسَادهم ونفوذ الشعاع. وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّهُم لَا يرَوْنَ لأَنهم لَا ألوان لَهُم. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس ابْن تَيْمِية: لم يُخَالف أحد من طوائف الْمُسلمين فِي وجود الْجِنّ وَجُمْهُور طوائف الْكفَّار على إِثْبَات الْجِنّ، وَإِن وجد من يُنكر ذَلِك مِنْهُم، كَمَا يُوجد فِي بعض طوائف الْمُسلمين، كالجهمية والمعتزلة، من يُنكر ذَلِك، وَإِن كَانَ جُمْهُور الطَّائِفَة وأئمتها مقرين بذلك، وَهَذَا لِأَن وجود الْجِنّ تَوَاتَرَتْ بِهِ أَخْبَار الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، تواترا مَعْلُوما بالاضطرار. الرَّابِع: فِي ابْتِدَاء خلق الْجِنّ، وَفِي كتاب (الْمُبْتَدَأ) : عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، قَالَ: خلق الله الْجِنّ قبل آدم بألفي سنة. وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَ الْجِنّ سكان الأَرْض وَالْمَلَائِكَة سكان السَّمَاء. وَقَالَ بَعضهم: عمروا الأَرْض ألفي سنة. وَقيل: أَرْبَعِينَ سنة. وَقَالَ إِسْحَاق بن بشر فِي (الْمُبْتَدَأ) : قَالَ أَبُو روق: عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لما خلق الله شوما أَبَا الْجِنّ، وَهُوَ الَّذِي خلق من مارج من نَار، فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: تمنَّ. قَالَ أَتَمَنَّى أَن نرى وَلَا نُرى، وَأَن نغيب فِي الثرى، وَأَن يصير كهلنا شَابًّا، فَأعْطِي ذَلِك، فهم يرَوْنَ وَلَا يرَوْنَ، وَإِذا مَاتُوا غَيَّبُوا فِي الثرى، وَلَا يَمُوت كهلهم حَتَّى يعود شَابًّا، يَعْنِي: مثل الصَّبِي ثمَّ يرد إِلَى أرذل الْعُمر. قَالَ: وَخلق الله آدم، عَلَيْهِ السَّلَام، فَقيل لَهُ: تمنَّ فتمنى الْحِيَل فَأعْطِي الْحِيَل. وَفِي (التَّلْوِيح) : وَقد اخْتلف فِي أصلهم، فَعَن الْحسن: أَن الْجِنّ ولد إِبْلِيس، وَمِنْهُم الْمُؤمن وَالْكَافِر، وَالْكَافِر يُسمى شَيْطَانا. وَعَن ابْن عَبَّاس: هم ولد الجان وَلَيْسوا شياطين مِنْهُم الْكَافِر وَالْمُؤمن، وهم يموتون، وَالشَّيَاطِين ولد إِبْلِيس لَا يموتون إلاّ مَعَ إِبْلِيس، وَاخْتلفُوا فِي مآل أَمرهم على حسب اخْتلَافهمْ فِي أصلهم. فَمن قَالَ: أَنهم من ولد الجان، قَالَ: يدْخلُونَ الْجنَّة بإيمَانهمْ. وَمن قَالَ: إِنَّهُم من ذُرِّيَّة إِبْلِيس، فَعِنْدَ الْحسن: يدْخلُونَهَا، وَعَن مُجَاهِد: لَا يدْخلُونَهَا. وَقَالَ: لَيْسَ لمؤمني الْجِنّ غير نجاتهم من النَّار. قَالَ تَعَالَى: {ويجركم من عَذَاب أَلِيم} (الْأَحْقَاف: ٤٦) . وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة. وَيُقَال لَهُم كَالْبَهَائِمِ: كونُوا تُرَابا، وَفِي رِوَايَة عَن أبي حنيفَة أَنه تردد فيهم وَلم يجْزم. وَقَالَ آخَرُونَ: يعاقبون فِي الْإِسَاءَة ويجازون فِي الْإِحْسَان كالأنس، وَإِلَيْهِ ذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي ليلى لقَوْله تَعَالَى: {وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا} (الْأَنْعَام: ١٣٢) . بعد قَوْله: {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس} (الْأَنْعَام: ١٣٠) . الْآيَات. الْخَامِس: فِيهِ دلَالَة على أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهر بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاة الْفجْر، وَعَلِيهِ بوب البُخَارِيّ. السَّادِس: فِيهِ دلَالَة على مَشْرُوعِيَّة الْجَمَاعَة فِي الصَّلَاة فِي السّفر، وَأَنَّهَا شرعت من أول النُّبُوَّة. السَّابِع: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل إِلَى الْأنس وَالْجِنّ، وَلم يُخَالف أحد من طوائف الْمُسلمين فِي أَن الله تَعَالَى أرسل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس، لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (بعثت إِلَى النَّاس عَامَّة) . فِي حَدِيث جَابر فِي (الصَّحِيحَيْنِ) . قَالَ الْجَوْهَرِي: النَّاس قد يكون من الْإِنْس وَمن الْجِنّ، وَقد أخبر الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن أَن الْجِنّ اسْتَمعُوا الْقُرْآن، وَأَنَّهُمْ آمنُوا بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ} (الْأَحْقَاف: ٢٩) . إِلَى قَوْله: {أُولئك فِي ضلال مُبين} (الْأَحْقَاف: ٣٢) . ثمَّ أمره الله أَن يخبر النَّاس بذلك ليعلم الْإِنْس بأحوالها وَأَنه مَبْعُوث إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ.

٧٧٤ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عَنْ عَكْرِمَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ قرأَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أُمِرَ وسَكتَ فِيمَا أُمِرَ وَمَا كانَ ربَكَ نَسِيَّا ولَقدْ كانَ لَكُمْ فِي رسولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنةٌ

مطابقته للتَّرْجَمَة تظهر من قَوْله: (قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أَمر) ، لِأَن مَعْنَاهُ: جهر بِالْقِرَاءَةِ فِيمَا أَمر بِالْقِرَاءَةِ، وَإِنَّمَا صَحَّ أَن يُقَال: معنى قَرَأَ: جهر بِالْقِرَاءَةِ، لِأَن معنى قسيمه، وَهُوَ قَوْله: (سكت فِيمَا أَمر) ، أَي: اسر فِيمَا أَمر بإسرار الْقِرَاءَة. وَلَا يُقَال: معنى سكت: ترك الْقِرَاءَة، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يزَال إِمَامًا، فَلَا بُد لَهُ من الْقِرَاءَة سرا أَو جَهرا، وَقد تظاهرت الْأَخْبَار وتواترت

<<  <  ج: ص:  >  >>